الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المجددون في الإسلام.. عبد الرحمن الكواكبي (4)


تقاس الشجاعة بوقتها، ويقاس التجديد بالزمن الذي يظهر فيه وكيفة تصديه للانحطاط والأفكار المتخلفة والمهترئة والظلامية، التي يتم تداولها وبالخصوص بين العامة وتسيطر على عقولهم، ويعد عبد الرحمن الكواكبي، الذي ولد عام 1855 ولم يعش سوى 46 عامًا، واحدا من كبار رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر، وأحد المجددين الكبار في الإسلام، لانه استخرج من آيات الذكر الحكيم في عصره وبعد عصره، ما ينفع الناس في معيشتهم ويصلح أحوالهم، وجعل منها نبراسًا يهدي للحق ويتصدى للظلم والطغيان.
 جاءت نشأة عبد الرحمن الكواكبي، في مدينة حلب بسوريا وتحت وطاة الحكم العثماني الرذيل، الذي جثم على قلوب العرب والمسلمين عدة قرون، فما جاءهم منه إلا الانحطاط والظلامية والتخلف، ظهر كتبه الشهير "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، والذي كان ولا يزال صرخة ليس فقط ضد الاستبداد السياسي، وقد كان رذيلة الرذائل في القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين، ولكن ضد الاستبداد الديني، ففى وقت من الأوقات كان شيوخ الدين الظلاميين أشبه "باباوات أوروبا" في العصور الوسطى، ولم يكونوا قادرين سوى على أن يدفعوا الملايين من أتباعهم، إلا للمزيد من الجهل والترنح تحت أستار التخلف والكسل، خرج "الكواكبي" بكتابه الذي عاش عشرات السنين ليقول كلاما كان ولا يزال قويًا وغريبا على أسماع المستبدين الذين حاربهم الكواكبي، وفر منهم من سوريا إلى الهند والصين وسواحل أفريقيا وآسيا  ثم جاء إلى مصر، وكتب فيه "إن الاستبداد هو غضب نار الله في الدنيا، كما أن الجحيم هو غضبه في الآخرة، وأنه غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي والحقوق المشتركة، والمستبد هو عدو الحق وعدو الحرية وقاتلها، موضحا "أن السياسيين يبنون استبدادهم على أساس التعالي الشخصي والتشامخ الحسي على العامة والرعية،  فيذلونهم بالقهر والقوة وسلب الأموال حتى يجعلوهم خاضعين لهم، وقد وقف الدين الاسلامي ضد المستبدين، وعظم من أمر "الشوري" في كثير من آيات القران الكريم، وسرد ذكر الكثير من الجبابرة والمستبدين على مدى التاريخ، فالاستبداد هو أصل كل فساد ونتيجته الفساد وداء تبتلى به الشعوب في بعض مراحل تاريخها".
وأحست الدولة العثمانية، بسطوة الكواكبي وقوة كلمته الرافضة للامبراطورية المنحلة في التاريخ الاسلامي، فجرت ملاحقته حتى ليقال إن وفاته وفق بعض الروايات جات بدس السم له في فنجان قهوة.
وإذا كان كتاب "طبائع الاستبداد" هو الكتاب الأشهر للكواكبي، ويعد واحدا من العلامات الكبرى في تاريخ النهضة العربية والملهم لأجيال من العلماء والمفكرين والمصلحين، فإن الكواكبي وخلال عمره القصير استطاع أن يترك كتبا أخرى، تشهد بنبوغه وعمق ونضوج تجربته الفكرية، ومنها أم القرى والعظمة لله وصحائف قريش وقد فقد مخطوطان مع جملة أوراقه ومذكراته ليلة وفاته.
استمر عبد الرحمن الكواكبي، بالكتابة ضد السلطة العثمانية التي كانت في نظره تمثل الاستبداد، طيلة حياته ولما ضاق ذرعا من ممارساتها، فرّ إلى مصر وحفر التاريخ في مصر مواقفه ورؤاه، فذاع صيته وتتلمذ على يديه الكثيرون وكان واحدًا من أشهر العلماء.
 ويشهد التاريخ، أن أمثال الكواكبي من كبار المجددين والمصلحين في الإسلام، هم الذين صنعوا نهضة هذه الأمة في وقت من الأوقات، لأنهم كما وقفوا أمام "المستبدين" والمستعمرين لحظات، فإنهم وقفوا أمام جحافل الدم والأفكار الظلامية لحظات ولحظات.
 إن دراسة تاريخ الكواكبي، ومؤلفاته تفتح النظر، على تاريخ مجيد من المقاومة الفكرية والدينية والسياسية المشهودة في تاريخ الشعوب العربية، وبالأخص تحت نير الاستعمار العثماني، ثم ما تلا ذلك من استعمار غربي واحتلال إسرائيلي ثم جاءت فترات الاستقلال.
رحم الله الكواكبي، جزاء ما قدمه للأمة العربية والإسلامية من مواقف شجاعة وفكر دينى وسياسي مستنير حفظ اسمه لليوم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط