خطف جنود مصر

وفقاً لما يجري الآن فإن مصر تحكمها قبضتان إحداها تقبض على رقبتها والأخرى تكبل بقية الجسد، وكلتاهما متوافقان على إخضاعها وحصارها حتى لا يجرؤ أحد على نجدتها أو إخلاء سبيلها أو مساعدتها على المقاومة ومن ثم الإفلات ولو من إحدى القبضتين.
القبضة الأولى الجماعة الإخوانية برئاستها وحكومتها محافظيها وكوادرها المستترة والمفضوحة داخل مؤسسات الدولة، وهذه الجماعة تحكم بطريقة العصابة، هناك شيخ "منصر" وهناك نواب وأعضاء وكوادر، فوفقاً لجهازها الاستطلاعي والاستخباراتي وما يجمعه من معلومات يتم التفكير والتخطيط للعمليات التي يقرها مكتب الإرشاد الذي يأتمر بأمر مرشدها، ويبدأ التنفيذ بعد أن توزع المهام على الجميع بدءا من الرأس وانتهاء بسائر الأعضاء، مع التحسب لأي حركة أو ردة فعل غير متوقعة، وهنا يأتي دور القبضة الثانية.
القبضة الثانية وهي موالية للقبضة الأولى باعتبار أن مشروعهما واحد يتمثل في تركيع مصر والإجهاز عليها حتى تستسلم لهلاوس الخلافة والمشروع الإسلامي وما شابه، وتتكون هذه القبضة من الجماعات والحركات الإسلامية التي لا تكتفي بالعنف اللفظي بل تستخدم العنف بكل أنواعه من اليد إلى السنجة إلى المسدس والمدفع الرشاش، وتلك مهمتها حماية مخطط القبضة الأولى جنباً إلى جنب مع كوادر الجماعة الإخوانية، حيث تتولى صد ردات الأفعال والهجمات المضادة، ليسير تنفيذ المخطط دون أي عقبات.
مصر التي نتحدث عنها هنا تتجسد في الشعب والجيش والقوى الوطنية ممثلة في قلة قليلة من الرموز، وما جرى من اختطاف الجنود في العريش يفضح بشكل سافر القبضتين اللتين تحكمان سيطرتهما على مصر، ولعبهما بأمن مصر القومي وأمن أبنائها، تخرج إحدى جماعات القبضة الثانية المناصرة والمؤيدة للقبضة الأولى لتختطف الجنود وتوزعهم على أماكن مختلفة في سيناء، أو تهربهم إلى غزة حيث حلفاؤهم من إرهابيي حماس، وتخرج الرئاسة المنتمية لهم لتعلن أهمية الحفاظ على أرواح الخاطفين والمخطوفين فتدعم الخاطفين وتشد من أزرهم، بل نقرأ عن مفاوضات يجريها المستشار السلفي للرئيس وبعض الشيوخ المؤيدين له.
هكذا إذا نظرنا إلى القبضتين نرى أنهما قبضة واحدة أبناؤها ـ "إخوان أو سلفية أو جهادية" ـ تخرجوا جميعا من مدرسة واحدة، لا فرق بين من تتلمذ على نهج حسن البنا أو تتلمذ على نهج سيد قطب، ومن تتلمذ على نهج محمد بن عبد الوهاب، أو من تتلمذ على يد محمد ناصر الدين الألباني أو يوسف القرضاوي.. إلخ، الفروق بينهم لا تؤثر في البنية الإجمالية للتكوين الفكري للخريجين.
يختطف الجنود فلا تصدر عن أي من تلك الجماعة والتنظيمات بيان تنديد أو استنكار، فالجميع ينتمون إلى بعضهم البعض، بل يخرجون ليعرقلوا أي جهود يبذلها الجيش لتحرير الجنود أو طمأنة أهاليهم، مشوهين لصورته ومهددين قادته ومنددين بمحاولاته حماية الأمن القومي سواء الاستخباراتية أو الأمنية، وفي إطار مسرحي هزلي ومن باب "سبك اللعبة" يهاجمون الرئيس ويحذرونه ويهددونه بمصير الرئيس السادات، الرئيس الذي عفا عن قياداتهم، واحتضن وجودهم وبارك تهديداتهم للقوات المسلحة وسبابهم وشتائمهم لرموز المعارضة الوطنية ومكنهم من الجمعية التأسيسية للدستور لإخراج دستور مشوه ومن مجلس الشورى لسن القوانين التي تحلو لهم ومن أتي لهم بنائب عام بطريقة غير دستورية ليحمي جرائمهم.
يضحكون علينا ويهزأون بعقولنا ويهاجمون الرئيس الذي تخرج من نفس المدرسة ونهل من نفس المناهل ويدينون له ولجماعته بالولاءـ لأنه ولأنهم فتحوا لهم بلاد مصر على مصراعيها يفعلون بها وبشعبها ما يشاءون، ولا أحد يجرؤ على محاسبتهم على ما يرتكبونه من جرائم قولا وفعلا يسبون ويهددون فيها من يشاءون.
إن عملية خطف الجنود التي أرجو أن تنهيها القوات المسلحة على خير لا تخرج عن كونها محاولة لكسر إرادة وهيبة الجيش المصري وثقته في نفسه وثقة الشعب فيه، باعتباره الركن الوحيد الباقي في الدولة المصرية الذي لم تجهز عليه الإخوان وأنصارها ومواليها، فالإجهاز عليه يعني قبض السيطرة على مصر ومن ثم تنفيذ مخططات تقسيمها وبيعها سواء بمشروع إقليم تطوير قناة السويس الذي ينهي سيطرة مصر على ثلاث مدن هي السويس والإسماعيلية وبورسعيد، أو مشروع الصكوك الإسلامية الذي يعلن بيع مقدرات مصر لمن يدفع، أو إقامة إمارة سيناء وغزة الإسلامية، وغير ذلك من المخططات التي بالطبع لم يعلن عنها جميعا، و"ياما في الجراب ياحاوي" على رأي الرئيس الإخواني.
لقد ورط فشل الرئيس وجماعته وحلفائه القوات المسلحة المصرية في هذه العملية القذرة، وذلك بعد أشهر لم تتوقف فيها الجماعة وحلفاؤها يوما دون توجيه تهديد لها أو إهانة، وهو الأمر الذي ينبغي معه أن تقوم برد اعتبارها بالشكل الذي تراه مناسباً ويحفظ لها كيانها كدرع واقية وركن حصين من أركان الأمة المصرية، إذا انكسرت وسقطت هيبتها سقطت الدولة داخلياً وخارجياً، وأقل ما يمكنها فعله في ظل هذا الأوضاع المتدهورة أن تضغط على الرئيس لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتضرب بيد من حديد على رؤوس الفتنة من الإرهابيين والمجرمين الذين يعيثون في الأراضي المصرية فسادا وتردهم إلى السجون التي خرجوا.
لا ينبغي أن تخضع القوات المسلحة وقادتها للتهديد والابتزاز والقمع الذي تمارسه جماعة الرئيس وحلفائها، ولا ينبغي أن تسمح بأن تمتد تلك الممارسة إلى الشعب المصري الذي يحتمي بها ويضع حمايته في رقبتها، إن الخضوع يحمل نتائج كارثية لن تتوقف عند التفريط في الأرض بل ستمتد للتفريط في كرامة وحرية وعرض الشعب.
على القوات المسلحة وقادتها أن تفيق من غفوتها وتدرك أن استمرار حكم وإدارة مكتب إرشاد الجماعة وحلفائها من السلفيين والجهاديين الإجرامي الفاشل سيكون ثمنه غاليا.. ضياع مصر.
[email protected]