قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن النفس البشرية قالوا فيها ونظَّروا، وجعلوا لها عِلمًا يدرسها على أساس المادة فقط، لا علاقة له بوحي الله- سبحانه وتعالى- ولا علاقة له بأخلاقٍ من ميراث النبوة، ولا علاقة له بالإنسان الذي جعله الله خليفةً له في الأرض ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾.
وأضاف "جمعة"عبر صفحته الرسمية بموقع"فيسبوك" أنهم نسوا هذا كله؛ والتفتوا من (الإنسان) إلى: المادة ، قطعة اللحم التي أمامهم ، إلى النفس الأمارة بالسوء ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّى﴾ نظروا إلى هذه النفس الأمارة بالسوء، وكفى، ولكنِ المسلمون ينظرون نظرة أخرى ليست كنظرة هؤلاء.
وتابع عضو هيئة كبار العلماء أنهم بنوا الخطاب مع الإنسان من خلال نفسه الأمارة بالسوء، حتى قال فرويد: إن كل تصرفات (الإنسان) تنشأ من غريزته الجنسية! نعم النفس الأمارة بالسوء فيها هذا الجانب، ولكن... مَن الذي قال أن (الإنسان) ينبغي أن يُسلم نفسه لهذا؛ لشهواته وشهوات قلبه وكبره وغرائزه يفعل فيها ما يشاء، وحتى لا يكتئب فإن عليه أن يرتكب ما أسماه ربنا بالمعاصي، وأن يتعدى حدود الله لأنه لا يرى في الكون إلا نفسه.
وواصل المفتي السابق: نعم كل هذا الكلام صدق في حدود النفس الأمارة بالسوء، ولكن ربنا -سبحانه وتعالى- أرادنا أن نخرج عن إتباع هذه الشهوات وألا نميل ميلًا عظيما؛ فرسم لنا نفسًا أخرى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِى فِى عِبَادِى * وَادْخُلِى جَنَّتِى﴾.
وبين أنالنفس الراضية المرضيةالتي يتبلور بها الرضا عن ربها، وعما أقامها فيه من خير وعما أقامها فيه من وظيفة ليصل بها إلى الاطمئنان- رضيت عن الله فاطمأنت.
وأردف: انظر قوله -تعالى-: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾ وليس عباد الشيطان، وليس الذي اتخذ إلهه هواه ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ..
يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا﴾.
وأكمل: حبسوا أنفسهم عن الشهوات، ساروا في طريق الله إلى المثال المبتغى الذي سمعناه الآن ﴿ صَبَرُوا﴾ ﴿ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًا وَمُقَامًا * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّى لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴾.
شاهد المزيد:على جمعة يوضح أسباب نهي النبي عن الغضب
ونوه: هذه هي النفس المطمئنة التي تستحق أن تكون عابدة للرحمن.. هذه هي النفس المطمئنة التي إذا سارت في الأرض تعلم أن هذه الأرض من أجساد الناس عبر العصور؛ فالموت حقيقة؛ والله سبحانه وتعالى خلق الموت والحياة ليبتلينا ويمتحننا أيُّنا أحسن عملا.
وأرشد: يسير المؤمن وهو يتذكر رسالته في الأرض، وأنه مكلف ويسير الكافر لا يؤمن بإله ولا يؤمن بقضية فلا يرى إلا نفسه، يسير المؤمن هونًا في الأرض في قلبه تواضع، ولكن الكافر امتلأ كِبرًا وعُجبًا بنفسه حتى ضل الطريق ﴿ وَلاَ تَمْشِ فِى الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾.
وأفاد: هذا هو المؤمن يقول فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ)، (أخرجه الطبراني) وحبة الخردل حبة خفيفة الوزن؛ حبة الشعير أو القمح تساوي نحو 6000 من حب الخردل؛ إذًا حب الخردل هذا وزنه ضئيل، وإذا كان في قلبك هذا المقدار (مثقال حبة خردل من كبر) فإنك لا تدخل الجنة؛ فيظل المؤمن متواضعًا يخاف الكبر والتكبر على أمر الله وعلى خلق الله، ويسير على الأرض وهو يعلم أنه صاحب رسالة، يسير على الأرض وهو يذكر الله ويذكر أنه ما خُلق في هذه الأرض إلا للعبادة والعمارة، وأنه وهو يسير إنما هو رحمة من الله للعالمين؛ فلا يُهلك حرثًا ولا يقتل طفلًا ولا يعتدي على ضعيف، ولا يصدر منه إلا كل ما يتوجه به إلى الله ويأتمر به بأمر الله - تعالى-.