الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. رانيا يحيى تكتب: فرخندة حسن.. أم الضمير اليقظ

صدى البلد

محظوظ من صادف فى مسيرته الحياتية هذه القامة والقيمة العظيمة، فهى شخصية نادرة تجمع بين الماضى بقيمه الأصيلة والفطرة المصرية الصميمة وبواكير التحديث كرائدة للعمل العام، ذات قدرات خاصة فى كل مفردات الإدارة الإنسانية، هامة عالية شامخة، واسعة الأفق، تعددت روافدها ما بين الأصول الصعيدية والتركية، وجمعت فى مراحل تعليمها بين دراسة العلوم الجيولوجية، والمواد الأدبية فى التربية وعلم النفس فامتلكت ناصية الكلمة والمعرفة جنبًا إلى جنب العلم الوفير فى تخصصها، فأصبحت صاحبة مدرسة تعتمد على اللطف والرقة ودماثة الخلق التى أخذت منهم مناهجها فى الحياة ليستمد الجميع من عطائها السخى، وفكرها الندى ما يرسخ للإيثار والتضحية من أجل مستقبل أفضل.


إنها العظيمة الدكتورة فرخندة حسن التى رحلت عن دنيانا منذ ساعات قليلة، صاحبة الشخصية الثرية التى تمثل جسرًا بين الأصالة والمعاصرة، والتى تتمتع بنزاهة وموضوعية لا مثيل لها، فهى نموذج للشرف والأمانة والعطاء فى مسيرة حياة مشرفة، حقًا مشرفة فهى فخر لكل مصرية وعربية، إنسانة تحمل خصالا نبيلة قلما تجدها فى هذا الزمان، احتواؤها للآخر، المساندة من القلب، حماسها لكل جديد، حاملة رسائل التبشير، تتسم بعفة اللسان، صوتها الرقيق الحانى تنطق من خلاله أرقى الكلمات المختارة بعناية فائقة، يشغلها القادم لأجل مستقبل حلمت أن يقتطف ثمار ما جنته على مدار عقود، كما تضفى بهجة على المكان بحضورها الطاغى، فهى لا تعرف للكراهية طريق، فأينما تولى وجهها الخير دربها والإخلاص مسلكها.


مسيرة علمية وحياتية زاخرة، منذ تخرجها عام 1952 وحصولها على بكالوريوس كلية العلوم قسم جيولوجيا من جامعة القاهرة، ثم التحاقها بمعهد التربية وحصلت على دبلومة علم نفس وتربية، فكانت هذه الدبلومة وسيلة لنجاحها على المستوى الشخصى فى التعامل مع المحيطين، وفى كيفية تربية الأبناء بطرق علمية وتربوية سليمة، كما أفادها على المستوى المهنى فى التدريس والتعامل النفسى مع طلابها، وأيضًا أضاف لها مهارات قيادية أثرت شخصيتها المتفردة بمزيد من الخصوصية، علاوة على ما لديها من إصرار على النجاح وإثبات الذات وتجاوز جميع الصعاب، وامتلاكها مهارات قيادية ومقومات كاريزمية، بجانب تأهيلها العلمى والأكاديمى المشرف الذى جعلها تقف على أرض راسخة ثابتة بالعلم والخلق والقيم التى لم تغفلها قط خلال مشوارها الطويل.


ولا يمكن أن نتجاهل دور فرخندة حسن كزوجة مصرية مخلصة معطاءة، وأم مربية ومعلمة، وجدة رقيقة تحتضن الأحفاد كما تحتضن الجميع، مثال للرقى والتواضع والتفانى، هى ست البيت فى أداء مهامها تعمل كملكة متوجة داخله، ترعى شئون منزلها وتؤدى واجباتها وكأن هذا هو الدور الذى خلقت لأجله، وحين تراها كأستاذة جامعية تشعر، وكأن هذا العمل هو شغلها الشاغل، وفى مجال المرأة لعبت أدوارًا رئيسية غاية فى الأهمية منذ إنشاء المجلس القومى للمرأة عام 2000 وحتى عام 2011، ومثلت مصر فى العديد من المؤتمرات بالخارج، وكان لمشاركاتها أثر إيجابى على وضع المرأة المصرية والنظرة الدولية لتناول هذه القضايا المصيرية.


إن قيمة العطاء بالطبع لا تقاس فقط بالكم الوفير المنسوب للشخص أو بطول السنوات التى يقدم خلالها هذا الكم، ولكن الأهم الأثر الطيب الذى يحدثه ويتركه فى نفوس المحيطين، وبالفعل كل من تعامل مع الأستاذة الجليلة والعالمة المرموقة ينحنى لها حبًا واحترامًا، وحين حاولت أن أصفها فى كلمات وجدت الأمر غاية فى الصعوبة والتعقيد، فهى تمثل لى قدوة يستحيل أن أوجزها فى مجرد كلمات أو مفردات أو عبارات، أو حتى مقالات فهذا لا يمكن أن يوفى قدرها وحقها الإنسانى قبل المهنى، فكل المحاولات تقف عاجزة عن التعبير عن هذه الإنسانة الاستثنائية، لكننى وجدتها حقًا أم الضمير اليقظ، فضميرها الإنسانى يقود جميع تحركاتها وتعاملاتها.


يتملكنى حزن شديد حين أرثى القامة والقيمة الوطنية الغالية الدكتورة العظيمة فرخندة حسن أستاذتى وأستاذة الأجيال التى غرست معانى قيمة، فحصدت المحبة والإجلال والإكبار كحصيلة لهذه السنوات الطويلة، فرغم بلوغها التسعين عامًا إلا أنها كانت فى كامل تألقها وجمالها ورونقها الأنيق المتجدد فى كل لقاء، تحظى على تقدير جلى فى جميع الأوساط فى الداخل والخارج.


اسم فرخندة حسن سطرته صفحات التاريخ الحديث بحروف من نور، لذا أتمنى أن تنال التكريم المستحق من الدولة كسيدة مصرية من عظيمات مصر المتوجات على عرش الوطن، كما أدعو الصديقة العزيزة الدكتورة مايا مرسى، رئيسة المجلس القومى للمرأة، لإطلاق اسمها على إحدى قاعات المجلس تقديرًا وعرفانًا بدورها المشرف على مدار عقد كامل غبان توليها الأمانة العامة للمجلس، فهى بحق فخر لكل المصريين والعرب ونموذج يحتذى به فى مجال المرأة والبحث العلمى والعطاء الأكاديمى وأيضًا العمل التشريعى والرقابى تحت قبة البرلمان.