الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«دراسة إجتماعية» قبل «قانون التصالح» ضرورة ملحة


 
في كل إجازة طويلة أقضيها بين أحضان قريتي الوادعة "دموه"، بمركز دكرنس بمحافظة الدقهلية، أعود بقصة أو قضية، يرويها أبناء هذه المحافظة المليئة بأسرار التاريخ، وحكايا العُظماء الذين أنجبتهم، وشكاوى صُعوبات العيش، التي باتت تفرضُ ظلالها الثقيلة على واقع حياتهم اليومي، ونظرتهم للمستقبل.
القصة الأبرز التي يقُصها جميع أبناء مُحافظتي الآن بلا استثناء، تتمثلُ في قضيتين ذات رابط مشترك، الأولى : هو "قانون التصالح على بعض مخالفات البناء"، و"وقف أعمال البناء" لمدة 6 أشهر بعواصم المحافظات والمدن الكبرى. 
ففي كل مجلس وتجمع، يكُون محور الحديث هذه القصة، التي يرويها الجميع بنبرة بها قدر من المرارة، وكأنها "هَمٌ" كبير جاثم على صدورهم، حيث يترقب الجميع بتوجس وقلق، نتائج وتبعات الموجة الجارفة لـ "قانون التصالح على مخالفات البناء"، على منازلهم التي يقطنونها، مصدر أمنهم وسكينتهم، والذي تضمُ بين جنباتها ذكرياتهم وأحلامهم وأمانيهم، وبعض هؤلاء لم يعد يعرف للنوم طعمًا بمعنى الكلمة.    
الكثير من الحالات التي صادفتتي لأسر لن تتمكن ـ حرفيًا ـ من دفع قيمة التصالح، إحداها وحدة سكنية لأسرة توفي عائلها، وبها أم أرملة ترعى ٣ أيتام، وسيتطلب التصالح منها دفع نحو ٢٠٠ ألف جنيه، وهي ضريبة وعبء لن تتحمله هذه السيدة الصامدة، وحالة أخرى لشاب متزوج حديثًا في شقة في الطابق التاسع بإحدى العقارات المخالفة لإشتراطات الإرتفاعات، وتكلف "دم قلبه" في تأثيثها لتكون عش الزوجية، الذي يحلم أن يملأه بالأطفال، والآن هو مطالبٌ بفقدان كل ذلك في حال إزالة الدور المخالف، أو الاضطرار لدفع مبلغ لن يتحمله في وقت لا يملك فيه سوى راتبه الشهري المحدود، وحالات أخرى عديدة لأسر تمثل الوحدة السكنية التي يسكنونها كل حصيلتهم في الحياة.
هذه الحالات وغيرها تحتاج إلى تطبيق روح القانون، من حيث التأني في تطبيق "قانون التصالح" واجراء "دراسة اجتماعية" قبل اتخاذ اجراء، حيث ينبغي التفريق بين رجل المقاولات الذي قام ببناء عقار لبيع وحداته السكنية، مُخالفًا اشتراطات الإرتفاعات والشوارع والبروز، وبين من يبني عقار لاستيعاب أبناءه وتزويجهم نظرًا لظروف الحياة، كما ينبغي التمييز بين صاحب العمارة المتربح، والشاب الذي قام بشراء شقة في دور مُخالف ليكمل نصف دينه، فلا يجب أن يكون الأخير هو ضحية جشع مستثمر فضل منفعته الخاصة ومكاسبه على كل اعتبار، لذا فإن الدراسة الإجتماعية لها ضرورة ملحة لضمان التطبيق العادل لـ "قانون التصالح"، الذي وإن كان يسعى لأهداف نبيلة، إلا أن تطبيقه ربما يتسبب في الألم للعديد من الأسر حال لم يتم أخذ ظروفهم الاجتماعية بعين الإعتبار.
هم آخر يزعج أبناء محافظتي، وهو قرار وقف أعمال البناء في عواصم المدن والمحافظات لمدة ٦ أشهر، وهو المسمار الذي ضرب بالكساد في قطاع البناء والتعمير، وأدى إلى خلق بطالة حقيقية في هذا القطاع الحيوي، الذي يستوعب ملايين العمالة المُباشرة وغير المباشرة، و "بيفتح بيوت" كثيرة، فعمال "الصبة"، والبناء، والنقاشة، والبلاط، وتأسيس الكهرباء والسباكة، كلها أيدي عاملة متوقفة تعاني شح المورد المالي في توقيت حرج للغاية بعد أزمة كورونا التي أثرت بدورها سلبًا على أبناء هذا القطاع، وهذه الأيدي المعطلة تحتاج إلى عين العطف في اعادة النظر في هذا القرار أو تعديله على نحو يفتح باب النجاة لهذه العمالة وييسر لها أبواب الرزق ويجنبهم ذل السؤال. 
الصورة في محافظتي ليست سوداوية، فبينما كان أبناء قريتي يشكون هم "قانون التصالح في مخالفات البناء"، كانوا في الوقت ذاته يهتفون بحياة مصر وقياداتها، وهم يشهدون بإبتهاج التشغيل التجريبي لكوبري "دكرنس" بمحافظة الدقهلية، الذي قام وزير النقل الفريق كامل الوزير بافتتاحه الخميس الماضي أمام حركة المرور تسهيلًا على المواطنين خلال إجازة عيد الأضحى، حتى افتتاحه رسميًا في أقرب وقت، فهذا الكوبري كان هدية أبناء قريتي وكافة قرى الطريق الذي يصل بين مدينتي المنصورة ودكرنس، ويمتد حتى مدينتي المنزلة ومنية النصر، ليكون حلقة وصل هامة لتيسير حياة المواطنين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط