الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نظرة لضحايا الزهايمر..

 
ماذا لو نظرت للمرآة، فوجدت أمامك صورة لا تعرفها ولا تتذكر أسم صاحبها؟!..كل من حولك يقول هذا أنت، بينما تأبى ذاكرتك المفرمطة تحديد هويتك، فتجد ذاتك وحيد وسط عالم موحش، لا تملك من أجندته العمرية إلا مجموعة قصاقيص ورقية لأحداث غير مترابطة عن ماضي راح وولى، وليت بإمكانك تحديد القليل من تفاصيله أو حتى الإشارة لمن سبق وشاركك فيه!.. هذه ليست صورة تعبيرية لحالة حزن قصيرة أو طويلة الأمد بل حقيقة واقعة لوجع مزمن لا يحكى.. لا يوصف.. لا يقال يعيشه حوالي  600ألف شخص في مصر جراء أصابتهم بمرض "الزهايمر".. 
أقول هذا الكلام بمناسبة مشروع قانون حقوق المسنين المزمع مناقشته في الدورة البرلمانية القادمة بعد موافقة مجلس الوزراء عليه.. وهو يهدف لتوفير الرعاية  الاجتماعية  وضمان عيشة كريمة يتمتع فيها المسن بما يحتاجه من سكن، كساء، غذاء، والأهم رعاية صحية ونفسية داخل المنزل وخارجه..
والغريب أن  تلك الموافقة جاءت مواكبة ليوم 21سبتمبر وهو اليوم العالمي لمرضى الزهايمر، وكأنها صرخة ألم حدثت بمحض الصدفة القدرية لتذكر صناع القانون الجديد بمعاناة هؤلاء المرضى ربما تشملهم مواد نصوصه برعاية صحية خاصة..
فالزهايمر ليس مرض كأي مرض بل موت على قيد الحياة، كارثة عقلية لا تفرق بين غني وفقير، رجل وامرأة، صاحب جاه ومنصب أو حتى مسكين مشرد على باب الله.. فالقاسم المشترك بين كل هؤلاء مجموعة من الخلايا المخية الميته، تنسي صاحبها أسمه، أهله، ناسه.. ويوم تلو أخر يعجز عن الكلام، المشي، بل وحتى "دخول دورة المياه".. وليته يحيا مشاعر الصغار فلا تنتابه مخاوف الكبار لكنه يعيش حالة قهر مهلكة، وكأن ذاكرته قصدت أن تترك المر فقط، لتزداد مرارة أيامه بينما محت كل حلو سبق وعاشه.. 
وأصدق دليل على ما أقول حالة تلك الإعلامية الكبيرة التي أجريت معها حوار في أخر التسعينات بمناسبة حصولها على جائزة دولية حينذاك، وسرعان ما نشأت ألفه مهنية بيننا لتصارحني بهوامش مشوار حياتها وظروف صعبة تسببت في حرمانها من الارتباط.. ولازالت الدمعة المتلألئة بين مقلتيها وهي تروي مأساتها لا تفارق مخيلتي.. انتهى الحوار،.. ومرت أعوام طوال حتى شاهدت تقرير مصور عنها على أحد المواقع الالكترونية، يناشد المسئولين بالتدخل الفوري لإنقاذها من ويلات المعيشة بين طرقات الشوارع بعد أصابتها بالزهايمر!.. والعجيب في هذا التقرير أنها نسيت تماماً اسمها، شهاداتها العلمية، مناصبها، عنوان بيتها، وكافة أموالها بينما تذكرت فقط عدم زواجها.. لتعيدني  دمعة عينيها لحواري القديم وهي تقول عبر الفيديو "أنا زعلانة من ربنا علشان متجوزتش"!..
وبعد، الزهايمر داء ليس له علاج، لكن يوجد أدوية تؤخر من مضاعفاته حال الاكتشاف المبكر،.. كم أتمنى من المشرع  لقانون حقوق المسنين الجديد النظر بعين الرأفة لضحايا هذا المرض، والذي من المتوقع أن يصل أعدادهم لمليون شخص بحلول عام 2030.. وفقاً لما صرح به الدكتور طارق عكاشة أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس ورئيس الجمعية المصرية للزهايمر خلال أحد حواراته..
أعتقد أن من أبسط حقوق المسن أدراج ما يهدد سلامته العقلية ضمن المخاطر التي تحتاج رعاية صحية ونفسية، حتى لا يتعرض لبهدلة الشارع سواء كان يملك المال من عدمه.. ولا يوجد خطر أكبر من هذا المدمر اللعين المسمى "زهايمر"..
     
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط