الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كفى عنفًا ضد نسائكم!


في يوم ما اصطحبني والدي-رحمه الله-منذ ما يقرب من نصف قرن لزيارة بلدتنا القابعة خلف سياج المنصورة-قاهرة الفرنجة-لأجل مباشرة الزراعة والمزارعين، ثم العودة بنا إلى حيث نقيم في إحدى المدن.

وبينما نمضي أيامنا في البلدة أبلغت المزارع بالاستعداد للذهاب معنا لتفقد الحقل، وبينما نحن هناك حل وقت الظهيرة فإذا بزوجة المزارع تأتي حاملة على رأسها صينية من المأكولات الشهية، بعد أن قطعت مسافة لا تقل عن ثلاثة كيلومترات سيرًا على قدميها لأجل زوجها وأبنائهما العاملين معه. 

فرغ الجميع من الطعام، وإذا بها تجلس إلى جوار زوجها لتؤانسه وتؤازره، ثم عادت حاملة ذات الصينية إلى البلدة، لتجهز لهم طعام العشاء، حين يعودون مع حلول الغسق. وبمتابعتي لسلوك هذه الزوجة رأيت فيها المرأة الأصيلة المعينة لزوجها بكل احترام وإجلال، كتلك التي نراها على جدران المعابد والمقابر الفرعونية، حتى صار يبكيها بحرقة حين لزمت الفراش عند الموت.

وإذا كانت هذه الحالة تعكس حنوًا ومؤازره ولغة مشتركة بين الزوجين بالفطرة، فإن هناك حالات رأيتها بالفعل تعكس حجم العنف الذي يمارس ضد المرأة، وأن هناك رجال لا يفكرون إلا في إشباع شهواتهم، دونما أدنى مبالاة لكينونة الزوجة وأنها عماد البيت.

ففي زيارة لنا للبلدة جاءت إحدى الفلاحات لأبي لتشتكي إليه زوجها، وإذا بها تكشف له عن قطع في رأسها من جراء مشاجرة مع زوجها، حيث لم تجهز له الطعام الذي طلبه منها، فما أن كشف عن صينية الطعام حتى حمل قلة الماء في يده وقام بكسرها على رأسها، مصحوبًا بسيل من الشتائم لأنها عصت أمره.

وهناك حالة ثانية قُصت عليَّ يتحتم ذكرها حيث مارس الزوج فيها على زوجته عنفًا مطلقًا حين أمرها أن تخرج للعمل كمتسولة في شوارع المدينة، ثم العودة بحصيلة اليوم إليه ليقوم بإنفاقها على أصدقائه وقضاء ليلة مع الكيف؛ وقد حدث في يوم ما أن جاءت الحصيلة هزيلة للغاية، لا تكفي للصرف على مزاجه، فأخذ ينهال عليها بالضرب المبرح ظانًا أنها أخفت جزءًا من الحصيلة عنه.
أما الحالة الأخيرة هنا فهي لزوجة كلما أنجبت بنتًا أخذ زوجها في كيل السباب لها وأن "وشها فقر"، وعليها أن تحمل ثانية وثالثة ورابعة حتى تأتي له بالولد وإلا فالطلاق سيكون من نصيبها، ومع كل مرة كان يكيل لها الشتائم وينهال عليها ضربًا، متناسيًا بجهله أن نوع الجنين يحدده ماء الرجل، وليس رحم الزوجة، التي لا تملك من أمرها شيئًا.
واليوم ونحن نحتفل باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة لابد أن نؤكد على أن الفكر المتوارث بين الأزواج في بيئتنا الشرقية حين يمارسون العنف ضد زوجاتهم إنما ينبع في المقام الأول من بيئة رجعية يعلوها الصدأ في أفكارها تجاه المرأة؛ بيئة تعاني من فقر مدقع في الثقافة الأسرية، وفي النظم التعليمية، وفي الجرعات الدينية الصحيحة، بل وفي الصحة الأسرية أيضًا.
ومن ناحية أخرى، لم يخرج رجال الدين في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة ليذكروا الأزواج بضرورة أن يحسنوا إلى نسائهم، عملًا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: "استوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوان عندكم"؛ أو حين قال لأنجشة: "يا أنجشة رفقًا بالقوارير"؛ حيث شبه المرأة بالقارورة الزجاجية الرقيقة التي لا تتحمل الضغط حتى ولو كان يسيرًا.

إن الأدب النبوي منهاج نموذجي للزوج الشرقي يستوجب عليه التمسك بأهدابه حتى يتيح الفرصة لزوجته لتجد طريقها نحو السعادة الزوجية، مع رجل يحفظ إنسانيتها ويصون كرامتها، فتشعر معه بالحب والأمان واعتدال النفس...فلنسائكم حقُ عليكم أيها الرجال حتى لا يصرخن مطالبات بالفكاك من براثنكم.      
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط