الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فتوى تثير الجدل بين علماء الأزهر على الفضائيات .. والبنات يحصدن الأموال

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

أثارت فتوى جواز كتابة الأب أملاكه لبناته حال حياته، جدلاً كبيرًا على الفضائيات، بين مُؤيد ومُعترض، بعدما أفتى الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي الجمهورية السابق، بجواز ذلك، خلال لقاء تلفيزيوني له، لكن هذه الفتوى لاقت رفض الدكتور مبروك عطية، العالم الأزهري، الذي رأى أن الأب لو فعل ذلك سيدخل النار، وعلق على كلام «عطية» الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، رافضاً ما قاله.

 

واختلاف المفتين في فتاواهم ليس أمرًا مذمومًا، وليس مما نهى عنه الشرع الشريف، بل أقرَّ مثل هذا النوع من الاختلاف، وجعل لكل مجتهد نصيبًا من الأجر، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذا حَكَمَ الحاكِمُ فَاجتَهَدَ ثُمَّ أَصابَ فَلَهُ أَجرانِ، وَإِذا حَكَمَ فَاجتَهَدَ ثُمَّ أَخطَأَ فَلَهُ أَجرٌ» متفق عليه.

 

وهناك مسائل محل اتفاق بين الجميع، لا يسوغ الاختلاف فيها، كالمسائل التي تتعلق بأصول الإيمان وأصول العقيدة، وإنما وقع الخلاف في الفروع المبنية على أدلة ظنية تختلف الأفهام فيها، وقد عدَّ العلماءُ الاختلافَ في مسائل الفقه اختلافَ رحمة لا اختلاف نقمة.

 

 يجوز للأب كتابة أملاكه لبناته

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إنه يجوز للأب كتابة أملاكه لبناته قبل الوفاة، لضمان حياة مُستقرة لهم بعد الوفاة ومُساعدتهم في المعيشة وتكاليف الزواج.

 

وأضاف «جمعة»، خلال حواره ببرنامج «من مصر» الذي يقدمه الإعلامي عمرو خليل على قناة «CBC»، أنه لو قصد هذا الأب بـ كتابة أملاكه لبناته كاملة، حرمان أخوته من الميراث فهذه النية حرام.

 

وأشار إلى أنه لو كتب الأملاك كاملة للبنات بنية حرمان الأخوة من الميراث، فإن التصرف صحيح مع الحرمة، وعقابه من الله عزوجل يوم الحساب، منبهاً على أن نظام الميراث في الإسلام لم ينشأ للتمييز بين الذكر والأنثى.

 

ونبه مفتي الديار المصرية السابق، على أن مضايقة المرأة وحرمانها من الميراث ليس من الإسلام أو الأخلاق، لافتاً إلى أن البعض يثقل على البنات حتى شعرت الإناث أنهن تبقى لديهن الدفن أحياء، ولهذا يجب على الإنسان مراجعة نفسه في هذا الشأن، متابعًا أنه يجب مراعاة البنات والإشراف عليهن وأن يكن في العناية والرعاية، لأن البعض لا يسأل على البنات نهائيًا بل لا يعرفوهن إلا وقت الميراث.

 

رد علي جمعة على منقديه

وأفاد الدكتور علي جمعة، بأنه من حق الأب أن يكتب أملاكه لبناته في حياته لحماية حقوقهن وسترهن في الدنيا، وهناك فرق بين تصرف الأب في حالة الحياة وبين بعد مماته، لأنه في حياته هو يتصرف في ملكه، لأن قطار الميراث لم يأتي بعد والرجل لم يمت بعد، موجهًا رسالة إلى رافضي هذا بالقول «والله عيب».

 

وأوضح أن أحكام المواريث نظام إلهي لا يمكن المساس به ولكنه يكون بعد الموت، ولهذا لا يجوز «لخبطة» ما قبل الموت بما بعد الموت، وغير ذلك دخول في النيات وهذه النية لا يعلمها إلا الله لأن بعض الآباء يفعلون ذلك لراحة بناتهن وضمان حقوقهم ومن يرفض ذلك فهو تجاوز وطغيان، مشيرًا إلى أن عوام الناس يفعلون أشياء عديدة خاطئة بدون فهم وهؤلاء يجب تعليمهم.

 

 

واستطرد: أن تقسيم الميراث ليس له علاقة بتصرف المالك في ماله وأملاكه حال حياته لأن هذا جائز ولا حرج فيه، ولا علاقة له بالميراث، منوهًا بأن من يزعم أن كتابة الأب لبناته أملاكه حال حياته، يعطل تقسيم الميراث فهو أمر تضحك منه الثكلى، منوهًا بأن الميراث محله التركة والتركة أمر غيبي لا يتم ولا يسمى بهذا الاسم إلا بعد وفاة هذا الرجل صاحب التركة.

 

وواصل: أن المال حال الحياة لا يسمى تركة، ويجوز باتفاق العلماء والعقلاء التصرف فيه كيفما يشاء، طالما أن فيه تصرف عاقل ليس فيه إهدار ولا عدوان، مثل لو كان الرجل معه مال ووضعه في شنطة وأشعل النيران فيه.

 

وألمح إلى أن الأب لو أتى بأمواله ووزعه على بناته حال حياته، فلا حرج في ذلك، مجيبًا عنالتساؤل المشهور والمتداول: هذا يمنع الأخ من الميراث في التركة، بقوله «وما يدريك أن المالك يموت قبل أخيه!».

 

مبروك عطية يعترض على الفتوى

واعترض الدكتور مبروك عطية، الأستاذ بجامعة الأزهر، على فتوى الدكتور علي جمعة بجواز كتابة الأب أملاكه لبناته حال حياته، مؤكدًا أن ادعاء البعض بأن كل شخص حر في ماله ليست صحيحة، وخصوصًا في مسألة الميراث

 

من يفعل هذه الفتوى يدخل النار

ونوه «عطية»، خلال فقرته الأسبوعية ببرنامج «يحدث في مصر» بأن الإنسان حر في ماله وفق الضوابط الشرعية، فالضوابط الشرعية ليست قيودًا وإنما ضمانات للمصالح، مضيا: لهن أرض ميراثاً من تركة أبيهم وأشقاؤهن أعطوهن قيمة ميراثهن مالاً.. فهل يجوز؟، «أن يكتب الأب ماله لبناته، الكتابة هتوديه نار جهنم، كل شيء مكتوب في كتاب المواريث»، موضحاً أن الحكمة من جعل الذكر مثل حظ الأنثيين كالحكمة من فرائض الصلاة لا يعلمها إلا الله لكن يجب التعبد بها.

وذكر أن الأصل في توزيع تركة المتوفى على الذكور والإناث سواء أكانت تركة عينية أو نقدية، فإن كانت أنثى واحدة فلها نصف ما لأخيها من الميراث، وإن أرادت أن تبيع نصيبها بمحض إرادتها وتتقاضى من أخيها الثمن فلها ذلك.

 

وتساءل الدكتور مبروك عطية، عن الحكمة في تكرار أن زوج الأخت غريب عن العائلة وقد أنجب منها واحتضنها وأشياء أخرى كي يتم حرمانها من حقها بهذا الزعم؟!، لافتاً إلى أن الحكمة من توزيع الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين شأنها كالصلاة عبادة لها ركعاتها وتحمل على ذلك دون أي تأويل، موضحاً أن الفقهاء اجتهدوا وقالوا إن الرجل مطلوب منه نفقة أخته وزواجها وغيرها من الأشياء.

 

وأفتى بأنه لا يجوز للأب أن يكتب لأبنائه أمواله في حياته لضمان ميراثهم، وأن من يظلم بناته في الميراث سوف يسأل يوم القيامة، مشدداً على أن الضوابط الشرعية ليست قيوداً بل هي ضمانات للمصالح، وأن الله سبحانه وتعالى لم يترك أمر المواريث لنبي أو لأحد لكن أرساها بذاته العليا.

 

كريمة يرفض فتوى عطية

رفض الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، فتوى الدكتور مبروك عطية، الأستاذ بجامعة الأزهر، بأن كتابة الأب كل ما يملكه لبناته يكون سببًا في دخولهن النار، قائلاً: إنه يجب الفهم الدقيق لمسألة فهم المواريث  والتركات.

 

وأبان «كريمة» خلال مداخلة هاتفية مع برنامج «صالة التحرير» على المذاع قناة «صدى البلد»: أن الأب حينما يكتب ممتلكاته بيع وشراء «لو حتى صوريا» أو هبة، فإنه لا علاقة له بالمواريث، مشيرًا إلى أن الميراث  مرتبط بحياة الوارث وموت المورث والإنسان حر فيما يملك، وكون الأب يكتب أملاكه للذكور والإناث أو الإناث فقط، حتى لو عقد صوريا فإنه لا حرج عليه.

 

وأردف أن الشخص لو باع لأجانب لا حرج لأنه لا يوجد حجر عليه، لافتًا إلى أن منع البنات من الميراث هو فعل الجاهلية، لأنه لو تمت التوعية السليمة بآيات المواريث في صورة النساء يجد هناك وصية وفريضة من الله، فإن جريمة منع البنات من الميراث سوف تتضاءل إلى أن تتلاشى.

 

وطالب كريمة، مؤسسات المجتمع المدني المعنية بقضايا المرأة، بتنظيم قوافل من الوعاظ والعلماء لشرح ما يتعلق بالميراث، مردفا: «عايزين مجالس الهوانم تتحرك.. اتركوا المكاتب المكيفة وعالجوا المشاكل على أرض الواقع».

 

الإفتاء تحسم الجدل

قالت دار الإفتاء، إنه من المقرر شرعًا أن التسوية بين الأولاد في العطاء والهبة أمر مستحب شرعًا؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ساووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مؤثرًا أحدا لآثرت النساء على الرجال».

 

وأوضحت دار الإفتاء عبر صفحتها الرسمية على موقع الفيسبوك: أن الشخص الواهب  لكن قد يَخصُّ بعض أولاده بعطاء زائد عن البقية؛ لحاجة كمرض، أو كثرة عيال، أو صغر سنٍّ، أو مساعدة للزواج، أو مساعدة على التعليم والدراسة ونحو ذلك مما يستدعي الزيادة في العطاء والهبة، فلا يكون الإنسان حينئذٍ مرتكبًا للظلم، ولا إثم عليه في ذلك؛ لأنَّه تصرف فيما يملك حسب ما يراه مُحقِّقًا للمَصلَحة.