الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رحلتي من طبيب الأسنان إلى «الآيس كريم»


كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء حين اشتكت طفلتي الصغيرة ذات الأربع سنوات من ألم في أسنانها، بدأت في تهدئتها على أمل أنه ألم عابر لن يستغرق الكثير من الوقت، لكنها دقائق معدودة فقط التي استغرقها الألم ليجعل ابنتي تبكي من شدته، معبرة بكلمات بريئة عن أنها لم تعد تحتمل هذا الوجع, بدأ قلبي يخفق لألمها، إذا كنت أنا صاحب التسعة والعشرين عاما لا أتحمل ألم الأسنان مطلقا، يجعلني أتلوى في فراشي كالذي لدغه الثعبان.

دقائق معدودة أخرى التي استغرقتها في التفكير لأتخذ قرارا بالذهاب إلى طبيب الأسنان رأفة بهذه المسكينة الصغيرة، طلبت من أمها أن تحضر نفسها والطفلة سريعا لنذهب إلى الطبيب، لكن في حقيقة الأمر لم أكن أعرف طبيبا بعينه لأذهب له مباشرة ومن هنا كانت المعاناة.

نزلنا إلى الشارع بخطوات مسرعة، وبعد سؤال أحد الجيران الذي أرشدني إلى أقرب طبيب أسنان في تلك المنطقة الشعبية المأهولة بالسكان، توجهنا مسرعين إلى مكان العيادة وإذا بها مغلقة! نظرت في ساعتي فإذا بها السادسة والنصف، في الحقيقة لم أبال كثيرا بالأمر، سرنا في طريقنا نبحث عن طبيب آخر حتى أرشدني أحد المارة عن مستشفى إسلامي تابعة لأحد المساجد مؤكدا لي أنها تعمل حتى الثانية عشرة صباحا, غيرنا مسارنا في اتجاه المستشفى وخطواتنا مازالت مسرعة، أنظر إلى صغيرتي التي لم تتوقف عن البكاء محاولا التخفيف عنها ببعض الكلمات المبهجة أو الضحكات التي تخفي ألما ينهش في صدري.

وصلنا إلى المستشفى المشار إليها فإذا بها مغلقة أيضا!! من هنا بدأت أتعجب، الساعة تكاد تصل للسابعة مساء ولا نجد طبيبا أو حتى مستشفى، لم أقف كثيرا عند هذا الاندهاش حتى غيرت مساري واتجهت إلى منطقة مجاورة ساعيا في إيجاد طبيب ليرحم تلك المسكينة من هذا الألم الذي يفتك بفمها.

سرت في الشوارع الجانبية والحارات وعيناي أنا وزوجتي لا تترك لوحة إعلانية إلا وننظر إليها أملا في أن نجد بين حروف إحداها ما يشكل كلمة طبيب أسنان حتى فقدت الأمل.

لم أجد سبيلا للتخفيف عن الصغيرة ألمها إلا أن أداعبها وأحملها فوق كتفي محاولا إخراج الضحكات المكتومة بين صيحات البكاء والدموع، حتى اهتديت إلى أن أذهب إلى الصيدلية طلبا في دواء يسكن آلامها.

لكن أين الأطباء؟ ألم يخبرهم أحد أن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء قد أصدر قرارا بإلغاء حظر التجول؟ ألم يخبرهم أحد أن الحركة والأنشطة المختلفة قد عادت إلى طبيعتها بنسبة كبيرة؟! غريب أمرهم.

استغلت صغيرتي حالة الفزع في عيني ودقات قلبي التي خفقت لألمها وبدأت تطلب (لعبة) من أحد المحلات، وما كان مني إلا أن أحضرتها لها لكن المفاجأة أنها بعد أن أخذت اللعبة تناست آلامها وأسنانها وطلبت (أيس كريم بالشيكولاتة)، نظرت متعجبا لطلبها ولم أتردد كثيرا وأكلنا الآيس كريم جميعا!!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط