الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

متحف سعد زغلول .. يعكس حياة زعيم ثورة 1919.. وشاهد على تاريخ أم الدنيا.. بحاجة إلى ترميم

صدى البلد

في منطقة المنيرة بمدينة القاهرة شيد عام 1931 بيت الأمة المعروف حاليا بمتحف سعد زغلول، ليدفن فيه زعيم أمة وقائد ثورة ضد الاحتلال الإنجليزي (ثورة 1919).
  
وفضلت حكومة عبد الخالق ثروت وأعضاء حزب الوفد الطراز الفرعوني حتى تتاح الفرصة لكافة المصريين والأجانب الزيارة و حتى لا يصطبغ الضريح بصبغة دينية يعوق محبي الزعيم المسيحيين والأجانب من زيارته ولأن المسلمين لم يتذوقوا الفن الفرعوني وكانوا يفضلون لو دفن في مقبرة داخل مسجد يطلق عليه اسمه فأهملوه حتى اتخذ الدكتور عبد الرحيم شحاتة محافظ القاهرة الأسبق، قرارا بترميمه على نفقة المحافظة كما وضعه على الخريطة السياحية للعاصمة.

وقد قام بتصميم الضريح على الطراز الفرعوني المهندس المعماري الراحل مصطفي فهمي كما أشرف على بنائه، وتقدر المساحة الإجمالية للمشروع 4815 مترا مربعا، أما الضريح فيحتل مساحة 650 مترا ويرتفع حوالي 26 مترا على أعمدة من الرخام الجرانيت وحوائطه من الحجر، وللضريح بابان أحدهما يطل على شارع منصور وهو من الخشب المكسو بالنحاس وارتفاعه ستة أمتار ونصف وهو نسخة طبق الأصل من الباب الآخر المطل على شارع الفلكي وتغطي حوائط المبنى من الخارج والداخل بطبقة من الرخام الجرانيت بارتفاع 255سم كما أن السلالم مكسوة أيضا بنفس النوع من الرخام، ويحاط الضريح بدرابزين من النحاس والحديد والكريتال.

ويحتل متحف سعد زغلول، أو «بيت الأمة»، كما يُطلق عليه، موقعًا مميزًا في نفوس المصريين والعرب، نظرًا لكونه يخص واحدًا من أشهر زعماء الحركة الوطنية والسياسية في مصر في زمن الاحتلال الإنجليزي، ولا تُذْكر ثورة 1919 م المصرية، إلا وذكر معها اسم سعد زغلول، الذي تزعمها بصفته رئيس حزب الوفد، الذي قاد الثورة آنذاك، فحينذاك خرج المصريون وتجمعوا حول بيت زغلول، يهتفون ضد الاحتلال، وظل مسرحًا للحركة الوطنية منذ أواخر عام 1918 م وحتى نهاية 1937 م.

وتكلفت عملية تحويل المنزل إلى متحف حوالي 3 ملايين و270 ألف جنيه مصري، وهو يضم أثاثًا فرنسيًا من طراز حقبة لويس الخامس عشر، وأثاثًا عربيًا مطعمًا بالعاج، ومقتنيات فنية بينها 12 لوحة زيتية لكبار الفنانين التشكيليين، منهم: يوسف كامل ومحمود حسين، فضلًا عن مقتنيات شخصية للزعيم الوطني الراحل والتحف النادرة التي كان يعشقها.

وبمجرد زيارتك إلى المتحف، ستكتشف أن كل ما فيه يعكس حياة سعد زغلول، ويجسّد وفاء زوجته، ففي شارع الفلكي (بوسط القاهرة)، يقع ضريح الزعيم الراحل، ليكون مواجهًا لشرفة منزله، حتى تطل عليه زوجته كل صباح، وهو ما يخلّد أسمى معاني الحب، إذ طلبت أم المصريين من حكومة الوفد آنذاك، برئاسة مصطفى باشا النحاس، نقل جثمان سعد باشا إلى ضريحه بشارع الفلكي، وحدد النحاس باشا يوم 19 يونيو عام 1936، للاحتفال بنقل رفات زعيم الأمة، بعد أن ظل في مقبرة الإمام الشافعي تسعة أعوام تقريبًا.

المتأمل لمبنى المتحف من بعيد، يجده يقف راسخًا، يحمل عظمة وشموخ وطموح وأحلام المصريين، تحيط به حديقة واسعة تضفي عليه مزيدًا من الزهو، مزينة بالأشجار والنخيل والمصابيح، ومحاطة بسور عالٍ ، تتصدره بوابة حديدية كبيرة لتأمينه.

ويتكون من ثلاثة طوابق، وأربع عشرة غرفة، تحتوي على 750 ‬قطعة من مقتنيات المنزل،  بداية من الصالون الصغير الذي كان يستقبل ضيوف سعد زغلول في الشتاء، ومنه إلى غرفة الطعام، التي تتوسطها مائدة كبيرة، وحولها تقف الكراسي فارغة، بعد أن كانت تحمل سعد زغلول وزوجته، وكان ميعاد الغداء في الواحدة والنصف ظهرًا.

واحتفظت هذه الغرفة بطلائها عند تجديد المتحف، كونها منقوشة يدويًا بالزيت، وإلى جوار المائدة، توجد خزانة تضم أدوات الطعام من الأطباق والأكواب.

 من غرفة الطعام إلى حجرة الصالون الكبير، وفيها كان يجتمع سعد زغلول بأعضاء حزب الوفد، ‬وتزين إحدى حوائط الغرفة بسجادة حائط، عليها صورة لسعد باشا، أهديت لأسرته في الذكرى الأربعين لوفاته، وعلى الحائط الآخر ساعة رائعة الصنع، أهديت له عندما تولى رئاسة الوزراء عام ‮ م.‬1924‭ 

وتحتوي غرفة المكتب على خزانة تضم مجموعة فاخرة من أدوات الكتابة، وقلم حبر أميركيًا، أهدته إليه زوجته، لكن سعد زغلول لم يستخدمه أبدًا.

وفي الطابق الثاني، يوجد مدخلين، أمام كل واحد منهما قفص من المعدن، كان‮ ‬يضم زمن ساكنيه، زوجين من الببغاوات حنطا بعد موتهما، لنتجه إلى غرفة ثياب صفية زغلول، والتي تضم ملابسها وأحذيتها وزجاجات عطرها وأدوات زينتها وراديو بالأسطوانات، وقفصًا معدنيًا في داخله عصفورة محنطة، وتطل هذه الغرفة على الضريح الخاص بالزعيم، ومن خلالها يدخل الزائر إلى حجرة نوم الزوجين، التي حافظت عليها «أم المصريين» كما هي، ويوجد سرير سعد زغلول، مثلما كان في حياة صاحبه، وبجواره خزانة صغيرة، عليها دورق مياه وكوب ما زالا في المكان الذي كانا عليه يوم لفظ سعد أنفاسه الأخيرة سنة 1927 م، وخلفه مقعد وثير، كان يجلس عليه بعد استيقاظه لمطالعة الصحف.

وفي الجانب الآخر من الغرفة، مجموعة من المقاعد الكبيرة ومنضدة صغيرة، ويظهر إلى اليسار دولاب صغير، فيه عدد من زجاجات الأدوية والروائح العطرية.

ومن حجرة النوم إلى غرفة ملابسه، لتجد فيها الطربوش الخاص بالزعيم، وسلة تضم مجموعة من «العكازات»، محفورة عليها آيات قرآنية، كان‮ ‬يختار منها ما‮ ‬يتبرك به في المناسبات، إلى جانب كنبة من جلد الحوت وقفطان برتقالي اللون، الذي جاء به من بلدته (محافظة الغربية)، وخلف الباب توجد نتيجة‮ ‬يدوية، توقف العد بها على تاريخ وفاته.

كما نجد أن الحرملك الذي كانت تستقبل فيه صاحبة البيت صديقاتها وقريباتها، يضم صالونًا من الأرابيسك مطعمًا بالصدف والعاج، وأسفله كراسٍ صغيرة توضع عليها الأقدام، كعادة الأتراك في بيوتهم، ولوحات فنية.

ومنه إلى حجرة المكتبة الخاصة بصفية هانم، وفيها مجموعة من ‬الكتب التي كانت تهوى قراءتها، وفيها صورة لها ترتدي علم مصر الملكي باللون الأحمر.

في عام 2003 م، رممت وزارة الثقافة المصرية، البيت، وأعادت تأهيله، فجددت الكثبر فيه، وخصصت الطابق السفلي (البدروم)، ليكون مركزًا ثقافيًا تقام فيه الندوات السياسية، استمرارًا للدور التاريخي لبيت الأمة، حيث يقام فيه صالون ثقافي شهري، يستضيف رجال الساسة والفكر المصري والفنانين، بهدف مناقشة الأوضاع المصرية على كافة الأصعدة، وكان من أبرز الأسماء التي استضافها الصالون: الدكتور عمرو موسى، الفنان عزت العلايلي.

وفي العموم، نتبين في المتحف مقتنيات وأوراقًا وصورًا، وغير ذلك الكثير، تكشف جميعها قصة حياة ونضال وعمل هذا المناضل والرجل الوطني، فتحكي في هذا السياق، أداء وتميز سعد زغلول حين شغل منصبي رئاسة الوزراء ورئيس مجلس الأمة.

وبعد مرور كل تلك السنوات يحتاج المتحف في الوقت الحالي إلى نظرة من المسؤولين لإعادة ترميمه، وإصلاح ما تم إفساده فيه، حتى تتمكن الأجيال القادمة من زيارته، والتعرف على مسيرة زعيم الأمة، حيث أن المتحف في الوقت الحالي يعاني العديد من الأزمات اللوجستية.