الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صرخة فرحة


لا أعرف لمَ ولا كيف خوفتني "فرحة" بطلة عرض فرع الجيزة بالمجلس القومي للمرأة على كل إحساس حلو بالفرحة.. ربما لأنني دومًا ربطت هذا الاسم  بكل حلم يقرب بيني وبين السعادة، وجائز يكمن السر في تلك الأمنية بعيدة المنال التي أبت أن تتحقق.. كلها احتمالات لكن الأكيد أن صدمة فرحة أخذتني من جميع أهدافي وخططي المستقبلية، لأقف عند وجع لا يحكى.. لا يوصف.. أو يقال تتعرض له عدد ليس بقليل من الإناث في بلدنا..


 "الختان" جريمة شنعاء يعاقب عليها القانون المصري، وتواجهها الدولة بندوات، مؤتمرات، حملات حتى أنها خصصت لجنة وطنية مهمتها التصدي لهذه الظاهرة العنيفة ضد المرأة.. 
وأعود للعمل المسرحي التفاعلي الذي عرض تحت رعاية الدكتورة مايا مرسي رئيس المجلس القومي للمرأة، وهو من إشراف وإنتاج فرع المجلس بالجيزة ومقررته الكاتبة الصحفية ماجدة محمود رئيسة تحرير مجلة حواء السابقة، وصاحبة فكرة "فرحة" والتي كشفت من خلال قصص واقعية عن أحزان فتيات ونساء يعشن في حالة قهر لانهائية بيننا ولا يستمع لأوجاعهن أحد!.. 


 فعلى الرغم من عملي الصحفي لأكثر من ربع قرن في قضايا المرأة إلا أن هذا العرض كان بمثابة الصرخة التي أيقظتني على واقع مجتمعي مر..


 فرحة،.. فتاة جميلة.. حلمت بالشهادة، وفارس الأحلام، وحين حصلت على دبلوم تجارة ونبض قلبها للحب، انقلبت حياتها لجحيم.. وكما قالت "ذبحوني..ختنوني"،.. والغريب أن الجناة ليسوا من دمها بل من دم حبيب عمرها.. فما أن علمت حماتها أنها غير مختنة حتى تآمرت وخططت لاغتيال ابتسامتها.. نعم.. جاءتها في أسبوع عرسها وبدلًا من أن تبارك مثلت التعب المفاجئ، وبمجرد أن ذهب ابنها لجلب الطبيب، قامت مع أخرى بتقييد حركة العروس ليختنوها رغمًا عنها.. هكذا،.. فقدت فرحة ضحكتها للأبد، طلقت،.. وراحت للمجلس القومي للمرأة تشكو ألمها.. فاستقبلتها إحدى عضواته والتي جسدت دورها الفنانة المتميزة نهال عنبر، وبكل ما أوتيت من احتواء وقفت بجانبها،  لتجوب فرحة كل قرية ونجع بمحافظات مصر مع عضوات القومي للمرأة ومعهن طبيبة النساء الواعية الفنانة "هدى الإدريسي" لتوعية الكبار والصغار بمخاطر الختان في حملة طرق الأبواب ..  


ومن خلالها  نتعرف على متاعب نون النسوة، فهذه أصيبت بمضاعفات أدت للعقم فعاشت خادمة في منزل حماتها بعد زواج شريك حياتها بأخرى وعندما طلقت انتقلت للخدمة في بيوت أخواتها، وتلك ماتت أختها المماثلة لها في العمر أمام عينها أثناء تختينهما.. وغيرها العديد من القصص التي اقشعر لها جبين كافة المشاهدين.. وليست مبالغة أن المسرح امتلأ بالنحيب على كل دمعة أنثى لم ترتكب ذنبًا سوى "نوعها" المذكور بشهادة ميلادها!..


"فرحة" عمل مسرحي فوق العادة استطاع  بكلمات بسيطة، وأداء تمثيلي أكثر بساطة أن يلقي الضوء على عواقب الختان العضوية والنفسية.. فضلًا عن سرد هوامش وتفاصيل مجتمعية، لم تنجح مئات بل آلاف الندوات والمؤتمرات في توصيلها لقلب وعقل المشاهد.. فالقضية لا تقتصر على إقناع أب وأم بمخاطر الختان فحسب بل الكارثة في المفاهيم المغلوطة التي تقف حائلًا أمام زواج غير المختنات، حتى أن المرأة تصبح الأكثر عداء للمرأة، وكأنها تريد تشويه بنات جنسها لتثبت أن ما حدث لها طبيعي!..

 
وبعد أن أنستني "فرحة" بما تحمله من خدوش وجروح محفورة على حائط ذاكرة كل من مر بتلك التجربة الأليمة المسماة "بالختان" غضبي على فرحتي التي بدأت بها مقالي، كان حتمًا ولابد أن أشكر جميع القائمين على هذا العرض الذي يلمس القلب، وبالحجة والدليل يخاطب العقل.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط