الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل يجوز الاجتهاد في تفسير كل آيات القرآن الكريم؟ شيخ الأزهر يجيب

الاجتهاد في تفسير
الاجتهاد في تفسير كل آيات القرآن الكريم

هل يجوز الاجتهاد في تفسير كل آيات القرآن الكريم؟ الآيات التي وردت في القرآن، نوعان، الأول قطعي الثبوت قطعي الدلالة، والثاني قطعي الثبوت ظني الدلالة.

معنى ذلك أن جميع آيات القرآن الكريم قطعية الثبوت لأنها نزلت من عند الله تعالى، فلا اختلاف على أنها قطعية الثبوت، أما الاختلاف يكون هل هي قطعية الدلالة أم ظنية، فـ«الدلالة» معناها هل المقصود من الآية واضح أم يحتاج إلى اجتهاد.

مثال آيات قطعية الثبوت ظنية الدلالة كقوله تعالى: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ» (البقرة: 228)، فلفظ «القرء» في اللغة العربية مشترك بين معنيين يطلق لغة على الطهر ويطلق لغة على الحيض، والنص دل على أن المطلقات يتربصن ثلاثة قروء، فيحتمل أن يراد ثلاثة أطهار، ويحتمل أن يراد ثلاث حيضات، فهو ليس قطعي الدلالة على معنى واحد من المعنيين، ولهذا اختلف المجتهدون في أن عدة المطلقة ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار»، إذًا الآيات قطعية الثبوت ظنية الدلالة يجوز فيها الاجتهاد من قبل أهل الاختصاص.

مثال آيات قطعية الثبوت قطعية الدلالة كآيات المواريث، قال تعالى: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ» فهي لا تحتاج إلى اجتهاد لمعرفة الأنصبة التي يحصل عليها الوارثون، فهذا النوع من الآيات لا يجوز الاجتهاد فيه، بل يجب أن يطبق كما أمر الله تعالى.

خلاصة: الآيات قطعية الثبوت قطعية الدلالة لا يجوز الاجتهاد فيها كآيات المواريث، أما الآيات قطعية الثبوت ظنية الدلالة فيجوز فيها الاجتهاد من قبل العلماء المختصين بذلك، كمعرفة المقصود بكلمة «قروء».

أنواع النصوص الشرعية

وقال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنَّ النصوصَ الشرعية منها ما يقبل الاجتهاد الصادر من أهل الاختصاص الدقيق في علوم الشريعة، ومنها ما لا يقبل.

وأوضح أن النصوص إذا كانت قطعية الثبوت والدلالة معًا فإنها لا تحتمل الاجتهاد، مثل آيات المواريث الواردة في القرآن الكريم، والنصوص الصريحة المنظمة لبعض أحكام الأسرة؛ فإنها أحكام ثابتة بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة بلا ريب، فلا مجال فيها لإعمال الاجتهاد، وإدراك القطعي والظني يعرفه العلماء، ولا يُقْبَلُ من العامَّةِ أو غير المتخصِّصين مهما كانت ثقافتهم

ونبه على أنه ومما يجبُ أن يعلمه الجميع أنَّ القطعيَّ شرعًا هو منطقيٌّ عقلًا باتفاقِ العلماءِ والعقلاء، موضحًا: وإنما يتأتى الاجتهاد فيما كان من النصوص ظنيَّ الثبوت أو الدّلالة أو كليهما معًا، فهذه متروكة لعقول المجتهدين لإعمال الفكر واستنباط الأحكام في الجانب الظَّنِّي منها، وكل هذا منوط بمن تحققت فيه شروط الاجتهاد المقررة عند العلماء؛ وذلك مثل أحكام المعاملات التي ليس فيها نص قاطع ثبوتًا أو دلالةً.

حكم الاجتهاد في النص القرآني

وأكد الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه لا مانع شرعًا من الاجتهاد في تفسير النص القرآني القطعي الثبوت ظني الدلالة بشرط ألا يتضمن هذا الاجتهاد تحريفًا للنص.

وكشف الجندي، عن أن المجتهد في تفسير النص يثاب إذا أخطأ أو أصاب، مستشهدًا بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر»، موضحًا أنه يشترط لصحة الاجتهاد أن يكون لدى المفسر للنص الملكة الفقهية والفهم السليم، وأن يكون قادرًا على الاستنباط بطرقه الصحيحة.

نصوص قطعية الدلالة وظنية الدلالة

ونوه الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، بأن مساحة الاجتهاد في الدين كبيرة، مشيرًا إلى أن علماء أصول الفقه قسموا أدلةَ الشرع - من القرآن والسنَّة – من حيث دلالتها إلى قسمين: نصوص قطعية الدلالة، ونصوص ظنية الدلالة.

النص القطعي الدلالة

وذكر «الجندي» لـ«صدى البلد» الفرق بينهما، قائلًا: النص القطعي الدلالة: هو ما دلَّ على معنى متعيَّن فهمه منه ولا يحتمل تأويلًا ولا مجالًا لفهم معنى غيره منه، فهذا لا يجوز الاجتهاد فيه مثل آيات المواريث، كقوله تعالى «وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ» (النساء/ 12)، فهذا قطعي الدلالة على أن فرض الزوج في هذه الحالة النصف لا غير.

النص الظني الدلالة

وألمح أن النص الظني الدلالة هو ما دل على معنى ولكن يحتمل أن يؤول ويُصرف عن هذا المعنى ويراد منه معنى غيره، مثل قوله تعالى «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ» (البقرة: 228)، فلفظ "القرء" في اللغة العربية مشترك بين معنيين يطلق لغة على الطهر ويطلق لغة على الحيض، والنص دل على أن المطلقات يتربصن ثلاثة قروء، فيحتمل أن يراد ثلاثة أطهار، ويحتمل أن يراد ثلاث حيضات، فهو ليس قطعي الدلالة على معنى واحد من المعنيين، ولهذا اختلف المجتهدون في أن عدة المطلقة ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار.

الاجتهاد في السنة النبوية

وأشار إلى أن نصوص السنَّة النبوية، منها ما هو قطعي الدلالة، ومنها ما هو ظني الدلالة، ومن أمثلة نصوص السنَّة قطعية الدلالة ما رواه ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ». رواه البخاري ( 1503) ومسلم ( 984 ).

وذكر أن دلالة النص على فرضية زكاة الفطر واضحة في الحديث السابق المتفق عليه، ولهذا لم يختلف أحد من العلماء في فرضية زكاة الفطر، مضيفا أن من أوضح أمثلة نصوص السنة ظنية الدلالة وأشهرها ما رواه البخاري ( 904 ) ومسلم ( 1770 ) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : نَادَى فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ انْصَرَفَ عَنْ الْأَحْزَابِ «أَنْ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ فَصَلَّوْا دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْتُ، قَالَ: فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ.
شروط من يجتهد في تفسير القرآن

ولفت إلى أنه يشترط في المجتهد أن يكون عارفًا بكتاب الله، وذلك بأن يكون له من العلم باللغة ما يعرف به معاني الآيات، وفهم مفرداتها ومركباتها وخواصها، وأن يكون لديهم بمعرفة السنة: وهي المصدر الثاني للشريعة، وهي الشارحة للقرآن، وأن يكون ملمًا بقواعد اللغة العربية،‏ وعارفًا بأصول الفقه ومقاصد الشريعة وعارفًا بمواقع الإجماع وأحوال عصره.

وشدد على أنه ينبغي على المجتهد أن يكون‏ فاهمًا لأحوال عصره وظروف مجتمعه الذي يعيش فيه، ليتمكن بذلك من تكييف الوقائع التي يجتهد في استنباط أحكام لها، ويأتي حكمه عليها سليمًا، وفهمه لها صحيحًا.

واستطرد: أن المجتهد كالمفتي لابد له من معرفة واقعة الاستفتاء، ودراسة الظروف الاجتماعية المحيطة بها، والعوامل المؤثرة في الواقعة، وبذلك تكون فتواه معالجة للواقع القائم.

وواصل: معرفة الناس أصل يحتاج إليه المجتهد، وإلا أفسد أكثر مما أصلح، فعليه أن يكون عالمًا بالأمر والنهي، وطبائع الناس وعوائدهم، وأعرافهم، والمتغيرات الطارئة في حياتهم، فالفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال.‏

اقرأ أيضًا: