كان الكاتب عبد الوهاب المسيري، الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، صاحب رؤية فلسفية حضارية تؤمن بتعدد أبعاد مشروع التأصيل الحضاري في مجالات العلم والمعرفة والأخلاق والقيم والسياسة والاجتماع، مما جعله يؤسس مشروعًا فكريًّا تجديديًّا منهجيًّا له امتدادات إيمانية وإنسانية وعروبية باقتدار، بما يمتلكه من أدوات وآليات صياغة وصقل جوانب أساسية في الهوية العربية الإسلامية.
عبد الوهاب المسيري، الذي ولد في مدينة دمنهور في الثامن من شهر أكتوبر عام 1938، كان متصالحاَ مع نفسه يعرف ضعفه الإنساني ويتعايش معه ولا ينكره أو يداريه؛ فقيل عنه أنه لم يكن يداري حبه للأشياء البسيطة أو الهامشية، بل كان يفاصل في الأسعار عند الشراء في السوق ويتحايل علي مكر وجشع التاجر المغالي فيستعطفه بأنه قد يلاقي العقاب من زوجته إذا لم يحصل علي هذه الهدايا بالمبلغ الذي لا يملك سواه.
تلقى تعليمه الأولى في مسقط رأسه، حتي المرحلة الثانوية، ونشأ في أسرة ريفية ثرية وكان والده من رجال الأعمال ولكنه كان حريصًا على تنشئة أولاده على الاعتماد على الذات.
وعنها يقول المسيري: "هذه النشأة جعلتني باحثا مثابرا، لا تنس أن أبناء البرجوازية الريفية، وأنا منهم، ينشئون في خشونة، خلافا لأبناء البرجوازية الحضرية، كان والدي يردد أن لا علاقة لنا بثروته، زادت أم نقصت، وأن علينا أن نعيش في مستوى أولاد الموظفين، كنت أشكو من هذا آنذاك، لكنني تعلمت، فيما بعد، عندما ازددت حكمة، أنه نفعنا كثيرا بذلك".
وأكمل المسيري دراسته فى كلية الآداب شعبة اللغة الإنجليزية بجامعة الإسكندرية، وتخرج منها ليصبح معيدًأ فيها؛ سافر إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة "كولومبيا" بمدينة نيويورك عام 1964، وعلى الدكتوراه من جامعة "رتجرز بنيوجيرزي" عام 1969.
عاد إلى مصر وتدرج فى العديد من المناصب الاستاذية فى عدد من الجامعات المصرية والعربية؛ فقام بتدريس الأدب الإنجليزي والأمريكي والنظرية النقدية في كلية البنات جامعة عين شمس، عمل كأستاذ من 1979 حتى 1983، ثم أستاذ غير متفرغ حتى وفاته، عمل أيضا أستاذا في الأدب الإنجليزي والمقارن في جامعة الملك سعود (1983-1988)، وجامعة الكويت (1988-1989)، والجامعة الإسلامية في ماليزيا، كما عمل أستاذا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية، وإلى جانب عمله بالتدريس شغل عضوية مجلس الخبراء، رئيس وحدة الفكر الصهيوني، بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970 – 1975)، وعمل مستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 – 1979)، ومستشارا أكاديميا في المعهد العالمي للفكر الإسلامي منذ عام 1992 حتى وفاته، و عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بليسبرج بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1993 حتى وفاته، وعضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية -واشنطن- الولايات المتحدة الأمريكية (1997م- حتى وفاته).
كما شارك كمستشار تحرير لعددٍ من الحَوْليات التي تصدر في مصر وماليزيا وإيران وأمريكا وإنجلترا وفرنسا.
صدرت له عشرات الدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية كان أشهرها على الإطلاق "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" والتي تهدف الي وجود دراسة ورؤية تاريخية واضحة، تقوم على أسس علمية سليمة وصحيحة ومحايدة لمعرفة التاريخ اليهودي بشتى أنحاء العالم في إطار التاريخ الإنساني، واعتبرها البعض "العمل الأول الذي حاول دراسة تاريخ اليهود وثقافتهم بشكل محايد".
كما صدر له أيضًا "نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفـكر الصهيوني"، ثم تولت أعماله كـ"موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية"، و"العنصرية الصهيونية"، و"اليهودية والصهيونية وإسرائيل : دراسة في انتشار وانحسار الرؤية الصهيونية للواقع"، و"الأيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة"، و"الاستعمار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية: دراسات في بعض المفاهيم الصهيونية والممارسات الإسرائيلية"، و"إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد" وغيرهم الكثير.
وحصل المسيري على شهادات تقدير وجوائز محلية ودولية منها: شهادة تقدير من رابطة المفكرين الإندونسيين (1994)، وشهادة تقدير من جامعة القدس بفلسطين المحتلة (1995)، وشهادة تقدير من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا (1996)، وشهادة تقدير من محافظة البحيرة (1998). وشهادة تقدير من اتحاد الطلبة الإندونسيين (1999)، وجائزة أحسن كتاب، معرض القاهرة الدولي للكتاب: عن كتاب رحلتي الفكرية (2001)، وجائزة سلطان العويس بالإمارات العربية المتحدة عن مجمل الإنتاج الفكري (2002)، وجائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام2000 عن موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية".
كما حاز على جائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 2004، وجائزة أستاذ الجيل من جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي الخامسة بمملكة البحرين (2007).