الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حفل جوائز الأوسكار 2021 وتغير المشهد السينمائي للأبد


يُعقد حفل جوائز الأوسكار كل عام في آخر يوم أحد من شهر فبراير كل عام ولكن ما حدث في عام ٢٠٢٠ كان له بالتأكيد تأثير على قرارات موعد إقامة حفل توزيع جوائز الأوسكار في موعده وخاصة إن الجوائز تعتمد على ما تم عرضه في دور عرض السينما في عام ٢٠٢٠ ولكن دور العرض لم يتسنى لها عرض أفلام هوليوودية كبيرة ذات الإنتاج الضخم بسبب الإجراءات الاحترازية المطبقة في معظم أنحاء العالم جراء تداعيات فيروس كورونا المستجد، كوفيد ١٩ وبالإضافة إلى عزوف الكثيرين عن الذهاب إلى السينما فجاءت قررت تأجيل عروض أفلام البوكس أوفس إلى ٢٠٢١ حتي تتضح الرؤية فيما يخص تطور تفشي وباء كوفيد ١٩ عالميًا وتأثيره على الحياة بشكل عام.

أحد أهم التغييرات التي يشهدها حفل توزيع جوائز الأوسكار والذي قد يبدو هذا أمرًا عاديًا للبعض ولكنه ليس بالأمر العادي على الإطلاق هو  تغيير موعد إقامة حفل توزيع جوائر الأوسكار إلى ٢٥ إبريل ٢٠٢١ بدلًا من إقامته في ٢٨ فبراير ٢٠٢١ كما هو كان متوقعًا. وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تأجيل فيها الحفل بسبب وباء وهي المرة الأولى في القرن الواحد والعشرين. فالمرات التي تم فيها تأجيل حفل الأوسكار والتي تعد على أصابع اليد كانت لأسباب داخل الولايات المتحدة والأولى في عام ١٩٣٨ عندما غرقت لوس أنجلوس بسبب الفيضانات والمرة الثانية في عام ١٩٦٨ عندما تم اغتيال دكتور مارتن لوثر كينح والثالثة في عام ١٩٨١ عند محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان.

وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تأجيل حفل الأوسكار في هذا القرن لسبب أصاب البشرية جمعاء وليس لسبب يخص الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن موسم جوائز الأعمال السينمائية والتليفزيونية في الولايات المتحدة معقل صناعة الترفيه والسينما سيبدأ في ٢٨ فبراير بحفل الجولدن جلوب السنوي والذي يقوم بتكريم أعمال العام ٢٠٢٠ والمعروف أن لجوائز الجولدن جلوب شروطا واضحة وتطبق كل عام بصرامة وجدية تامة إلا أن عام ٢٠٢٠ جعل من مهمة تطبيق هذه الشروط مهمة صعبة لهذا تم الخروج عن الشروط المعتادة.

وكان أحد أهم هذه الشروط شرط عرض الأفلام المرشحة للجوائز في منطقة لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية في مدة لا تقل عن سبعة أيام. ولكن ماذا عن عام تم تأجيل معظم العروض فيه بسبب ظروف فيروس كوفيد ١٩؟ وبعد أن تأكد القرار بعدم إلغاء الحدث السنوي تم تعديل شروط تقديم الأعمال لتناسب ظروف عام ٢٠٢٠ الاستثنائية حيث تم دعوة المشاركين بالمسابقات إلى حفلات مشاهدة خاصة يديرها هيئة أعضاء المسابقة للتقييم. يلحق جوائز الجولدن جلوب بعد ذلك توزيع جوائز اختيارات النقاد Critics’ Choice Awards في دورتها الـ٢٦ في  ٧ مارس ٢٠٢١  وهي من الجوائز رفيعة المستوى التي ينتظرها الكثيرون من السينمائيين. ثم سيأتينا حفل جوائز الأوسكار في ٢٥ إبريل ٢٠٢١ إذا أتاحت الظروف إقامته بالتأكيد.

ترحيل موعد عقد مناسبات سينمائية وتأجيل عروض وتعديل شروط التقدم للمسابقات السينمائية وتوفيق أوضاع لأهم الجوائز السينمائية أمور لم تحدث منذ عشرات السنوات لبعض المسابقات وللمشهد بشكل عام. وتصنيفها على أنها استثنائية أو غير عادية فهي تغيير وله تأثير ولكن ليست هذه أهم أكبر التغييرات التي ستشهدها أروقة جوائز أعمال عام ٢٠٢٠.

ما بين عام ٢٠١٨ وعام ٢٠٢٠ شهدنا شركة نيتفلكس العالمية صاحبة أشهر وأقدم منصة عرض محتوى ديجيتال، وقد كتبت مسبقًا باستفاضة مقالًا عن المنصات الديجيتال أو OTT  عند انطلاق منصة ديرني بليس في ٢٠١٩ ، شهدنا نتفليكس تدخل على استحياء قائمة ترشيحات جوائز الأوسكار في عام ٢٠١٨ في فئة جوائز الأفلام الروائية الطويلة لأول مرة  وكانت قبل ذلك مشاركتها من خلال فئة الأفلام التسجيلية ما بين الأعوام ٢٠١٤ و٢٠٢٠. 

ثم جاءت مشاركة نيتفلكيس في فئة جائزة أفضل فيلم في جوائز الأوسكار في فبراير ٢٠٢٠ بفيلم إيرش مان The Irishman وهو من بطولة نخبة من النجوم روبرت دي نيرو وآل باتشيونو والفيلم من إخراج المخرج المعروف مارتن سكورسيزي. والفيلم وقع في جعبة إنتاج نيتفليكس بعد وقوع خلافات بين الشركات الموزعة داخل وخارج الولايات المتحدة وبسبب استمرار زيادة ميزانيته. ولكن تكمن أهمية هذا الفيلم تاريخيًا لسببين أولًا هو أول فيلم في عداد أفلام البوكس أوفس أو أفلام نجوم الشباك الذي يتم عرضه عبر منصة ديجيتال وليس عبر دور العرض السينمائية التقليدية ثانيًا هو الفيلم الأول لشركة نيتفلكس الذي تنافس به في عام ٢٠٢٠ على فئة الجوائز الرئيسية لجوائز الأوسكار. وتم ترشيحه لجائزتي أفضل فيلم وأفضل مخرج. 

وسبق وأن ترشح فيلم  Roma الأمريكي المكسيكي لشركة نيتفلكس في عام ٢٠١٩ ضمن جوائز الأوسكار ودخل بعض فئات الجوائز ولكنه كان في نظر الأكاديمية فيلم أجنبي أكثر منه أمريكي ففاز بجائزة أفضل فيلم أجنبي أو غير أمريكي أي غير هوليودي. وسواء كان دخول شركة نيتفليكس لانتاج فيلم ايرش مان ووضع شروط عرضه على منصتها صدفة أم مخطط له فهو أصبح علامة فارقة في مرحلة تحول المشاهدة السينمائية إلي المنصات الديجيتال والذي بات أمرًا واقعًا في عام ٢٠٢٠ بعد عزوف الملايين عن الذهاب لدور عرض السينما وقرارت لا حصر لها من قبل شركات الإنتاج العالمية بهوليود بتأجيل عروض أفلام شباك التذاكر حتي عام ٢٠٢١ وحتي تتضح الرؤية.

وفي الوقت الذي انطفأت فيه أضواء شاشات عروض السينما لشهور لأجل غير معلوم يقترب الآن من العام ازدادت شعبية مشاهدة الأفلام عبر المنصات الحديثة وارتباط المشاهدين بمشاهدة أفلام السينما عبر هذه المنصات مثل نيتفليكس وأبل بلس وديزني بلس وأمازون برايم. فتجربة مشاهدة الفيلم في دار عرض سينمائية كانت دائما مرتبطة بالجو العام المصاحب للتجربة ولكن هذا الجو العام أصبح من الصعب تحقيقه واستمراره في ظل استمرار جائحة كورونا وكل الظروف غير الآمنة التي تحيط التجربة.

ولأن العقل البشري وذاكرته يشكلان مدى قدرته على التأقلم والتجديد في أسلوب حياته. فالذاكره بدأت تنسى فكرة تجربة مشاهدة الفيلم في دار العرض نظرًا لارتباطها حاليًا بمخاطر صحية جسيمة ولكن المتعة والاستمتاع بمحتوى الأفلام السينمائية لم ينتهيا لأن هذا الإحساس بالاستمتاع انتقل إلى وسيلة أخرى آمنة لها محيط صحي ومريح بدأ يستقبله ويتقبله وبعتاد عليه البشر ويحبه كنوع من التأقلم مع الظروف الجديدة الحالية وبالتالي بدأت الذاكرة البشرية تدرجيًا تربط متعة مشاهدة الأفلام بالمنصات الديجيتال. وهي صفحة جديدة تمامًا في مفهوم المشاهدة وللعلم لن تُغلق أبدًا حتى بعد عودة الحياة إلى طبيعتها مثلها مثل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل في مقابل استخدام الأساليب المعتادة للتواصل والتي أيضًا هي حديثة ولكن ما حدث إنه لم يحدث تراجع لحساب أي طرق تقليدية. هو نفس الشيء الذي سيحدث لدور العرض السينمائية مقابل منصات العرض الديجيتال. سيسير كل منهما جنب إلى جنب وقد تتفوق المنصات الديجيتال وهذا متوقع كما تفوقت منصات التواصل الاجتماعي المتعددة على وسائل الإعلام التقليدية في سرعة الوصول للمشاهدين أو القراء وتحقيق أعلى المشاهدات.

نعم نحن على أعتاب تغييرات كبيرة ولا تراجع ربما تكامل ربما منافسة وربما أجيال قادمة تحسم المنافسة ولكن مما لا شك فيه إننا فتحنا صفحة جديدة لعلاقة السينما بالمنصات الديجيتال وعروض البرميير أو العرض الأول في عام ٢٠٢٠ ويؤكد كلامي هذا استحواذ توقعات ترشيح أفلام إنتاج المنصات الديجيتال هذا العام  لجوائز الأوسكار وهو ما دفعني لكتابة هذه المقالة فكل ما كان يُفسر على أنه صدفة أو مجرد ظروف استثنائية أو توفيق أوضاع هو تغيير ببساطة لأن التغيير يحتاج أسبابًا مهما كانت مسمايتها. التغيير ”الاستثنائى“ أصبح واقعًا وأصبح حقيقة أقرها ملايين المشاهدين بالأرقام في الولايات المتحدة والعالم والآن تعتمده الأكاديمية والمسئولة عن توزيع جوائز الأوسكار التي هي الآن مجرد توقعات من النقاد والمجتمع السينمائي في أمريكا والذي هو أيضًا اعتراف آخر من الخبراء بهيمنة إنتاج المنصات الديجيال على عالم الشاشة الفضية التي لن تصبح قريبًا إلا شريكًا لشاشات السمارت تي في أو أشكال الابليكشن المختلفة. عمومًا تفصلنا أسابيع عن القائمة النهائية لترشيحات جوائز الأوسكار لعام ٢٠٢١ وعملية التصويت عليها والتي يُهيمن عليها طبقًا لتوقعات النقاد انتاج شركة نيتفلكيس التي دخلت عالم جوائز اوسكار على استحياء ببعض الأفلام التسجيلية منذ بضع سنوات وها هي تتصدر بإنتاجها أهم فئات ترشيحات جوائز الأوسكار لعام ٢٠٢١. 

والنتيجة في رأيي شبه محسومة للمنصات الديجيتال والحالمون من المتمسكين بربط انتاج أفلام السينما بدور العرض مثل من اعتقدوا في عام ٢٠٠٩ مع بزوع مشروع فيس بوك أنه مجرد ظاهرة للشباب على الهامش وإنهم بإمكانهم تعطيل الزمان والمكان وإلزام المشاهد للبقاء أمام شاشة التليفزيون لمشاهدة قائمة برامج وما كان هذا إلا هذيان وخيال. شهدنا معًا عقدًا من ابتلاع منصات التواصل الاجتماعي لمشاهدي قنوات التليفزيون التقليدية.

المستقبل للقابعين في المستقبل وليس للمتمسكين بأدوات الماضي فمن عشر سنوات مضت كان بزوغ فجر منصات التواصل الاجتماعي والتي رآها البعض على إنها ظاهرة ولكنها كانت نقطة تحول أدركتها أنا شخصيًا بعدم تمسكي بالعمل في منظومة الإعلام التقليدي لا في داخل أو خارج مصر. وأوكد أننا بصدد نقطة تحول ليس للإبداع أو الفن ولكن طريقة تناولنا لهذل الإبداع وللحديث بقية عن مشهد صناعة السينما الذي يُودع الكثير من ملامحه بحلول  ٢٠٢١ والذي يستقبل المستقبل بسرعة لم نتوقعها كما حدث مع الإعلام في ٢٠٠٩.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط