الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حرية الغرب .. وإرهابه


لا يفتأ أغلب الأدبيات الغربية الصحفية والأكاديمية  بين الحين والحين إلا أن يصدر صورة من صور معاداته وكرهه لديننا، ورموزه، وعلى رأسها تاج رؤسنا، فخر الكون نبينا صلى الله عليه وسلم، مستعملة فكرة ازدواجية المعايير، متمثلة فى قوانينها وحرياتها المكفولة لمجتمعها ومواطنيها، وبين دعاوى جرائم العنصرية وازدراء ديننا ونبيه الكريم، وكل ما يقوم به الغرب من جرائم في حق المسلمين، والشعوب والحكومات والأفراد، تحت دعوى محاربة الإرهاب، أو دعم الحرية والديمقراطية، فتلازم واقترن ارهابهم بحريتهم الفكرية وحرية الرأى لديهم، أما دون سواهم، فالأمر يتعلق بانتهاك القوانين الدولية، ومعاداة السامية، وغيرها من المصطلحات الرنانة التى يطلقها أبواقه، واعلامه، ومؤسساته الدولية.

أقول هذا تزامنا مع قيام صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية بإعادة نشر رسومها المسيئة لنبينا الحبيب، فى تعمد بالإساءة لمقام وقدسية نبينا، جنبا الى ما نشرته بعض المواقع والصحف من قيام متطرف بحرقِ المصحف الشريف في السويد، فضلًا عن قيام مجموعة من العنصريين باستخدام نسخة من المصحف الشريف ككرة؛ يتقاذفونها بأرجلهم، مع إطلاق شعارات مسيئة للإسلام مع تأمين الشرطة لهم بطوق حماية.

وحسنا ما قام  به أزهرنا الشريف برئاسة إمامنا الأكبر الدكتور أحمد الطيب من إطلاق حملته العالمية" التعريف بنبينا"، إضافة لاستنكار لجنة الفتوى الرئيسة بمجمع البحوث الإسلامية  بالجرائم العنصرية الأخيرة من الرسوم المسيئة وحرق المصحف، والتى تعد استفزازا صريحا لمشاعر ملياري مسلم حول العالم، مما يرسخ لخطاب الكراهية بين أصحاب الملل المتعددة، ويقف حائلا أمام لغة الحوار البنَّاء والتواصل الحضاري الذي يسعى إليه المخلصون من جميع الديانات، كما أنها تتنافى مع الجهود التي يقوم بها الأزهر الشريف مع غيره من رموز الأديان الأخرى، لتحقيق التعايش السلمي في أرقى صوره واحترام الأديان وتقديرها.

على أننى أتفق مع ما ذكره إمامنا الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فى أن نبينا صلى الله عليه وسلم أغلى علينا من أنفسنا، والإساءة لجنابه الأعظم ليست حرية رأي، بل دعوة صريحة للكراهية والعنف، وانفلات من كل القيم الإنسانية والحضارية، وتبرير ذلك بدعوى حماية حرية التعبير هو فهم قاصر للفرق بين الحق الإنساني في الحرية والجريمة في حق الإنسانية باسم حماية الحريات، وأن هذه الجرائم النكراء هي وقود لنيران الإرهاب الذي يعاني منه الشرق والغرب، وتؤجج مشاعر الكراهية، وتقوض أمن المجتمعات.

وللتدليل على اقترن إرهابهم العقدى بحرية الرأى لديهم، أشير إلى ما كتبه رئيس تحرير "شارلي إيبدو" لوران سوريسو، في افتتاحية صحيفته بعد إعادة نشر الرسوم المسيئة: "لن نستسلم أبدا، وكثيرا ما طُلب منا منذ جانفي 2015 إنتاج رسوم كاريكاتورية أخرى للنبي محمد، لكننا رفضنا دائما القيام بذلك، ليس لأنه أمر محظور، إذ يسمح القانون لنا بالقيام بذلك، والآن نعيد نشر الرسوم لأن الأمر ضروري بالنسبة لنا، مع بدء محاكمة المتهمين في هجمات جانفي"، والتى راح جراءها عدد من محررى الصحيفة على خلفية هذه الرسوم.

وفى فرنسا، يمنع القانون الفرنسي أي كتابة أو حديث علني يؤدي إلى حقد أو كراهية لأسباب عرقية أو دينية، ويمنع أيضا تكذيب جرائم الإبادة الجماعية ضد اليهود من قبل النازيين، ويمنع أيضا نشر أفكار الكراهية بسبب الميول الجنسية لفرد، حتى أن القضاء الفرنسي أتهم المفكر الفرنسي رجاء جارودي، والكاتب الصحفي إبراهيم نافع -رحمهما الله- بتهمة معاداة السامية حسب قانون جيسوالفرنسي المعتمد في الثالث عشر من يوليو 1990، والذى يقضي بتجريم إنكار وجود أو حجم الجرائم ضد الإنسانية التي عرَّفها ميثاق لندن سنة 1945 في مادته التاسعة، والتي خضع على أساسها عدد من قادة النازي للمحكمة العسكرية الدولية في نورنبيرج عامي 1945 و1946.

وفي العاشر من مارس العام 2005 منع قاضي فرنسي لوحة دعائية مأخوذة من فكرة لوحة العشاء الأخير للرسام ليوناردو دا فينشي، حيث تم تصميم اللوحات الدعائية لبيت تصميم الملابس "قيغبادو"، وأمر بإزالة جميع اللوحات الإعلانية خلال ثلاثة أيام، مؤكدا أن اللوحات الدعائية مسيئة للرومان الكاثوليك، وعلى الرغم من تمسك محامي "قيغبادو" بأن منع الإعلانات هو نوع من الرقابة وقمع لحرية التعبير، إلا أن القاضي اقر بأن الإعلان كان تدخلا مشينا وعدوانيا بمعتقدات الناس الخاصة، وحكم بأن محتوى الإساءة إلى الكاثوليك أكثر من الهدف التجاريِ المقدم.

هنا يكون الحكم فوريا، وأنه ليس حرية رأى وتعبير، بل إساءة لمعتقدات الغير، أما لو الأمر تعلق بالإساءة للإسلام ولنبيه ورموزه، فحرية الصحافة والفكر والرأى والتعبير ترفع راياتها، ويدق ناقوسها، ويحظر على المسلمين ويستنكر عليهم إبداء غضبهم واستنكارهم لهذا العدوان العقدى والفكرى والحضارى والأخلاقى من الغرب عليهم.

ونظرتى  لهذه الأحداث -مع غضبتى لدينى ونبيِّ- أنه لعله خير، وأن ما يقوم به شانئو وكارهو نبينا ودننا إنما هو دفع من الله تعالى، ليبحث المواطن الغربى عن الاسلام وتعاليمه ورسوله، فيهتدى الآلاف ويدخلون فى دين الله أفواجا كما حدث عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر، ونشر صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية الرسوم المسيئة الأولى لنبينا فى العام 2006 ، ولعل الحقيقة التى ذكرتها من قبل فى احدى مقالاتى، أن العداء الغربى للإسلام ليس مع المواطن الغربى، بل مع مؤسساته وأكاديميه وسياسيه، الذى يقض اسلامنا مضاجعهم بعدله ورأفته ورحمته، ويعرى سوءتهم أمام مواطنيهم.

دعوتى الآن لمؤسساتنا الإسلامية الدولية والمحلية، أن تقوم برفع دعاوى قضائية فى المحاكم الدولية ضد كل من سولت له نفسه الإساءة لديننا ونبينا، وألا يكتفوا بدعوة البرلمانات والحكومات الغربية إلى ضرورة الإسراع إلى إصدار قوانين تجرم الإساءة إلى الرموز الدينية والمقدسات، وأن يدشنوا -كما فعل شيخ أزهرنا- صفحات عالمية للتعريف بنبى الرحمة والإنسانية والرأفة، بكل لغات العالم، ليتعرف المواطن الغربى وغيره فى كل مكان عليه عن قرب، بعيدا عن تشنجات وحقد وعمى الساسة وأصحاب الفكر والرأى الغربى، وليكن المسلمين على قدر مسؤوليتهم وأخلاق دينهم فى تعاملهم مع هذه الأزمة وهذا الاستفزاز، وليكن ردنا بدءا من الآن واللحظة، بأن ننفض غبار الجهل والكسل والقنوط من على أجسادنا، مؤسسين بيوتنا على تعالم ديننا وشرائعه، متعلمين أبناءنا إسلامنا، أوامره ونواهيه، معظمين فيهم شعائر الله في قلوبهم، وأن نحفظهم تاريخ إسلامنا وقدوتنا وصحابته الكرام (رضى الله عنهم أجمعين) فيصير لهم قدوة ومرجعية فاضلة تعينهم في بناء شخصيتهم ومجتمعهم الإسلامي الذي ننشده.

وختاما لا يسعني إلا أن أردد وبأعلى صوتي مع الدكتور محمد نبيل النشواتي فى مؤلفه "الإسلام يتصدى للغرب الملحد": " كما شاءت قدرته - سبحانه وتعالى - فستعلوا كلمة الحق والدين ، وإن جند الكفار آلافا مؤلفة من المستشرقين والملحدين، ومن الضالين المضلين أعداء الله والدين، وسيبقى الإسلام شامخا قويا ونضرا على الدوام، وسيهدد سدنة الإلحاد والملحدين، وسيقوض أركان المادية والماسونية والعلمانية، وسيمحق فلسفاتهم، ويبدد أفكارهم وأيديولوجياتهم".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط