الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإسراء والمعراج وخرق الناموس الكوني



يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"(1 الإسراء) ثم يقول: "وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا"(60 الإسراء).
وهذه الرحلة المباركة الإعجازية إنما جاءت ليزيح بها الله الكرب عن رسولنا الكريم بعدما أصابه الهم والحزن، خلال عام الحزن، حين توفيت زوجته السيدة خديجة (رضي الله عنها) وعمه أبو طالب، وحين صده أهل الطائف وآذوه؛ وليؤيده بمعجزات إلهية في مواجهة عنت قريش وتجبرها.
وقد اعتاد شيوخنا الأجلاء الحديث عن تلك الرحلة، وما رآه النبي محمد(صلى الله عليه وسلم) فيها، بحسب المنهج الوصفي الوارد منذ مئات السنين عند الصحابة والمفسرين الأوائل كالطبري وابن كثير والغرناطي وغيرهم، بعيدين تمامًا عن المنهج العلمي النقدي، أو لنقل نقلوا حرفيًا عن السابقين دونما تجديد في الرؤية أو التفسير.
وقول الله عز جل واضح تمامًا في عزمه تعالى أن يُري النبي بعضًا من آياته؛ والآية هنا هي ما خرج عن ناموس الكون، وما صار خارج حدود الإدراك البشري؛ وهو ما أصبح فتنة لقريش؛ حين حدَّثها النبي عن مشاهد تلك الرحلة فكذبوه وطالبوه بالبرهان على قوله؛ فكيف لأنسي أن يركب دابة لم يسمعوا عن صفاتها من قبل وينطلق من مكة إلى القدس ذهابا وإيابا في ليلة واحدة؛ ثم يعرج إلى السماء السابعة، ليصف لهم الجنة وما بها من نعيم، والجحيم وما به من سعير، وشجرة شبهها لهم بشجرة السدر تنطلق من أمامها أنهار من لبن وعسل وخمر.
وتخبرنا كتب السيرة أن البراق عرج إلى السماوات العلا من القدس الشريف، ومن هناك تبدأ رحلة المعجزات الإلهية الكبرى. لاشك أن الرحلة من مكة المكرمة إلى القدس على ظهر البراق هي أولى المعجزات الإلهية في تلك الرحلة؛ وهو الإعجاز الزمني-كما وصفه فضيلة الشيخ الشعراوي-الذي خرق الناموس الكوني الذي كانت تدركه العرب، حيث يقطع فيه التجار المسافة بين مكة المكرمة والشام في شهور معدودات على ظهور العير. غير أن الإعجاز الأكبر إنما كان حين عرج إلى السماوات العلا وفيما رآه عند كل سماء، حتى وصل عند سدرة المنتهى ودنا باب الجبار رب العزة، فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما شاء.
 ومما ذكره النبي أنه قابل كافة الأنبياء بدءً من آدم مرورًا بإدريس ويحي وعيسى وهارون وموسى (عليهم جميعًا صوات الله وسلامه). وهنا نجد وصفًا فيزيائيًا للمرة الأولى لهؤلاء الأنبياء على النحو التالي:
آدم رجل في هيئته لم يتغير منه شيء كيوم خلقه الله، وكانت تعرض عليه أرواح ذريته، فإذا كانت روح مؤمن، قال: روح طيبة، وريح طيبة، اجعلوا كتابه في عليين؛ وإذا كانت روح كافر قال: روح خبيثة وريح خبيثة، اجعلوا كتابه في سجيل.
إبراهيم يقول عنه: لم أر رجلًا أشبه بصاحبكم منه؛ أي أن النبي محمد أشبه ما يكون به. 
يوسف كان حوله تبع من أمته، ووجهه كالقمر ليلة البدر.
هارون فكهل لم يُر أجمل منه، عظيم العينين، تضرب لحيته حتى سرته، شمطة (أي اختلط فيها الشعر الأسود بالأبيض) وحوله قوم جلوس يقص عليهم.
موسى رجل آدم طوال، جعد أقنى، كأنه من رجال شنوءة (قبيلة أزد شنوءة)، كثير الشعر لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما.
عيسى رجل أحمر الوجه، بين القصير والطويل، سَبطُ الشعر(أي: ناعم مسترسل)، كثير خِيلان الوجه(أي: نضر الوجه)، كأنه خرج من دِيماس(أي: من كنٍ)، كأن رأسه يقطر ماءً، وما به ماء، أشبه من رأيت به عروة بن مسعود الثقفي...(تتمة المقال الأسبوع القادم)


*كاتب ومؤرخ
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط