الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحماية الذكية للمال العام


منتج أمريكى عشرون درجة , منتج أوروبى عشر درجات , منتج مصرى أو دول أخرى خمس درجات , هذه ليست أسعار طماطم فى شادر خضار فى أحد الاسواق الشعبية , أو مزاد علنى على بيع ملابس فى أحد شوارع العتبة المزدحمة , بل هى درجات تم وضعها ضمن الشروط الفنية لتقييم منتج مطلوب توفيره فى مناقصة رسمية فى المحروسة .


تمت المناقصة وتمت الترسية على المنتج الامريكى صاحب أعلى النقاط  طبقًا للشروط الفنية الموضوعة , والاقل سعرًا بعدما اقتصر التنافس على منتجين فقط لا غير من بين العديد من المنتجات المصرح بتداولها فى الاسواق، راجعت الاجهزة الرقابية المختصة بالامور المالية الاسعار والبيانات المالية , أما الشروط الفنية فلم يراقبها أحد ولم يراجعها أحد .


فالرقابة على المشتريات الحكومية رقابة لاحقة , وتتركز فى مراجعة الاجراءات المالية , ولا أحد يراقب أو يراجع ما تم قبل الوصول الى الجانب المالى , فلا أحد يراقب أو يسأل لماذا تم رفض منتج ما من الناحية الفنية  على الرغم من أنه موجود فى أماكن أخرى ومصرح بتداوله , ولا أحد يسأل هل المنتج المرفوض فنيا يستحق الرفض الفنى فعليًا , أم أن الرفض الفنى جاء لإتاحة الفرصة للمنافس كى يتحول الى عرض وحيد يضع السعر الذى يريده , أو الرفض الفنى تم لأن صاحب المنتج المرفوض فنيًا لم يلبِ الطلبات الخاصة لمن رفضوه , أضف الى ذلك ان بعض الشروط الفنية يتم تفصيلها على مقاس منتجات بعينها وشركات بعينها.


فمن الادوية والمستلزمات الطبية الى الاجهزة الكهربائية مرورًا بـ عدادات الكهرباء والمياه , كل شيء له تقارير فنية تسبق البت المالى , تقارير تقبل من تشاء وتستبعد من تشاء دون مساءلة , وأتذكر أننى قرأت منذ عدة سنوات مناقصة معلنا عنها فى إحدى الصحف اليومية حددت فيها اللجنة الفنية اسم الشركة المطلوب من الموردين الشراء منها , ولا أعلم لماذا النشر والتكاليف اذا كانوا قد حددوا نوع وماركة وصانع ما يحتاجونه .


فعلى الرغم من أن التقارير الفنية هى الاخطر على المال العام , الا أنها الاقل اهتماما لدى الجهات الرقابية، حتى صارت أداة بعض الشركات الكبرى للتخلص من منافسيها الصغار عن طريق الرشاوى لاستبعاد المنافسين الاقل سعرًا, وأداة سهلة لأى عضو لجنة فنية لابتزاز الموردين وتحقيق مكاسب شخصية ان شاء ذلك دون خوف من عقاب , فالكل يحاسب العضو المالى فى لجنة المشتريات على فقدان الجنيهات القليلة , ولا أحد يحاسب زميله العضو الفنى على التسبب منذ البداية فى إهدار الملايين الكثيرة .


ومع مرور الوقت دون حساب من أخطأ , تطورت الامور وصارت لدينا سلوكيات جديدة وغريبة علينا , من نوعية إجبار الموردين على فرش أو تكييف مكاتب أعضاء اللجان الفنية أو شراء أجهزة ومستلزمات خاصة باستخداماتهم الشخصية داخل أماكن عملهم , وغيرها من هذه الاتاوات والرشاوى الكثيرة المقنعة , فكل تبرع إجبارى شخصى يقابله تنازل عام كبير , ففى عالم البزنس لا أحد يقدم تبرعا إجباريا دون مقابل , ولا  أحد يرضخ لسداد إتاوة تفرض عليه دون ان يبحث عن تعويضها أضعافا مضاعفة من نفس المكان .


ومن هنا أتمنى وجود جهاز للرقابة الفنية على غرار هيئة الرقابة الادارية يكون تابعًا لمؤسسة الرئاسة , له كل الصلاحيات السيادية فى إنهاء عمل كل من تسول له نفسه استغلال وظيفته العامة فى تحقيق مصالح خاصة، جهاز له قانونه الخاص الذى يمنحه صلاحيات مراقبة سلوكيات وعلاقات وتعاملات كل من يعمل فى أى لجنة فنية صغيرة كانت أو كبيرة , فكل لجنة مشتريات فى أى جهة أو هيئة عامة فيها أعضاء فنيون وأعضاء ماليون، وعدد الاعضاء الفنيين وطبيعة عملهم وتأثير قراراتهم على المال يحتم علينا وجود هذا الجهاز السيادى القوى الذى يراقبهم من أجل توفير حماية ذكية ومبكرة للمال العام .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط