الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صراخ جنود العدو فاق السماء|أسرار المعارك الضارية في حرب أكتوبر وثغرة الدفرسوار

اللواء فؤاد فيود
اللواء فؤاد فيود خلال حرب أكتوبر

نصر أكتوبر 1973، ذلك اليوم المجيد الذي نفضت فيه الدولة المصرية غبار الاحتلال الإسرائيلي عن شبه جزيرة سيناء، وكسرت أنفه، وأذاقت قواته مرارة الهزيمة ودمرت الهيبة التي لطالما تباهى بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وحطمت أسطورة أنه جيش لا يقهر.

وأتى يوم السادس من أكتوبر عام 1973،  لتكشف الدولة المصرية عن هيبتها وقوتها وعلا زئيرها إلى عنان السماء بقول «الله أكبر»، الذي بعث الرعب في قلوب الجنود والقادة الإسرائيليين، عابرين قناة السويس محطمين الساتر الترابي وخط بارليف المنيع، الذي قال عنه السوفيت في ذلك الوقت «لا يقهر إلا بقنبلة نووية».

فمن يعرف طبيعة المصريين جيدا، يعرف أنه لا يوجد عندهم ما يسمى مستحيل، فقد أزلنا الساتر الترابي بمضخات المياه كأننا نروي ظمأ القناة التي ظلت عطشة إلى أبنائها طول 6 سنوات، منذ حرب العام 1967، وحطمنا خط بارليف بكل قلاعه وحصونه القوية فلم يبق منه سوى الذكريات الحزينة التي تركها جنودنا الأبطال للإسرائيليين، وسطرنا بعزيمة الرجال وقوتهم أبرز سطور الشجاعة والانتصار وأجمل الذكريات.

اللواء فؤاد فيود

وبمناسبة مرور 48 عاما على نصر أكتوبر المجيد 1973، تحدث البطل اللواء أركان حرب فؤاد فيود أحد أبطال نصر أكتوبر، عن ذكرياته ودوره في حرب أكتوبر، والذي وصفها بأنها نقطة بعث في الحياة، 

وأوضح فيود، في تصريحات لـ«صدى البلد»، أنه تمت دراسة العدو دراسة دقيقة ومتأنية قائمة على العلم والحقائق والدقة، لافتا: «فقمنا بدراسة الأمن الاسرائيلي نقاط القوة فيه ونقاط الضعف وقمنا بتحليلها لاستغلالها».

التحاق فيود بالجيش

وأشار إلى أنه التحق بالقوات المسلحة في العام 1967، وبعد التحاقه، تنازل الرئيس جمال عبد الناصر عن الحكم وذلك بسبب هزيمة يونيو 67، وبعد إعلان التنحي، نزل المصريون في مظاهرات مطالبين الرئيس ناصر بعدم التنحي.

يتذكر اللواء أركان حرب فؤاد فيود أيام حرب الاستنزاف ، قائلاً: «دخلنا في مرحلة الدفاع النشط من سبتمبر 68 حتى 8 مارس 69 وقمنا بعمل غارات وأكمنة للعدو الإسرائيلي وألحقنا بهم الخسائر الفادحة».

بطولات حرب الاستنزاف

وأضاف: «بدأنا في معركة الاستنزاف منذ يوم 8 مارس 1969، وفي اليوم التالي، استشهد الفريق عبد المنعم رياض رئيس حرب القوات المسلحة، حيث كان في الخط الأول في المهاجمة مع الجنود والقوات عند النقطة نمرة 6 في الإسماعيلية وهذا دليل على عظمة القيادة».

وتابع: «استمرت معارك الاستنزاف حتى يوم 8 أغسطس 1970 وكل ذلك كان تحت قيادة الزعيم جمال عبد الناصر وتم أيضا إعادة بناء وتنظيم القوات المسلحة وتسليحها وتدريبها وبناء حائط الصواريخ ونجحت القوات المسلحة في إسقاط طائرات الفانتوم الإسرائيلية وظل عبد الناصر يحارب حتى آخر يوم في عمره».

الأسرة وذهابه للحرب

ولفت: «قبل الحرب بـ 4 أيام تم رفع درجة الاستعداد داخل القوات المسلحة، وذهبت لأسلم على والدي ووالدتي، وقلت لوالدي حينها: "المرة دي باين بجد"، فتلا عليً الآية الكريمة "أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍۢ مُّشَيَّدَةٍۢ"، وقوله تعالى "فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ"».

وتذكر اللواء أركان حرب فؤاد فيود قول والده: «لو كتبت لك الشهادة أنت هـ تتشفع فينا بس إوعى تجيلك طلقة في ضهرك»، فهذه النصيحة جعلتني واقف على رجلي لأنه عند بدء الاشتباكات بكون في خط المواجهة مع العدو، وكنت أتمنى أن أكون شهيدا وأدخل الجنة إلا أني أصبت فقط».

سر اختيار يوم السبت

ويكشف ذكرياته عن نصر أكتوبر قائلا: «بعد رفض إسرائيل كل المفاوضات السلمية ودخلنا في حالة اللاسلم واللاحرب اتخذ الرئيس محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام قرار حرب شاملة لتحريك القضية رغم عدم المقارنة بين أسلحة العدو وأسلحتنا من حيث النوعية والكيف والكم».

وتابع: «لكن تفوقنا عنهم من ناحية الكفاءة القتالية وإرادة الشعب المصري التي تصنع المستحيل وطبقنا مبدأ المفاجأة وهو أهم مبادئ الحرب وهو يعني القيام بعمل غير متوقع في مكان غير متوقع في زمن غير متوقع».

وأضاف: «تم اختيار يوم السبت للهجوم حيث أنه يوم إجازة عند اليهود وكان يوم عيد الغفران، فضلا عن أن هذا الشهر كان وقت انتخابات الكنيست ومعظم أعضاء الكنيست من القادة الإسرائيليين كانوا مشغولين بالانتخابات وكان يوم العاشر من رمضان، أي أن ضوء القمر سيستمر حتى منتصف الليل مما يساعد سلاح المهندسين من عمل الكباري على القناة».

عبور سلاح المشاة 

وأكمل: «بعد منتصف الليل عبر سلاح المشاة القناة بالقوة والعدة والعتاد في العتمة المظلمة لـ نفاجئ العدو، بعد أن صرح بأن المصريين لو فكروا في عبور القناة سيجعلون القناة دم لو نجحوا في العبور سيدهسون القوات المصرية تحت جنازير الدبابات».

وأردف اللواء أركان حرب فؤاد فيود: «عبرنا القناة وكنت واحدا من قادة أطقم اقتناص دبابات العدو وأحدثنا خسائر مروعة للعدو وفشلوا في استرداد خط بارليف وكانت قواتنا الجوية قد دمرت الأهداف الحيوية للعدو كاملة وألحقت بهم خسائر فادحة واستيقظ العالم كله على هزة عنيفة وهو غير مصدق لهزيمة إسرائيل الأسطورة التي لا تقهر».

دوره في حرب أكتوبر

تحدث اللواء أركان حرب فؤاد فيود عن دوره في حرب أكتوبر، قائلا: «كنت على قوة الفرقة 23 وكان قائدي النقيب منير فكري بغدادي أباظة، حاولت قوات الثغرة أن تدخل الإسماعيلية من عند كوبري الجلاء أمام قرية أبو عطوة فقابلهم البطلان إبراهيم الرفاعي وعبد الواحد ونفذا ضدهم مجزرة في قرية أبو عطوة وتم تحطيم 3 دبابات فى أماكنهم».

وتابع: «حبوا يلفوا ويجوا من على ترعة المنايف عشان يجوا من الإسماعيلية من ورا، فكنت أنا عند ترعة المنايف، دمرنا لهم عربية وكنا نحيط بهم من جميع الإتجاهات، رجعوا مرة أخرى يوم 19 أكتوبر وحاولوا يدخلوا السويس يوم 24 أكتوبر، فـ نفذنا ضدهم مجزرة، ويتم الاحتفال بهذا اليوم فيما يعرف بالعيد القومي لمحافظة السويس».

العمق التكتيكي للجيش الثاني

يواصل حديثه عن حرب أكتوبر المجيدة قائلا: «من أهم المعارك التي شاركت فيها كانت هناك مهمة خطيرة كلفنا بها وهي تأمين العمق التكتيكي للجيش الثاني الميداني انتظارا لأعمال التطوير فلما حدثت الثغرة قمنا بالتصدي للقوات المعادية التي كانت تحاول الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية ونجحنا في هذا بالتعاون مع قوات الصاعقة المتمركزة في منطقة أبو عطوة بعد مواجهة شرسة». 

ولفت: «القتال في الثغرة كان أشرس أنواع القتال؛ لأن القوة الرئيسية للقوات المدرعة الإسرائيلية كانت عبارة عن ثلاث مجموعات عمليات بقيادة الجنرال شارون ودان وتم إعداد أكثر من كمين على ترعة المنايف نظرا للقتال المستمر في منطقة العثرة حتى لا يستطيع العدو أن يستعيد قوته ويرتب أوراقه من جديد».

وأشار اللواء فؤاد فيود إلى أن المعارك التي شهدتها منطقة "نفيشة" والثغرة ومعركة أبو عطوة ما زالت الدبابات الإسرائيلية التي شاركت فيها وتم تدميرها موجودة حتى الآن.

وأكد اللواء فؤاد فيود، أن حرب 73 أدت إلى استرداد الأرض والعرض ومفتاح أرض الفيروز وهي التي أجبرت الإسرائيليين على الانسحاب من سيناء جزء بالحرب والجزء الثاني بالمفاوضات التي ترتكز على أسس من القوة؛ لأن إسرائيل لاتحترم الضعيف ووافقت على وقف إطلاق النار بالمفاوضات بدلا من السلاح.

بطولات المقاتلين المصريين

ويتابع: «أتذكر مقولة ديفيد بن اليعازر رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي عندما قال لكل حرب مفاجآتها ولم تكن مفاجأة حرب اكتوبر 73 إلا نوعية المقاتل المصري لم نكن نتخيل أنه سيقاتل بهذه الضراوة وهذه القوة والشراسة».

وكشف عن بعض من بطولات المقاتلين حيث قال: «كنت فى قرية نفيشة قبل الإسماعيلية وكان هناك برج مراقبة إلا أن القناصة الإسرائيليين أطلقوا علي عسكري فيه النيران فأصيب فى يده فأراد النقيب حازم أن ينقذه، حذرناه من صعود البرج حتى لا يصاب هو الأخر ولكنه أصر على إنقاذ العسكري ولكنه أصابته نار العدو واستهشد وقتها».

ولفت: «كان القائد عبد الحليم أبو غزالة قائد مدفعية الجيش حينها، وقال لنا: "زعلانين ليه؟، هنجيب حقه تالت ومتلت"، وفيوم وقفة العيد الكبير عمل معركة اسمها معركة أبو غزالة، وقامت المدفعية بدك جنود العدو وارتفع صوت صراخهم حتى وصل إلى عنان السماء، وقال لنا: "جبنا حق حازم ولا لا"».

إسرائيل تعترف بهزيمتها

وأكد أن قادة إسرائيل اعترفوا بواقع الهزيمة المؤلم، حيث قالت جولدا مائير بعد هزيمتهم في حرب 73: «أيام حزينة مش هنساها في حياتي».

وقال موشي ديان بعد حرب يونيو 1967: «نحن في انتظار توقيع المصريين على وثيقة الاستسلام وعُنواننا معروف بالقدس وظل ينتظر المصريين طويلاً حتى مات بحسرته بعد هزيمة أكتوبر 1973»، كما أنهم كانوا يسمون حرب أكتوبر حرب الأيام الستة ولكن أحنا خلانها حرب الساعات الستة التي دمرنا فيها خط بارليف.

رسالة البطل إلى الشباب

ووجه اللواء فؤاد فيود رسالة إلى الشباب قائلا: «أقول لهم ما قاله الرئيس السادات رحمه الله عليه "نعم سوف يجىء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا فى موقعه، وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره، وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء"».

وقال أيضًا: «عاهدت الله وعاهدتكم على أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلى جيل سوف يجيء بعده منكسة أو ذليلة وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها قد تكون مخضبة بالدماء ولكننا ظللنا نحتفظ برؤوسنا عالية في السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة».

تحطيم الغطرسة الإسرائيلية 

واختتم اللواء فؤاد فيود حديثه قائلا: «كانت هناك مقولة مشهورة وهي أن جيش إسرائيل لا يقهر لكن العزيمة والتخطيط الجيد ووضوح الهدف والتدريب العنيف أدى إلى النجاح أثناء التنفيذ فـ قهرنا الأسطورة والغطرسة الاسرائيلية وكشفنا قوتهم وحقيقتهم في حرب أكتوبر ولقناهم درسا في فن القتال لن ينسوه أبدا».