الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إثيوبيا أمام اختبار الوحدة.. مطالب القوميات بالاستقلال تنبعث من تحت الرماد.. وقمع الاحتجاجات يؤجج غضبا شعبيا متصاعدا.. وآبي أحمد يدفن رأسه في الرمال

رئيس الوزراء الإثيوبي
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد

  • الاتحاد الأفريقي يتدخل للوساطة بين الحكومة الإثيوبية والقوميات
  • حملة اعتقالات تفاقم احتقان قومية الأورومو بعد مقتل المغني هاشالو هونديسا
  • الدستور الإثيوبي ينص على حق كل قومية في تأسيس ولاية مستقلة
  • أحزاب الائتلاف الحاكم تتبادل الاتهامات بالفشل في إدارة ملفات حساسة

لا تلوح في الأفق بادرة انفراجة لأزمة متجددة تهدد وحدة إثيوبيا ووجودها ككيان سياسي موحد ومستقر ينعم بالسلام والتناغم بين مكوناته القومية.


وبمرور الوقت، تتصاعد نغمة المطالبة بالاستقلال الذاتي بين القوميات المكونة للشعب الإثيوبي، مثل الأورومو والتيجراي وولايتا، إلى حد استدعى تدخل الاتحاد الأفريقي للوساطة بين الحكومة الفيدرالية برئاسة آبي أحمد وجبهة تحرير شعب تيجراي.

وفي تقرير نشره موقع "ذا كونفرزيشن"، ذكر أن حادثة مقتل المغني الإثيوبي هاشالو هونديسا فجرت أعمال عنف بين قومية الأورومو والحكومة الفيدرالية في إقليم أوروميا، أكبر أقاليم البلاد، جاءت على خلفية تنامي احتجاجات شعبية مناهضة لقرار الحكومة تأجيل الانتخابات البرلمانية بذريعة إفساح الوقت للحكومة لمكافحة فيروس كورونا.

وفي خضم حملة مستمرة للسيطرة على انتفاضة قومية الأورومو، أقدم آبي أحمد على إقالة أكثر من 1700 مسؤول محلي وموظف حكومي، وكان من بين المسؤولين المفصولين ليما ميجرسا وزير الدفاع الذي لعب دورًا كبيرًا في صعود آبي أحمد إلى السلطة.

ونجم عن قمع الاحتجاجات التي أعقبت مقتل المغني هونديسا، مقتل 178 شخصًا على الأقل، واعتقال أكثر من 9 آلاف شخص بشكل عشوائي وتعسفي، بما فاقم الاحتقان في شوارع إقليم أوروميا وجعل انتفاضة الأورومو مرشحة للتصاعد.

ولا تكاد مطالبات قومية ولايتا جنوبي البلاد بالاستقلال الذاتي تهدأ حتى تنبعث من جديد، وأصبحت هذه المطالبات أعلى صوتًا منذ ديسمبر 2018، عندما حصلت قومية سيداما المجاورة على الحكم الذاتي بموجب استفتاء لتشكيل ولاية مستقلة.

وينص الدستور الإثيوبي على حق أي قومية في تشكيل ولاية مستقلة خاصة بها، وفي ديسمبر 2018 صوت مجلس نواب منطقة ولايتا بالإجماع لصالح تشكيل ولاية مستقلة وقدم مطالبته بذلك رسميًا إلى الحكومة الفيدرالية، لكن الأخيرة تجاهلت الطلب، وردًا على احتجاجات حاشدة اعتقلت السلطات الإثيوبية العشرات من مسؤولي المناطق والأعضاء المنتخبين في مجلس نواب ولايتا، وقادة الأحزاب السياسية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني.

ووصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى منصبه العام الماضي مكللًا بحماسة وقبول شعبيين، فجرتهما وعوده الكبرى رافعة شعارات السلام والإصلاح. لقد قطع آبي أحمد على نفسه وعودًا بإنهاء نزاع طويل مع إريتريا، وإخماد صراعات إثنية وقبلية داخلية مريرة، وبناء وحدة وطنية قابلة للحياة، وتدشين مسار حكم ديمقراطي متين الدعائم.

وبفضل نجاحه في تحقيق السلام مع إريتريا، نال آبي أحمد جائزة نوبل للسلام لعام 2019، على أن الداخل الإثيوبي لم يزل يبدو مستعصيًا على جهوده، وما حققه في صدد نزع فتيل المشاحنات القبلية والإثنية ليس سوى نتائج متواضعة مقارنة بالآمال والتوقعات مرتفعة السقف التي رافقته إلى مكتب رئاسة الوزراء.

وبحسب مجلة "ذي ناشونال إنترست" الأمريكية، فقد خفتت الحماسة التي قوبلت بها وعود آبي أحمد الإصلاحية الكبرى، بدءًا من الإفراج عن المعتقلين السياسيين وحتى فتح المجال للإعلام الحر، أما الوعود نفسها فقد باتت ذكريات بعيدة لا أكثر.

وأضافت المجلة أن إدارة آبي أحمد فشلت في معالجة أسباب المشاحنات السياسية بين الأطياف المكونة للحكومة الاتحادية، فضلًا عن نزع فتيل الصراعات الإثنية، وهذان العاملان بالذات يضعان إثيوبيا على طريق الخراب، إذ فشلت الحكومة في حصد قبول قطاع معتبر من المجتمع والقبائل الإثيوبية لاعتبارها السلطة العليا في البلاد، ما فتح المجال لفاعلين قبليين لحمل السلاح في مواجهة الدولة.

وأوضحت المجلة أن الطبيعة الإثنية للمجتمع الإثيوبي، التي فرضت تشكيل حكومة اتحادية تراعي تمثيل الإثنيات المختلفة، فضلًا عن إرث الحكم الاستبدادي الذي لم يزل حاضرًا بشكل ما، كلها تحديات يصعب التهوين من شأنها، لكن إدارة آبي أحمد فضلت إدارة ظهرها لهذه المشكلات الجسيمة وتجاهل وجودها بالمرة.

ونتيجة للتجاهل شبه التام من جانب آبي أحمد وحكومته للعنف الإثني المتصاعد في إثيوبيا، يبدو السلام والأمن والاستقرار في طريقهم إلى الغياب عن معادلة السياسة والمجتمع، فالأرقام تقرع أجراس إنذار مدوية، مع فقدان الآلاف لأرواحهم في صدامات قبلية وإثنية مسلحة، ونزوح الملايين من مناطق سكناهم، ناهيك عن تأثير ذلك المدمر على الاقتصاد.

والملحوظ بوضوح أن عنفًا متصاعدًا يجتاح إثيوبيا منذ تولي آبي أحمد منصبه، فليس الشعب الإثيوبي وحده هو المنقسم على نفسه، وإنما طالت الانقسامات النخبة الحاكمة ذاتها، التي أسبغت المشروعية والقبول على قيادة آبي أحمد في البداية.

وحتى الآن لا يتجاوز موقف آبي أحمد من العنف الأهلي دعوة الشعب الإثيوبي إلى صم آذانه عمن يحاولون بث الشقاق بين مكوناته، لكنه لم يبذل جهدًا كافيًا لينأى بنفسه عن نشطاء متشددين من الأورومو يبدون قريبين منه أكثر من اللازم، ما أكسبه سمعة سيئة عن التحيز لإثنيته.

وفي خضم هذه التطورات المتلاحقة، تبدو وعود آبي أحمد بخصوص المصالحة الأهلية نسيًا منسيًا، فيما ينغلق شيئًا فشيئًا المجال السياسي الذي رافق انفتاحه انتخاب رئيس الوزراء الإثيوبي، بالتزامن مع عودة السجون لاستقبال المعارضين السياسيين.