الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إسلامنا.. واليوم العالمى للمسنين


اليوم العالمى للمسنين، أحد المناسبات والاحتفالات العالمية المهمة التى أقرتها هيئة الأمم المتحدة، ويتم إحياؤها سنويا من قبلها ومنظماتها فى الأول من أكتوبر، بهدف رفع نسبة الوعى بالمشاكل التى تواجه  المسنين، كالهرم وإساءة معاملتهم، إضافة الى الاحتفال بما أنجزه كبار السن
للمجتمع، وهو يوم عالمى مشابه لاحتفال أمريكا وكندا بيوم الأجداد، واحتفال اليابان بيوم احترام المسنين



ولعل أبلغ تعريف للشيخوخة  ما جاء فى كتاب "علم نفس النمو من الجنين إلى الشيخوخة" للباحث الدكتور عادل عزالدين، بأنها ظاهرة طبيعية تعبر عن التغيرات التي تحدث في التكوين الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي، بالإضافة إلى ما يحدث نتيجة ذلك في الأداء أثناء رحلة حياة الفرد".



وثمة عدد من أنواع الشيخوخة التى قد لا يعرفها الكثيرون منا، ومنها الشيخوخة البيولوجية، والتى تشمل التغيرات التي تحدث في جسم الإنسان في المراحل الأخيرة من الحياة، وهذه التغيرات قد تبدأ بفترة طويلة قبل أن يصل الإنسان إلى سن الخامسة والستين، وشيخوخة الإدراك، وتشمل هبوط القدرة لتحصيل معلومات جديدة وتقبل سلوك وأفكار جديدة، وشيخوخة الشعور، وتشمل هبوط القدرة على التكيف لمواجهة التغيرات في البيئة المحيطة، وجميع هذه التطورات والتغيرات لا تحدث معا في زمن محدد ولجميع الأفراد، فهناك فرد قد يصيبه العجز في كل هذه المظاهر
في سن الستين، بينما فرد آخر وفي نفس السن نجده يتعلم بهمة عالية، مهنة جديدة ويتكيف بسهولة في وظيفة جديدة
.



من أكبر مشاكل المسنين التى تواجههم،  الشعور بالفقد المادي أو المعنوي، إضافة للإحساس بالحرمان من التقدير الأدبي أو الاجتماعي، وفى أوائل الألفية الثالثة حسب إحصاءات البنك الدولي، سوف يكون ثلث سكان العالم فوق سن الستين، بينما في العام 2050 سوف يكون متوسط عمر الفرد الثمانين أو أكثر وتمثل النساء أغلبية المسنين وسوف يكون 65 % منهن فوق الثمانين عاما.



بيد أن ثمة مجموعة من المسلمات المجتمعية الاعتقادية التى يؤمن بها الكثير بمجتمعاتنا العربية وهى أن تعريف العمر الزمني للمسن أدخل كثيرون طواعية أو كراهية في نفق الشيخوخة حتى وإن كانوا أكثر عطاء من الشباب، وأن المسن ضعيف البنية ويستحق الرثاء، وأنه غير قادر على العطاء ولا يملك ما يقدمه للحياة، وأن المسن عبء على الأسرة والمجتمع وكأنه ما قدم شيئا ولا ترك دينا على عنق المجتمع.



فى حين تشير الباحثة الدكتورة أمل فوزى عوض فى دراستها "التشريعات وآليات الحماية والتدخل القانوني لمواجهة مشكلات  المسنين" أن المشكلة الرئيسية لكبار السن تظهر في هذا الاختلاف بين الشيخوخة وبلوغ سن معينة، إذ قد يبلغ الشخص سن التقاعد وهو لا يزال  قادرا على العطاء وخدمة مجتمعه، مع ما للتقاعد من آثارٍ سلبية على الفرد، سواء بانخفاض دخله و شعوره بالتهميش وعدم وجود دور له، ومن هنا اهتمت المواثيق الدولية بتناول موضوع حقوق  المسنين بما يحقق التكريم والتقدير لهم، وفي ذات الوقت يحقق لهم القدرة على خدمة المجتمع والعطاء والرفاهية التي يستحقونها بعد سنين العمل.



وإذا كانت مواثيق حقوق الإنسان الحديثة والمعاصرة قد اهتمت بكبار السن من خلال تشريعاتها الدولية المتمثلة فى المؤتمر العالمي الأول للشيخوخة الذي عقد في فيينا بالنمسا العام 1982، والمؤتمر الدولي الذي انعقد في مكسيكو سيتي العام 1984 وقدم  فيه توصية بضرورة قيام الدول بالاهتمام بالمسنين، ثم كانت الخطوة الكبرى باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1991م لمبادئها المتعلقة بكبار السن، والخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بموجب القرار 91/46 الصادر في 16 ديسمبر 1991.



فإنى أعلنها للعالم بمنظماته وهيئاته الدولية أجمع، أن ديننا الاسلامى الحنيف بقيمه وأخلاقه الفريدة، لم يهمل حقوق كبار السن منذ بزوغ فجره على البشرية والعالم، بل سبق كل تلك المواثيق الانسانية  الحديثة بقرون عدة، وصدق ربنا القائل: "ما فرطنا فى الكتاب من شيء"، بل أشار الى بلوغ الانسان لكبر السن والشيخوخة والضعف، فقال تعالي :"الله الذى خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة، يخلق ما يشاء وهو العليم القدير"، كما أوصى تعالى فى كتابه الكريم بالوالدين، وخاصة عند بلوغ كبرهما، فقال سبحانه: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا  كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا"، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق
كبيرنا"، وقوله صلى الله عليه وسلم:" إنما تنصرون بضعفائكم"، ومن هؤلاء الضعفاء المسنون
.



وهذا حبيبنا الهادى يبشر كبار السن من أمته بقوله:" خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا"، وقوله:" الخير مع أكابركم"، وفى رواية " البركة مع أكابركم"، بل إن الله تعالى يصطفى من عباده من يطول فى أعمارهم بالعافية والصحة إلى أن يقبض أرواحهم فيعطيهم منازل الشهداء، كما جاء فى المعجم الكبير للطبرانى فى قول نبينا:" إن لله عبادا يضن بهم عن القتل، يطيل أعمارهم فى حسن العمل، ويحسن أرزاقهم، ويحييهم فى
عافية، ويقبض أرواحهم فى عافية على الفرش، فيعطيهم منازل الشهداء
". 


أيضا من وصايا ديننا بكبار السن وتوقيرهم واحترامهم ما رواه الترمذى عن أنس فى قول رسولنا الكريم:" ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله من يكرمه عند سنه"، وقوله:" إن من إجلال الله إكرام ذى الشيبة المسلم".



كثيرة هى الدراسات والأبحاث التى خرجت داعية لنيل كبار السن حقوقهم والاهتمام بهم من قبل مجتمعاتهم المختلفة، وبيئاتهم الشتى، ومنها ما وصى به الباحث راشد حمد العذبة فى دراسته "رعاية المسنين في الألفية الثالثة" بأن تساعد الدولة الأسر التي تضم بين أفرادها المسنين بتوفير الاحتياجات الصحية للمعيشة اليومية حتى تتمكن من رعايته في بيئته، وإعداد فرق صحية متكاملة ومؤهلة من طبيب، ممرض، إختصاصي نفسي و اجتماعي، ومتطوعين تقوم بزيارة المسن في بيئته للكشف عليه وتقديم الرعاية المطلوبة مع التأكيد على ضرورة المتابعة.



كما اتفق حتما مع الدكتورة أمل فوزى فى أنه لابد من صياغة مشروع قانون متكامل يضمن حقوق المسنين، ويحفظ لهم الحماية القانونية والاجتماعية، ويفرض الالتزامات التي تقع على جميع الجهات والأفراد لتدعيم وحماية كبار السن وصون كرامتهم في إطار من التكامل والتراحم الشرعي والدستوري والمجتمعي والعائلي.



وصفوة قولى: إن ديننا الإسلامى سيظل سباقا، معلما البشرية جمعاء كل ما يصلون إليه ويشرعونه فى مواثيقهم وعهودهم الدولية المتأخرة، وأن كبار السن يمثلون في موروثنا الدينى والثقافي العربي والإسلامي قيمة إيمانية حقيقية، دون غيرنا من الأمم والحضارات الأخرى المتنوعة، 
وعلينا أن نتقى الله فى مسنّينا، فنوقرهم ونجلّهم، ونرعاهم حق الرعاية، الصحية، والاجتماعية، والنفسية، وكل ثانية ومسنينا بخير وعافية وبركة، وحسن عمل وطاعة دائمة
. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط