الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لماذا سقطت الأنظمة الدينية؟.. السودان نموذجًا «2»


ما مر بالسودان خلال الثلاثة عقود الماضية، يعتبر بحق قصة مأساوية، فالبلد الذي لم يكن صغيرًا ولم يكن تنقصه الموارد، ولا الإمكانيات ليقف على قدميه وينطلق نحو التقدم، كانت تنقصه حتى سقوط حكم "عمر البشير" الحكومة السياسية الرشيدة، والنظام المتزن الذي يتفاعل مع العصر ويعرف متطلباته ومتطلبات بلاده من التنمية.
لكن فجأة وفي الفترة الأخيرة من حكم جعفر نميرى، وباختصار موجز مكثف، بدأت منذ الثمانينيات، هبوب موجة الحكم الديني في السودان، والعمل على "أسلمة المجتمع"، بعدما ازدهر النشاط السياسي للإخوان في الجامعات السودانية، حتى مثلوا القوة الحزبية الثالثة بعد الحزبين الطائفيين الكبيرين الأمة والإتحادي، وفقا لموسوعة "ويكبيديا" حتى انفرد الإخوان بحكم السودان بوصول البشير للسلطة في 1989، وبرعاية زعيمهم الأشهر حسن الترابي، ومن وقتها لم يعرف السودان يوما طيبا، فقد جاءت البدايات في عهد نميري ثم جاءت السطوة في عهد البشير.

صحيح أن الفترة السابقة على ذلك، شهدت فترات اضطراب عديدة، لكن ظهور رموز الحكم الديني في السودان كان وبالًا عظيما على السودان، وزاد من حدة الكوارث والمصائب، وظل السودان يدفع الفواتير الضخمة لنحو 30 سنة متصلة.

فبظهور الترابي- البشير، على سدة الحكم في السودان باعتبار الثاني حاكمًا والأول منظرا ضاع السودان، وتفشى الفساد وترنحت البلد, وأصبح السودان ممرًا للجماعات الإسلامية المتطرفة حينا و"موطنا" مهما لها حينا آخر.

ولا يمكن بالطبع أن ينسى أحد، كما لم ينسى العالم الفترة السوداء، التي ظهر فيها زعيم الإرهاب العالمي أسامة بن لادن في السودان، ووفقا لتقرير نشرته جريدة الشرق الأوسط عن سنوات بن لادن في السودان. فعندما أُبعد زعيم الإرهاب العالمي أسامة بن لادن، من الخرطوم مجبرًا، إلى جبال "تورا بورا" في أفغانستان في عام 1996، كانت قد مضت 7 سنوات على سقوط السودان، في قبضة الجماعة الإخوانية الإسلامية، تحت اسم حكومة "الإنقاذ" سنة1989، والذي قام بتخطيطه عرّاب الجماعة في السودان، حسن الترابي، وتحولت بعده الأراضي السودانية إلى قاعدة وملجأ للحركات الجهادية الإسلامية من الدول الأخرى، خاصة العربية. قبلها كانت الولايات المتحدة الأمريكية، قد أدرجت السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب في عام 1993، بعد اتهام حكومته برعاية أنشطة إرهابية، واستضافة زعيم "تنظيم القاعدة"، وفتح أراضي البلاد للجماعات المتطرفة من شتى أنحاء العالم.

وكان بن لادن، قد استقر في السودان قبلها بنحو 5 سنوات في عام 1991، بغطاء رجل الأعمال والمستثمر، لكنه بطبيعة الحال، كان مقربًا من الجماعة الإسلامية التي تحكم البلاد، والتي تتبنى شعارات جهادية ضد الغرب ودول الجوار التي تتوافق مع أفكاره المتطرفة، ونتيجة لذلك جمعت بن لادن لقاءات عدة في العلن والسر بقادة الجماعة، أمثال عمر البشير وحسن الترابي.

المشكلة أنه بعدما خرج أسامة بن لادن من السودان متوجها إلى أفغانستان، وبعدما حدثت قصة تراجيدية تجاه أمواله، روتها "الشرق الأوسط"  فعندما سأل وهو على سلم الطائرة، عن مصير أمواله وممتلكاته أخبروه، أنه ستصفى وترسل له حقوقه كاملة، لكن هذا لم يحدث وكان هذا صفحة أخرى لفساد الإرهابيين، الذين يرفعون شعارات دينية براقة، وإقامة أنظمة سياسية مثالية، وهم في الأصل فاسدون ولصوص، كما هو الحال مع البشير الذي أسقطه الشعب السوداني ويحاكم الآن بعشرات التهم.

المهم أن الفرصة جاءت للسودان أنذاك، في منتصف التسعينيات ليطهّر نفسه من براثن الإرهابيين، لكن ذلك لم يحدث، وبدأ السودان يتعثر من خطوة إلى أخرى، تحت براثن نظام ديني يرفع شعار إسلامي وهو غير ذلك على الإطلاق. ومن حفرة الجماعات الإسلامية ودعم أجندة الإرهابيين إلى حفرة الإبادة الجماعية في إقليم دارفور، وهذه قصة طويلة طويلة، لكنها تكشف عن تخبط هائل وبشع. ووفق التقديرات فقد ابتلعت دارفور مئات الآلاف من الضحايا نتيجة حملة إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية قادها عمر البشير، في نفس الأثناء كانت قد تفاقمت في عهد النظام الديني في السودان، على مدى الثلاثة عقود الماضية، وقبل السقوط أزمة جنوب السودان وانتهى المطاف دون الخوض في تفاصيل مزعجة، إلى إعلان استقلال جنوب السودان، وتقسيم السودان الأم وانفصال الجزء الجنوبي من السودان.

أما على صعيد الاقتصاد، وخلال الثلاثة عقود الماضية فقد شهد الاقتصاد السوداني، ترنحا كبيرا ويكفي أن نعلم أن الدين الخارجي يزيد عن 55 مليار دولار، علاوة على 3 مليارات دولار واجبة السداد للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي كانت ولا تزال تعوق حصول السودان على تمويل جديد قبل أن يتعهد المشاركون، في مؤتمر شركاء السودان الذي نظمته ألمانيا، قبل يومين فقط، بتقديم أكثر من 3 مليار دولار، منها 1.28 مليار دعم مباشر للمرحلة الانتقالية، والتحول الديمقراطي والاستقرار الاقتصادي، وخلال المؤتمر، رحب ممثلو أكثر من 50 دولة ومنظمة عالمية شاركت فيه بالعودة القوية للسودان للمجتمع الدولي بعد عزلة دامت 30 عامًا فرضت على نظام المخلوع عمر البشير المتهم بدعم الإرهاب والضلوع في جرائم ضد الإنسانية.

السودان بلد جميل، ومساحته شاسعة وكان ولا يزال يقال عنه، إنه "مزرعة أفريقيا" بأرضه الشاسعة الصالحة للاستثمار والشديدة الخصوبة وغيرها من الموارد، لكنه ترنح تحت حكم نظام ديني فاشي ورطه لثلاثة عقود في دوامات من الإرهاب والتطرف والفساد، وفي النهاية لم يدفع أحد من فواتير الخراب داخل السودان إلا الشعب السوداني نفسه، أما البشير فقد كان مصروفه الشهري يتجاوز نقدًا وفق التسريبات التي نشرت على نطاق واسع حاجز ال20 مليون دولار.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط