الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جابر حسين العماني يكتب: رجل السلام

صدى البلد

هناك بعدان بارزان في حياة الخليفة علي بن أبي طالب عليه السلام يدلان على عبقريته في الحرب، وعظيم قوته وبسالته، فيحتار الباحث في تفسير أبعاد شخصيته ؛ التي تتميز بأبعاد هامة نذكر منها: 

البعد الأول: حب علي للسلم والسلام قبل الحرب وبعدها، فقد كان يصدر توجيهاته قبل وقوع الحرب ليثبت أهمية التعايش بين طرفي القتال؛ فكان: 
يرفض مبدأ سفك الدم بغير وجه حق، ويحرم دم المسلمين، فهو القائل لقائد جيشه مالك بن الحارث الأشتر : «إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدنى لنقمة وأعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله» وقال ايضا«فإياك والتعرض لسخط الله، فإن الله قد جعل لولي من قتل مظلوما سلطانا، قال الله تعالى: "ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا.
 
وهذا يدل دلالة واضحة أن الخليفة علي بن أبي طالب عليه السلام في حربه لأهل القبلة لم يسفك الدماء، بل كان ملتزما بوصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بمحاربة البغاة والدعوة إلى الصلح والسلم الاجتماعي، فاتحا بابه على الدوام لإعطاء الأمن والأمان لكل من يريد السلم والسلام وذلك لحقن الدماء. 

البعد الثاني: خوض الخليفة علي بن أبي طالب الحرب من أجل تحقيق العدالة السماوية، وهي إقامة القيم السماوية التي أرادها الله سبحانه وتعالى أن تتحقق على الأرض، والتي من أهمها التوحيد والقيم والمبادئ الإنسانية التي سعى من أجلها الإمام علي بن أبي طالب في كل حروبه وغزواته ووقائعه لتحقيق السلام. 

فشرعت الحرب من أجل: 
١- تأمين الدعوة 
٢- وتأمين الدين. 
٣- ورد الذين يمنعون الناس من الدخول إلى الإسلام. 

ومن يتابع تأريخ الخليفة علي بن أبي طالب عليه السلام، يرى أن كل ما أوصى به بعد كل هزيمة للأعداء في جميع حروبه التي خاضها تدل دلالة واضحة أنه لم يكن هدفه من إقامة الحرب سوى القضاء على الفتن كما قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.. 

ولم يكن هدفه من تشريع الحرب التشفي بسفك الدماء، بل كان الهدف الأساس هو تحقيق الأطروحة السماوية التي أرادها الله سبحانه وتعالى وبلغها محمد صلى الله عليه وآله وسلم على الأرض، والتي تنص على الرحمة، والمودة، وعدم هتك الستر، واحترام حقوق الإنسان في الحرب، كما قال عليه السلام: «ولا تمثلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا، ولا تدخلوا دارا، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم، فإنهن ضعاف القوى والأنفس والعقول، وقد كنا نؤمر بالكف عنهن وهن مشركات. 

وما رواه أيضا أبو حمزة الثمالي قال: قلت لعلي بن الحسين - عليهما السلام -: إن عليا ، سار في أهل القبلة، بخلاف سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله - في أهل الشرك، قال: فغضب ثم جلس، ثم قال: سار فيهم والله بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله - يوم الفتح.

فنستنتج مما سبق إن أمثال هذه التوصيات العظيمة التي صدرت من الخليفة علي بن أبي طالب عليه السلام كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى نزع الحقد من قلوب أعدائه، وجعل المسلم المنتصر في الحرب يكون ميزانا للحق والإنصاف ونشر السلم والسلام، محققا بفعله الواجب الشرعي الملقى على عاتقه من أجل تحقيق العدالة السماوية التي أمر الله سبحانه وتعالى أن تحقق على الأرض.
 
فأيّ منهج إنساني عظيم حمله الخليفة علي بن أبي طالب عليه السلام؟! وأيّ روح صافية راقية تنبذ الأحقاد، محبة للأمن والسلم والسلام، بل ولا تحمل أي حقد أو كره تجاه الإنسان الآخر؟! حتى للذين يسيئون إليها على الدوام.
 
هذه هي الروح التي تحلى بها الخليفة علي بن أبي طالب عليه السلام، وهي التي حملها بين جنبيه في رضا الخالق سبحانه وتعالى، فكان صمام الأمان للمجتمع حتى في حروبه التي خاضها في نصرة دين الله ونصرة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

أخيرا أختم بما قاله العلامة الكبير ابن أبي الحديد المعتزلي رحمه الله في حق خليفة المسلمين علي بن أبي طالب عليه السلام 
أنا في مديحك ألكن لا اهتدي 
وأنا الخطيب الهزبري المصقع 
ياقالع الباب الذي عن هزه 
عجزت أكف أربعون وأربع 
والله لولا حيدر ما كانت الدنيا 
ولا جمع البرية مجمع.