الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سقوط كابول |طالبان تفرض كلمتها وإيران تتأهب|قراءة يقدمها محمد محسن أبو النور

حركة طالبان في أفغانستان
حركة طالبان في أفغانستان - أرشيفية

بات ما يخشاه العالم واقعا وتحقق الكابوس بسقوط العاصمة الأفغانية كابول في أيدي مقاتلي حركة طالبان بعدما نجحت الحركة في إحكام سيطرتها على البلاد.

الرئيس الأفغاني أشرف غني لم يكن أمامه سبيل أخر غير الهرب وترك البلاد فريسة في أيدي مقاتلي الحركة الذين انقضوا عليها كالأسود مستغلين ضعف القوات الحكومية وقدرتها على المواجهة.

سقوط كابول في أيدي مقاتلي طالبان مثل صدمة لكثير من المراقبين وللمجتمع الدولي ولبعض دول الجوار خاصة إيران، التي تتابع بقلق كبير كل ما يحدث في أفغانستان.

معضلة إيران في أفغانستان

وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، إن إيران تتابع تطورات الوضع في الجارة الشرقية أفغانستان عن كثب، خاصة أن الأزمة الأفغانية تمثل لها معضلة حقيقية بناء على اعتبارين مهمين، وهما العلاقات المتشابكة للحكومة الإيرانية مع أغلب أطراف المشهد الأفغاني ومنهم حركة طالبان التي دشنت طهران علاقات سرية ثم علنية معها في السنوات الأخيرة، إلى جانب علاقاتها بالرئيس الأفغاني أشرف غني الذي كان أحد الحضور لحفل تنصيب الرئيس إبراهيم رئيسي في مجلس الشورى الإسلامي، الخميس 5 أغسطس.

وتابع أبو النور في تصريحات لـ «صدى البلد»، أن العلاقات الإيرانية - الأفغانية تمتد إلى الجانب الحدودي والتشابك الاجتماعي بين البلدين فيما يخص المنطقة الشرقية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تقيم فيها القومية البلوشية في محافظة سيستان بلوشستان والتي تمتد بتركيبتها العرقية إلى داخل المنطقة الغربية الأفغانية، فضلا عن تشابك المصالح التجارية من خلال المنافذ الحدودية والأنهار الدولية المشتركة ومنها نهر هلمند على سبيل التحديد.

الشخصية الإيرانية

وأضاف أن «من يدرس الشخصية الإيرانية يدرك أنها شخصية أثيرة بالتاريخ ومغرمة به لدرجة أنه يحكم سلوكها عامة، وسلوك النخب الحاكمة خاصة، وفيما يتعلق بأفغانستان فـ إيران لها مع هذه الدولة ومع جماعة طالبان المسيطرة الآن حديث ذو شجون، خاصة إذا استدعت الذاكرة القريبة واقعة "مزار شريف"».

واقعة مزار شريف

ولفت أن «واقعة مزار شريف وقعت في الثامن من أغسطس بالعام 1998، عندما شنت حركة طالبان هجوما موسعا على مدينة مزار شريف في الجزء الشمالي من أفغانستان، وحاصرت القنصلية الإيرانية وقتلت 10 دبلوماسيين إيرانيين ردا على دعم إيران لتحالف القبائل الشمالية بزعامة برهان الدين رباني وقيادة أحمد شاه مسعود الذي لعب دورا محوريا في هذه الفترة من التاريخ القريب».

وأشار إلى أن «في تلك الأثناء ركزت حركة طالبان على تلك المنطقة الشمالية من البلاد نظرا لتمركز قبائل الهزارة الشيعية الموالية لإيران، وهناك قتلت العديد من أبناء القوميات الأخرى غير الهزارة ومنهم الطاجيك والهزارة، نكاية في إيران التي تدعم هذا الجزء من البلاد».

وتابع: «بالتالي تتعامل إيران مع هذا الملف بحذر شديد، ويمكن القول إن أي تعاطي لها مع المسألة الأفغانية لن يكون بعيدا عن ذاكرتها التاريخية المتعلقة بقتل طالبان لـ دبلوماسييها وما يستتبعه ذلك من إهانة بالغة للدولة في محيطها الإقليمي الخارجي وفي صورتها الذهنية الشاملة أمام الداخل، بعد أن ظهرت في صورة الحكومة التي لا تتمكن من حماية رجالها».

تناول الإعلام الإيراني للأزمة الأفغانية

وأوضح أن «التناول الإعلامي الرسمي الإيراني للتطورات المتلاحقة والمتغيرة على مدار الساعة ينبئ عن أن إيران تحمل ضمنيا الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية تدهور الوضع في أفغانستان، خاصة أن الانسحاب الأمريكي من وجهة نظر إيران كان غير مدروس وأدى إلى إضعاف جبهة الرئيس أشرف غني الذي واجه حركة مكونة من نحو 75 ألف مقاتل مدججين بسلاح أمريكي ويسيطرون على المدن واحدة تلو الأخرى».

ولفت أنه «على سبيل المثال، نشرت وكالة أنباء الجمهورية الإيرانية "إرنا" تحليلا مطولا، ليس موقعا باسم أحد، قالت فيه إن الدعم الأمريكي لطالبان والاتفاق بين الطرفين كان بمثابة لعب أمريكي بالنار، لأن الوضع الراهن كشف عن أن الإنفاق الأمريكي الكبير البالغ نحو 83 مليار دولار على الجيش في أفغانستان طيلة عشرين عاما لم يؤد النتيجة المطلوبة بل حقق نتيجة عسكية أدت إلى ضياع الجيش الأفغاني بشكل شبه تام».

الدعم الكاذب من الولايات المتحدة لأفغانستان

وأضاف رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الأردنية، أنه «وفقا للمشهد الحالي فإن ما رددته أمريكا على مدى 20 عاما كان ادعاءً ظاهره مكافحة الإرهاب ومواجهة الجماعات الراديكالية وباطنه تدمير الأمة الأفغانية والعبث بمقدراتها، وبالتالي فإن التقدم السريع لمقاتلي طالبان في أفغانستان هو إشارة لكل ذي عينين إلى فشل الجهود الأمريكية لتحويل الجيش الأفغاني إلى قوة قتالية قوية ومستقلة، وفقا للرؤية الإيرانية».

وتابع: «ترى إيران أن أمريكا خذلت الشعب الأفغاني الذي أصبح بلا جيش حقيقي، لأنها اعتمدت على قادة غير أكفاء ودعمتهم ودربتهم، لكنهم أثبتوا أنهم ليس لديهم الحد الأدنى من الكفاءة ولاذوا بالفرار إلى دول حدودية بعد المواجهة مع قوات لا تزيد عن 80:70 ألف مقاتل، فيما أن العدد الفعلي للجيش الأفغاني هو 350:300 ألف مقاتل».

ولفت أن «التقدم العسكري السريع لطالبان والذي أدى إلى استسلام الجيش الأفغاني على نطاق غير محدود، واستيلاء مقاتلي طالبان على طائرات هليكوبتر ومعدات عسكرية بملايين الدولارات من أفغانستان، كان نتيجة الجهود الأمريكية غير الجادة وغير الحقيقية لدعم الاستقرار في أفغانستان».

سبب هزيمة الجيش الأفغاني بالنسبة لإيران

وبخصوص الرؤية الإيرانية إلى السبب وراء سقوط القوات الأفغانية وسيطرة طالبان على البلاد بسرعة شديدة، يقول إن «هناك عاملان رئيسيان وفقا للرؤية الإيرانية لسقوط القوات الأفغانية بهذه السرعة وسيطرة حركة طالبان على البلاد، وهم أولا عدم وصول الإمدادات اللوجيستية من طعام وشراب ومؤن للجنود في الجيش الأفغاني الذين تركهم قادتهم جائعين وشبه مشردين في المناطق الحدودية والريفية النائية، فضلا عن انضمام البعض منهم إلى طالبان بعد أن رأوا حسن التعامل من قوات التنظيم».

وتابع: «ثانيا الضعف الحقيقي للقوات الحكومية الموالية للرئيس أشرف غني التي يختلف تموضعها على الأرض عن وضعها على الورق، وعلى سبيل المثال، يبلغ عدد هذه القوى على الورق حوالي 300 ألف مقاتل، ولكن في الأيام الأخيرة أصبح من الواضح أن العدد الفعلي لا يتجاوز سدس هذا الرقم، أي حوالي 50 ألف مقاتل فقط، أغلبهم بلا دعم حقيقي من قواتهم المركزية ومن قاداتهم في العاصمة كابول».

عدم الاعتماد على الغرب

وأوضح أبو النور أن «الاعتقاد الإيراني الراسخ بوجه عام هو أن الاعتماد على الغرب لا يفيد الدول، ويمكن قراءة ذلك على نحو سلس من خلال خطبة الجمعة الأسبوعية ومن خلال أحاديث المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه».

وأضاف أن «صناع القرار في إيران يرون في الدرس الأفغاني دلالة على صحة وجهة نظرهم، ويدللون على أنه بعد نحو 20 عاما من الوجود الأمريكي والغربي من خلال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وبعد أن قدمت الأمم المتحدة وحدها أكثر من 140 مليار دولار من المساعدات المالية لأفغانستان وقدمت أمريكا أكثر من 820 مليار دولار خلال نفس الفترة، لا تزال أفغانستان واحدة من أفقر البلدان في العالم».

الدلالات الإيرانية

ولفت أن «البيانات التي تعتمد عليها إيران للبرهنة على هذا التحليل، تشير إلى أن أفغانستان تحتل المرتبة الـ 169 من بين 189 دولة، ولا يزيد دخل الفرد في هذه الجمهورية الإسلامية عن 2200 دولار في العام، هذا بالرغم من "الدعم الغربي للبلاد" واعتماد النخب نوعا ما على الغرب في تحسين أوضاع بلادهم».

وأشار إلى أن «هذا التحليل الإيراني يشي بأن المسألة الأفغانية هي رسالة إلى الداخل مفادها أن الحكومة الراهنة بقيادة إبراهيم رئيسي، وإن كانت تعاني من مشاكل هيكلية اقتصادية حادة وتواجه عقوبات أمريكية هي الأقسى في التاريخ، إلا إنها أفضل بكثير من مجرد التفكير في الاعتماد على أمريكا والغرب لتحسين ظروفها».

واختتم: «تراقب إيران الوضع الأفغاني بمزيد من الحذر وسوف تدفعها مبادئها البراجماتية إلى بناء علاقات مع أي حكومة مرتقبة تقودها طالبان أو حتى تكون جزءا منها، وهي في ذلك محكومة بعدة أبعاد ليس أقلها البعد التاريخي الحاكم للعقلية الاستراتيجية الإيرانية، كما أن لها علة خاصة ــ ربما أكثر من أي دولة أخرى ــ وهي علة الجوار الجغرافي، إذ لا يخدم أي توتر على حدود دولة ملتهبة مثل إيران استقرارها الداخلي في الأيام الأولى لتولي رئيس جديد السلطة التنفيذية بالبلاد، وهي إلى جانب كل هذا تتعامل مع دولة جارة أصبح في حكم المؤكد أن تقودها جماعة إسلامية سنية راديكالية، وهي في ظل كل هذا تواجه مشهدا عصيبا لا يقبل الهزل في أوقات الجد الكبرى».