الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أم الكوارث.. النفط بالمجان وبالخسارة


في كارثة تاريخية غير مسبوقة، انهارت أسعار النفط العالمية إلى ما دون الصفر -37 دولار للبرميل، ولأول مرة في التاريخ لا يجد تجار النفط في الولايات المتحدة الأمريكية مشترين لبضاعتهم، فحدث التحول التراجيدي، بقيام تجار النفط ببيع العقود النفطية تسليم مايو 2020 بالخسارة إلى المشترين، نظير أن يأخذوا النفط منهم ويجدوا مكانا عندهم لتخزينه!

الكارثة التي حلت على العالم في الاثنين الأسود لصناعة النفط 20 أبريل 2020، لم تكن متخيلة ولا متوقعة أبدا مع الذهب الأسود، الذي قامت عليه الاقتصادات العربية منذ خمسينيات القرن العشرين، ومن خلاله أصبح للعرب وبالخصوص دول الخليج ثروات ضخمة بعد اكتشاف النفط.

 والحاصل وفق كل الخبراء العالميين في النفط، والذين يجتهدون حتى اللحظة لتفسر ما حدث، أنه بامتلاء خزانات النفط العالمية وبالخصوص في الولايات المتحدة الأمريكية، وحدوث شلل في الاقتصاد العالمي، وتوقف حركة النقل والشحن البحري والطيران المدني وجلوس نصف سكان الأرض في منازلهم بسبب كورونا، كان طبيعيا أن ينعكس ذلك كله على الصناعة النفطية، فيذهب تجار النفط ببضائعهم فلا يجدون من يشتريه لوجود تخمة هائلة في المعروض.

 كارثة الاثنين الأسود تخص عقود تسليم مايو 2020 ،أما عقود شهر يونيو المقبل فسعر البرميل نحو 20 دولار وهى لا تزال كارثة أيضا ليس فقط لأن هناك مصاريف إنتاج وتشغيل والسعر هكذا في حال ثبوته على رقم 20 دولار للبرميل، يجعل صناعة النفط خاسرة، ويدفع إلى توقف كبرى شركات النفط في العالم ولا يمكن أن نتجاهل أن نحو 13 %من الحفارات الأمريكية العملاقة توقفت عن العمل الأسبوع الماضي،  لوجود تخمة في المعروض.

ولكن لأن انهيار أسعار النفط بهذه الطريقة سيدفع إلى عجز هائل في الاقتصادات العربية، وبالخصوص اقتصادات دول الخليج والتي اعتمدت ميزانياتها كلها للعام الحالي بسعر50 دولار لبرميل النفط، وكان وقتها وقبل هجممة كورونا يصل سعره إلى نحو 75 دولارًا للبرميل، وساعتها وبقيمة 50 دولارا للبرميل فإن السعودية قدرت أنها ستواجه عجزا بقيمة 50 مليار دولار في ميزانيتها، وكذلك الكويت وفقا لخبراء اقتصاد عالميون، أما الان وسعر البرميل ب20 دولار فقط تسليم يونيو، وهناك احتمال ألا يصمد عند هذا الحد، ويصل إلى أقل من 10 دولارات للبرميل الواحد، فإن كورونا يكون قد تسبب في كارثة عالمية غير مسبوقة، ستظهر تداعياتها حتما في النصف الثاني من العام الجاري.

والنفط الذي أصبح بالخسارة وبالمجان ليس فقط هو الصناعة الوحيدة التي دمرها كورونا الفتاك، فقد سبق ودمر صناعة السياحة ودمر صناعة الطيران وامتلأت الأرض بالطائرات واقفة في جراجات!

كارثة النفط في رأي، ستكون واحدة من الأسباب التاريخية الهائلة التي ستغير مجرى الأرض، وستدفع لتداعي اقتصادات عربية هذا العام، لكن الدرس المستفاد منها أنه لايمكن الاعتماد وبالخصوص للدول الخليجية الغنية على مصدر واحد مثل النفط، وهو ما حذر منه الخبراء على مدى العقود الماضية، ولابد أن تكون هناك مداخيل أخرى للاقتصاد مثل الصناعة والزراعة والتكنولوجيا وغيرهم أما النفط وحده، فقد يتحول الذهب الأسود إلى سعر أقل من التراب في لحظة، وساعاتها تكون المأساة هائلة وتداعياتها ضخمة ويمكن للجميع أن يحسها الآن ويشعر بها سواء للمواطنين الأصليين في هذه الدول أو المقمين فيها. وبالفعل فهناك تحذيرات، من تآكل الاحتياطات المالية لدول الخليج بسبب انهيار أسعار النفط وهى كارثة مفزعة ندعو الله ألا نصل إليها خلال الفترة القادمة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط