هواجس الناس من 25 يناير المقبل

إذا بلغت الأمور حدا كبيرا من الغموض, فلا تتوقع سوي الارتباك وإذا وصل الارتباك درجة فقدان البوصلة, فلا تنتظر غير اتساع نطاق الخوف. وإذا أصبح الناس عاجزين عن فهم أشياء كثيرة, سيتحول الخوف إلي إحباط. وإذا فشلوا في تفسير ما يدور حولهم وأخفقوا في الإجابة عن من أين جاء ولماذا؟ سوف يكون الدخول إلي المجهول مصيرهم.
تبدو هذه المقدمة ضرورية للاقتراب من حالة الهلع التي يعاني منها قطاع كبير من المواطنين. فعدد كبير من الأقارب والأصدقاء والزملاء الذين التقيتهم خلال الأيام الماضية أصبحوا مهمومين بما سيحدث يوم 25 يناير المقبل. وبدأ الكبار والصغار, الشيوخ والشباب, الأولاد والبنات, تسيطر عليهم مشاعر خوف شديد, بسبب كثرة ما سمعوا وشاهدوا وقرأوا. فهناك حملات إعلامية تستخدم وسائل متعددة, ذهبت إلي حد أن القيامة ستقوم في ذلك اليوم. لا أقصد بالطبع القيامة بالمعني الديني, بل هو تشبيه علي سخونة الأحداث المنتظر وقوعها, والتي بدأ بعض النشاطاء السياسيين علي الانترنت يعدون لها. تارة بسبب رغبة حقيقية في تصحيح مسار الثورة. وأخري انتقاما ممن قيل إنهم كانوا سببا في انحرافها. وثالثة أملا في عودة الثورة إلي أحضان مفجريها الأساسيين من شباب المتظاهرين.
بصرف النظر عن نوايا أصحاب الدعوات, نبيلة أم خبيثة, فإن الأوضاع الراهنة لا تدعو للاطمئنان وتثير القلق مما هو آت. ولا أبالغ إذا قلت أن ملامح القلق ربما تكون أكثر خطورة مما كنا عليه قبل25 يناير الماضي. ففي عهد مبارك كان الصراع المكتوم محسوما بين أقلية تمسك بمقاليد السلطة والثروة, وأغلبية كاسحة تعاني الفقر والجوع والمرض وفقدان الكرامة الإنسانية. أما الآن فالأمور وصلت إلي مرحلة حرجة من الصدام والتشرذم وسوء النيـة. ودخلت جهات محلية وأخري خارجية مربع الثورة, بعضها يملك أجندات سياسية ضد مصالح وطنية ولديه تقديرات تدفعه نحو العمل علي مزيد من خلط الأوراق الحالية. وكنت أود أن أكون متفائلا وأنقل تفاؤلي إلي من حولي, لكن للأسف أي قراءة موضوعية للمشهد العام في مصر تدعو للتشاؤم. وآياته متفرقة. أبرزها, الخمول الحاصل في محاكمة مبارك وأعوانه. فبعد نحو 13 جلسة أمام محكمة الجنايات, لا تزال هناك جوانب غير مفهومة في خط سير القضية. وبالطريقة التي تسير عليها الآن سوف نحتاج إلي وقت طويل, حتي يتم الفصل فيها, بعد أن دخلت في دروب ودهاليز وحيل قانونية معقدة. وبالتالي تتراكم الشكوك وتتزايد المخاوف من فقدان الرغبة في المحاسبة الجنائية. وكلها عوامل تضاعف الاقتناع بعدم حدوث التغيير المنشود وزيادة الرغبة في موجة ثانية لتجديد دماء الثورة.
أضف إلي ذلك, الالتباس الحاصل في معاقبة المحرضين والمتسببين في ملفات كثيرة, بدءا من موقعة الجمل وحتي أحداث مجلس الوزراء وحرق المجمع العلمي. فلا أحد يعرف من المسئول عن جميع الأحداث التي وقعت بعد الثورة, وهل عجز المجلس العسكري عن وضع يده عليهم, أم هناك دوافع أمنية تفرض السرية والتكتم؟. وفي كل الأحوال, أفضي عدم الإفصاح عن الجهة أو الجهات التي وقفت وراء جميع الأحداث, إلي إعطاء فرصة لاتهام بعض الجهات الرسمية بالوقوف خلفها, وأن لديها مصالح سياسية في تسخين الأوضاع من وقت لآخر. وبعيدا عن صواب أو خطأ هذا النوع من الاتهامات, فإن النتيجة التي سيصل إليها أي عاقل تؤكد هذا الاقتناع. وهو ما يشجع قطاعا عريضا من المواطنين علي العودة إلي التظاهر والضغط من أجل المصارحة ومعرفة الحقيقة. لذلك أري أن يوم 25 يناير المقبل سيكون يوما غير عادي, ما لم يعلن المجلس العسكري عن خطوات محددة لتفسير ما جري خلال الفترة الماضية, ويضع النقاط أعلي وأسفل الحروف بشأن الاستعداد لمواجهة استحقاقات الفترة المقبلة.
من جهة ثانية, هناك حالة من الالتفاف بدأ يشعر بها كثير من البسطاء, تتعلق بملف الشهداء والمصابين. فالحكومة لم تقدم ما هو مطلوب منها علي أكمل وجه. وهو ما أعطي الفرصة لمتاجرة البعض بهذه القضية الإنسانية. ورغم معرفتي بإعلاميين محترمين وسيدات أعمال, قاموا بدور مهم في مساعدة أسر الشهداء والمصابين, غير أن هناك آخرين تلقفوا هذا الملف, لتحقيق أغراض سياسية. منها ما له علاقة بماضيهم السييء ورغبتهم في غسله بدماء الشهداء. ومنها ما هو علي صلة بأجندة بعض رجال الأعمال, الذين حرضوا بعض مقدمي البرامج في محطاتهم علي النفخ في هذا الملف وإبعاد الناس عن ملفات النهب والرشاوي وفساد الذمم التي كانت سائدة طوال عهد مبارك, بصورة أصابت الثورة بنكبة مزدوجة. فلا الشهداء والمصابون أخذوا ما يستحقونه من تكريم, ولا ملفات الفساد فتحت علي مصراعيها. وبالتالي لا أحد يلوم أسر الفريق الأول في أن تبحث عن حقوقها الضائعة, بين وهج إعلامي زائف, وعجز حكومي ظاهر. وما لم يتم الإسراع بإنصاف هؤلاء, سوف يكونون من أهم العناصر التي ستساهم في تأجيج الموقف يوم 25 يناير, خاصة بعد أن أصبحوا ثمرة تسعي قوي سياسية ومجتمعية لقطفها, ونار خامدة يرغب حقوقيون في إشعالها دائما.
الواقع أن تضرر قوي سياسية من الفوز الكبير للتيار الإسلامي في الجولتين السابقتين للانتخابات, جعلهم يتعمدون التضخيم من الكلام الذي يتردد حول وجود صفقة بينه والمجلس العسكري. والتشكيك في نوايا الطرفين تجاه التيارات العلمانية. الأمر الذي جعل قوي في الأخيرة تحرض علي ضرورة النزول في مظاهرات 25 يناير, لفض ما يقال حول تفاهمات جرت بين الجانبين, تضمن للإسلاميين حضورا معنويا ونفوذا سياسيا, وللعسكري مزايا نسبية, تبعده علي الأقل عن أي مساءلة مستقبلية. وكانت عملية مداهمة 17 مقرا لمنظمات حقوقية قبل أيام, واحدة من الخطوات غير المفهومة, ومن العلامات التي استخدمت كدليل علي هذه العلاقة. حيث اعتبرت رسالة شديدة اللهجة للمنظمات التي تتلقي دعما من الغرب, في حين جري تجاهل المؤسسات التي تتلقي تمويلا من الشرق. كما أن الإخوان المسلمين وكثير من السلفيين دعموا التوجه نحو الهجوم القضائي والسياسي علي بعض منظمات المجتمع المدني, والمرجح أن يتمثل رد هؤلاء علي هذه التصرفات في مزيد من الضغوط علي المجلس العسكري وحكومة الجنزوري, من خلال دعوات مكثفة للخروج يوم 25 يناير, بحجة تصحيح المسار.
الظاهر أن عددا كبيرا من المصريين الذين خرجوا يوم 25 يناير الماضي وما تلاه من أيام حتي رحيل مبارك عن الحكم, يبدو عازفا الآن عن المشاركة في فرحة الذكري الأولي للثورة, لأن هناك خوفا من أن تتحول المظاهرات السلمية إلي صدامات أمنية. حيث تتوافق مصالح جهات متباينة, في الحكم وخارجه, علي ضرورة تغيير أوراق اللعبة الراهنة. من هنا ربما تتراجع المشاركة العفوية والوطنية في ذلك اليوم, لحساب المشاركات التي لديها أجندات سياسية. وتتحول مخاوف الناس من 25 يناير إلي كارثة حقيقية. لكن عزائي أننا نفشل دائما في توقع رد فعل المصريين, بدليل سقوط مبارك خلال 18 يوما فقط وإجراء الانتخابات في أجواء آمنة وظهور مؤشرات لعودة الأمن إلي الشارع. وثقتي بلا حدود في ابداعاتهم لنتجنب المصير المجهول.
نقلاً عن جريدة الأهرام