الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التعليم لمواجهة الخرافات

ليس هناك حل لمشاكل أي مجتمع من المجتمعات إلا بالعمل المبني على العلم  وليس هناك أمل في أن تنتقل دولة من دول العالم الثالث أو بالأحرى المتخلف عن ركب الحضارة الحديثة إلا إذا أخذ أبناء هذه الدولة الساعية لمغادرة هذا العالم المتخلف بأسلوب التفكير العلمي، ذلك الذي يجب أن يكون أهم ثمرة من ثمار مناهج التعليم التي تعتمدها هذه الدولة.
والذي لا شك فيه أن المنظومة التعليمية المصرية متهالكة، ولا يمكنها أن تعطي الثمرة المرجوة منها، وما عليك أيها القارئ الكريم إلا أن تفتح باب نقاش في أي مجال من المجالات مع أي خريج لمنظومة التعليم المصري، فلن تصمد تلك المناقشة دقائق معدودة أمام التفكير العلمي أو الأساليب المنطقية، فبعد عدة خطوات تظن أنها ستأخذك لمسار منضبط، وإذا بك أمام عقل سحري متغلغل في الشخصية المصرية، وتفكير يحيل كل شيء إلى ما ورائيات ينتظر من خلالها المصري الخلاص.

استمعت مؤخرا لداعية لديه الملايين من المتابعين ويثير بين الفينة والأخرى قضية تعكس مدى التخلف الذي يسيطر على قطاع كبير في المجتمع، وكان هذا الداعية يتحدث عن قضية غاية في الخرافة، حيث كان يتناول علامات أن يتخطى شخص غير مقصود سحر تم عمله لشخص آخر، "تخيلوا هذه قضية مصيرية ووجودية تستدعي طرحها ومناقشتها"، استمعت لهذا الهراء الذي يصنع منه هذا الداعية قضية كبيرة، فإذا به يضع مقدمات، وإذا به يفترض ظواهر، وإذا به يبني بناء وهميا لقضية وهمية، بلغة عربية فصيحة يهدف من استخدامها لإقناع المستمع بمثل تلك الخرافات، ويدلل فيما يذهب بكلام من أطلق عليهم علماء!.

إنه الخرافة والشعوذة في قمة خبلها، يقدمها من يكتب قبل اسمه لقب دكتور، وفي العلامات التي يسوقها لمن ساقه قدره العاثر، في تصور الشيخ، وتخطى سحرا لم يكن هو المقصود به، تجده يقدم مظاهر ألم يمكن أن تصيب أي شخص وفي أي وقت ومنها الصداع مثلا، الذي يحدد له وقت العصر، والمدة التي تتراوح من ساعتين إلى ثلاثة ساعات وينتهي دون أن يتلقى صاحبه أي أنواع المسكنات أو العلاج وهذا شائع للغاية، فلو حدث ذاك فاعلم يا أخي الحبيب واعلمي يا أختي العزيزة أنكَِ قد تخطيتَِ سحرا لم تكن أو تكوني مقصود أو مقصودة به، وأنا هنا استخدم نفس أسلوبه في الفيديو الذي تخطت نسبة مشاهدته الملايين.

أقول، هذا الداعية "ع . ر" أزهري حاصل على دكتوراه، ويتابعه الملايين، ويهذي بمثل هذا الهراء، ويؤثر في ملايين المصريين بمثل هذه الأفكار، فيرسخ في أذهانهم قدرة خارقة لمن لا يمتلكون أية قدرة، فيذهب الملايين من المصريين للمشعوذين والسحرة ليقضوا لهم حاجاتهم التي لن تتم بحال من الأحوال إلا بالكد والجد والعمل بالعلم، دون ذلك ستظل مشاكلنا جاثمة على صدورنا، بل ستزداد تلك المشاكل لدرجة لن نستطيع معها حملها.

إننا إذا أردنا حلولا ناجعة لمشاكلنا، فإن أول ما يجب أن نسعى إليه هو تغيير المنظومة الفكرية المصرية لتصبح منظومة حديثة، لا تلتفت لمثل هذا الهراء والعبث الذي يشيعه هؤلاء الجهلة، وأول طريق ذلك هو منع هؤلاء من الحديث في أية وسيلة إعلامية، حتى لو كانت صفحاتهم الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي، وليس في هذا اعتداء على الحرية الشخصية، بل حفاظ على العقل المصري وصونه، وربما قال قائل: كيف تعيش في أوروبا بلاد الحريات وتطالب بمنع مثل هؤلاء وفي ذلك تقييد للحرية؟! وربما يستشهد هذا القائل بأن هناك في البلاد المتقدمة من يؤمن بمثل هذه الخرافات ويدعو إليها، وهنا أقول: لماذا تتمسكون بمثل هذه الحالات النادرة في المجتمعات الأوروبية؟ هذه واحدة أما الثانية: فإنه حينما نخلص المنظومة الفكرية المصرية في مجملها من الخرافة والسحر والشعوذة، ويصبح في قدرة واستطاعة كل إنسان مصري أن يضع مثل تلك الحالات الشاذة على مائدة البحث ويستطيع رفضها قبل قبولها، فلا بأس لدينا أن يهدر مثل هؤلاء الجهلة جهدهم في هذا العبث الذي لن يلتفت إليه أحد كما لا تلتفت الغالبية الساحقة من الشعوب الأوربية إلى ما يدعيه هؤلاء.
إنني أذهب أبعد من ذلك وأدعو لأبعد منه بكثير، وهو محاكمة من يشيع عقلية الخرافة والسحر والشعوذة في المجتمع بتهمة تغييب العقل والوعي المصري العام فهؤلاء، في تصوري، أكثر خطورة بمراحل من تجار المخدرات على المجتمع، فالغيبوبة التي تصيب المجتمع وأفراده نتيجة للإيمان بهذه الخرافات من السحر والشعوذة أعمق مئات المرات من تلك التي تصيب الإنسان من المخدرات، حيث أن الأخيرة بزوال تأثير المسبب يعود المتعاطي لحالته الأولى التي يميز فيها بين الصواب والخطأ، أما الأولى فإن الشفاء منها، إن تم، فإنه في حاجة إلى جهد كبير وسنوات طويلة.

أن الحرب الحقيقية على هذه العقلية الأسطورية لن تكون إلا من خلال التعليم، وذلك بخلق عقلية نقدية تميز بين الخرافة والحقيقة، وذلك بعرض أية قضية مهما كانت ومهما كان مصدرها إلى العقل بعد أن يتم صياغته ليناسب عقل العصر الحديث الذي لا يقبل إلا ذلك الذي يتفق مع القوانين العلمية، أما دون ذلك فهو والعبث سواء بسواء، هذا بالطبع لا ينسحب على العقائد التي هي إيمانية قلبية، ذلك الذي يجب أن يختصر على الصحيح منها، وليس على ما أضيف لها من خلال التفسيرات التي خضعت لمعارف العصور الوسطى.

إن التطور الإنساني لا يأتي هكذا بضربة حظ، ولكنه نتيجة لتجارب متعاقبة يخوضها الإنسان، الذي صارع فيها الطبيعة مرة، وأخاه الإنسان مرة أخرى، وغيره من المخلوقات مرة ثالثة، وهو في كل هذه التجارب يكتسب مخزونا، وكأني به يسير مع الدم سيرا، أو يتفاعل مع الجينات ليصبح جزءا من الإنسان مرة أخرى.

ولقد استطاعت الدول الأوربية، بعدما مرت بقرون من الجهل وانتشار الخرافة، أن تصل إلى صيغ تضمن لأهلها والمقيمين فيها حياة كريمة، ولم يكن ذلك ليحدث لو لم تتخذ هذه الدول من التعليم الجاد الحقيقي سبيلا، وتحرير العقل من الخرافات هدفا. وهو ما علينا أن نعمل على تحقيقه لنلحق بموكب العالم المتقدم، ونغادر عالم السحر والشعوذة والخرافة.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط