الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أوجاع الروح كارثة مجتمعية


ماذا لو أعلنا أوجاع الروح كأحد الكوارث المجتمعية التي تهدد كيان الأسرة وتعرض كل أفرادها لخطر داهم يؤثر على سلامتهم النفسية؟!.. لو تعاملنا مع هذيان المشاعر بقليل من الحكمة وكثير من المعرفة بكل ما يخص خبايا القلوب،... وبدلًا من التغافل عن المرض النفسي وكأنه وصمة عار على جبين صاحبه، نتقبله وبكل ما أوتينا من أهداف الوصول لغد أفضل، نضع أيدينا على الداء ونساعد المريض في العلاج حتى لا نزيد من أعداد ضحاياه؟!

أقول هذا الكلام بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يقام في العاشر من شهر أكتوبر، لكنه جاء تلك السنة تحديدًا وسط ظروف عالمية خاصة جدا.. فلا يوجد بلد إلا وتأثر شعبها بجائحة كورونا، فذلك خسر وظيفته جراء التبعات الاقتصادية للوباء اللعين، وهذه فقدت أعز من لديها في الدنيا ولم تستطع حتى توديعه بعد أصابته بكوفيد 19، والبقية تأتي ونتيجتها مزيد من الاضطرابات النفسية.. لذا قررت منظمة الصحة العالمية ولأول مرة على الإطلاق استضافة فعالية دولية على الانترنت  تحت مسمى "التظاهرة الكبرى للصحة النفسية" يشارك فيها قادة ومشاهير وخبراء الصحة النفسية من مختلف بلاد العالم ويمكنني أنا وأنت ونحن الانضمام والمشاهدة علنا نحظى بالسلامة النفسية..

وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى معاناة ما يقرب من مليار شخص حول العالم من الاضطرابات النفسية أبرزهم الاكتئاب والذي يقدر عدد المصابين به نحو 400مليون شخص، يليه الاضطراب الوجداني ثنائي القطب(60مليون مصاب) ، ثم الفصام والاختلالات العقلية الأخرى وتبلغ نسب الإصابة بهم 21مليون شخص..

هذا وفقًا لما نشرته منظمة الصحة العالمية على صفحتها الرسمية، وبعيدًا عن ما يحدث في الدول البعيدة والمجاورة أعود للمهم ولا يوجد أهم من أحوال المصريين النفسية.. 

فقد بحثت كثيرًا عن أرقام تكشف ماهية الأمراض النفسية المنتشرة في بلدنا،فلم أجد سوى أعداد ونسب غير دقيقة ومن ثم يصعب الاستناد إليها .. ربما لعدم تبليغ الكثيرين عن أمراضهم النفسية خشية نظرة الناس وعدم تقدير حجم عذاب فؤادهم.. وجائز لأن معظم المترددين على العيادات النفسية هم ضحايا للمريض الحقيقي سواء كان زوج، ، زميل دراسة، رئيس عمل، أو أحد أفراد العائلة، بينما المصاب الحقيقي يمارس كل السلوكيات السلبية على المقربين منه ليرتفع عدد المعانين من ويلاته .. فكم من امرأة عانت الاكتئاب والقلق النفسي في ظل زوج عنيف معنويًا وجسديًا.. وكم من صغير بكى خوفًا وتوترًا عقب تنمر زميل أو أحد أفراد الأسرة والأسوأ أن يكون المتنمر مدرس يخرج عقده المترسبة منذ الطفولة على تلاميذه !.. وهو ما لمسته من خلال عملي الصحفي لأكثر من ربع قرن وأحاديثي مع خبراء الطب النفسي  فكثير من مرضاهم ضحية طرف أخر سادي، أناني، أو مصاب بتهيؤات  وهلاوس سمعية وبصرية تفقد كل متعامل معه لاتزانه النفسي..

وبعد،.. ألم يحين الأوان ونحن لازلنا نعاني من مضاعفات كورونا على حالتنا المعنوية أن تتبني وزارة الصحة مبادرة للكشف عن الأمراض النفسية المسكوت عنها وعلاجها؟!.. أعتقد أن التعافي من المرض النفسي لا يقل أهمية عن غيره من الأمراض العضوية .. و كما تتكاثر الخلايا السرطانية حال عدم اكتشافها حتى تقضي على مريضها، فالألم النفسي ينحر في الأحاسيس فيؤدي للانتحار أو العيش على الأوراق الرسمية فقط  بل وكثيرًا ما ينعكس على نفسية من حوله ويؤرقهم حد الموت..

أتمنى أن يشهد عام 2021 مبادرة  للكشف عن صحة المصريين النفسية، فضلًا عن ضرورة إضافة اختبارات السلامة النفسية ضمن إجراءات الكشف الطبي قبل التعين في الوظائف التي لها صلة بالجمهور وتربية وتعليم النشء.. فالنهوض بأي مجتمع يعتمد على سلامة أفراده النفسية وتعافيهم من كافة أمراض المشاعر وفيروسات الروح القاتلة لكل حلو داخلنا.. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط