الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طمس الحقيقة لا تخفي آثار الجريمة


ما زلنا نعيش ما قبل الجاهلية في وأد الحقيقة من أجل سلطة زعماء قبائل وعشائر الدولة القوموية المقنعين بالفكر العروبي حينًا والعلماني والتقدمي أحيانًا والإسلاموي الديني في كثير من الأحيان. ندَّعي تهجمنا على الجاهلية ووصفها بأبشع صورها وأن الدين والنبي قد بُعث وخلصنا منها، لكننا نعيشها بأدق تفاصيلها في كثير من نواحي حياتنا. إنه الانفصام في الشخصية والنفاق القوموي والديني الذي نعيشه كرمىً فقط من أجل الحفاظ على السلطة.
 
إنها السلطة التي تُعمي البصر والبصيرة عند فاقدي الوجدان والأخلاق في زمن نبحث فيه بإبرة عن هذه الصفات في شخوص سلطوا أنفسهم علينا كآلهة أو أنصاف آلهة علينا فقط أن نسجد له ونقول "نعم" لكل ما يقولونه إن كان على صواب أو العكس. فلا مانع أيضًا إن تم تشبيههم بالأنبياء الذين سيبشروننا بالفردوس التي تم صنعها حسب مزاجهم وأهواءهم أو أن نكون في سعير إن رفضنا خطاباتهم الجوفاء التي تحولت إلى خُطب عصماء.

قيل لنا ونحن أبرياء على مقاعد الدراسة أن الدين جاء من أجل القضاء على الجاهلية التي كانت فيه توأد الفتاة فقط لأنها فتاة، وكذلك كان الرجال يتزوجون من دون رقيب أو حسيب، وكانت الخمر والميسر والأصنام تُعبد من غير الله. كل ذلك حقنوه في أدمغتنا كي نصدقهم ونتّبع ما يريدون. بمقارنة بسيطة وهي ليست بحاجة لذكاء أو أن يكون الانسان داهية عصره وجيله، بين ما نعيشه الآن وما كان في الجاهلية. هل ثمة فرق يمكننا أن نشير له ونقول بالفعل أننا تخلصنا من الجاهلية.

من وأد البنات التي كانت في الجاهلية نراها الآن ليس فقط وأد البنات، بل عمليات الاغتصاب والسبي نراها أمام أعيننا ونسمع عنها من جحافل المتأسلمين من مرتزقة أردوغان أينما حلّوا، وبفتوى من شيوخ السلطان وهم يقرأون سورة الفتح لهم. طبعًا ليس فتح البلاد كما كانوا يدّعون، بل فتح أمور أخرى. وكذلك إن كان على الميسر والخمر والأصنام في الجاهلية، فالآن حدث ولا حرج من هذه الأمور ومنتشرة أمام العامة وليست مخفية كما كانت في الجاهلية. فمن صنم الأسد إلى صنم صدام وأتاتورك والآن أردوغان كُلها باتت أصنام تُعبد من أجل الرجوع للفردوس المفقود حسب رأيهم. أما عن الزواج المتعدد فلا داع أن نكتب عنها بسبب كثرتها والفتاوي التي تشرعنها بأسماء عِدة وكل حسب مصالحه. من المسيار إلى المساكنة والعُرفي والسري والسياحي وغيره الكثير، أمتعونا بها في وقت لا يبحثون فيه إلا عن المتعة.

يريدون إخفاء وطمس الحقيقة وكي يخفوا أثار جرائمهم التي ارتكبوها إما بدافع جشعن السلطة أو مرض وداء التعصب القوموي الفاشي الذي تحول إلى شكل من أشكال النازية الشوفينية بكل معنى الكلمة. وكل ذلك يحدث تحت اسم حماية الوطن والسيادة الوطنية ومركزية الدولة وقدسية الحدود السياسية. فقط هذه المصطلحات مقدسة عندهم، أما يما داخل هذه المصطلحات من بشر وشعوب ومجتمعات فتذهب جميعها للجحيم إن هم أرادوا، أو أن زعماء الدول (القبائلية والعشائرية)، القوموية منها والدينية هم سيتكفلون بذلك وعلى نفقتهم الخاصة.
الكل يعلم من دعم ورعى داعش والفصائل الإرهابية الأخرى بمختلف مسمياتهم من مرتزقة الاخوان المسلمين وجلبهم إلى سوريا والعراق وليبيا وأرمينيا والصومال واليمن والآن كشمير. أردوغان الطفل المدلل والشقي بعض الأحيان عند من تبنوه من دول حلف الناتو، يواصلون إخفاء وطمس جرائمه في كل مكان حلت مرتزقته فيه ويدافعون عنه بكل الإمكانيات، ليس حبًا به بل لأنهم جميعًا شركاء في الجريمة ويسعون إلى تنظيف مسرح الجريمة حتى يحين الوقت الذي سيتخلون عنه.

حينما يتكاتف الرؤساء القومويون وخاصة ما بين زعماء ايران وتركيا والعراق وسوريا، مختلفون ويتصارعون على كل شيء، إلا أن الملف الكردي يوحدهم ويجعلهم يكشرون عن أنيابهم مهددين الكرد بالوعيد والجحيم إن هم فكروا بأي شيء للخروج من بيت الطاعة للدولة المركزية القوموية والدينية. لا فرق بين روسيا وامريكا كدول مهيمنة دولية ولا الدول الإقليمية بشكل عام بموقفهم الجاف والفظ وغير المبالي بما يحدث للأخوة الكرد الآن من هجمات غير أخلاقية، يحمل لواءها أردوغان الفاشي.

الكرد من العمال الكردستاني الذين هم أول من تصد لداعش في شنكال/سنجار، في وقت هرب فيه الجيش العراقي والقوات الكردية العراقية من أمام الإرهابيين. وكذلك قوات سوريا الديمقراطية التي تصدت لداعش ومرتزقة أردوغان وحررت الرقة والباغوز، وفي كِلا الحالتين كان العالم يصفق للكرد ويمدحونهم على أنهم مقاتلين شجعان. الآن وبعد تم كشف حقيقة داعش والمرنزقة ومن يدعمهم وجاء وقت محاسبتهم، نرى هذه الدول والزعماء يريدون إخفاء الحقيقة واتهام الكرد بدعم الإرهاب ويخططون لقتالهم بأية حجة كانت.

ينبغي واعتقد أن يُدرك كل من يفكر تحويل المجرم إلى مظلوم والمظلوم إلى ظالم ومجرم، أن العالم ليس كما السابق وأن وعي الانسان تطور نوعًا ما بفضل الانفجار التكنولوجي والتقني الذي حدث في العالم. وسيبقى الكرد الرقم الصعب الذي يستعصي على الجميع إن هم أصروا على عقليتهم الشوفينية وإن كانوا يتكئون على قوى الهيمنة الدولية.
الحقيقة ساطعة والجميع رآها بأم عينيه وهي أن الكرد كانوا في طليعة من حارب الإرهاب وفي المكان الذي خرج منه، والكل رأى من جلبهم ودعمهم وما زال. فطمس الحقيقة بكل تأكيد لا تخفي المجرم ولا تحوله إلى انسان طبيعي ولا تُخفي أيضًا أثار الجريمة. لأن الدماء وصراخ المسبيات والثكالى ما زال يُسمع ولا يمكن مسح هذه الآثار من وجدان وضمير الانسان، فقط من أجل حماية المجرم أردوغان وكل من يدعمه الآن في أي شيء. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط