الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

النجم دانيال كريج يودع سلسلة أفلام جيمس بوند

 

شاهدت في بداية الإسبوع الماضي أحدث أفلام سلسلة الفرانشيز الإنجليزية فيلم جيمس بوند الجديد No time to die  للنجم دانيال كريج فور نزوله دور السينما في القاهرة وهي المرة الأولى التي أذهب إليها للسينما منذ بدايات عام ٢٠٢٠ فأنا أيضاً مثل الملايين حول العالم نعلن عودة الذهاب إلى السينما وعودة الحياة كما كتبت في مقالتي السابقة فنحن بصدد عودة قوية لأفلام السينما العالمية وأنا ضمن الملايين ممن كانوا ينتظرون طرح فيلم جيمس بوند منذ إبريل من العام الماضي.

انتظرت بعض الوقت للانتهاء من الكتابة عن الفيلم لمتابعة أداء ما نسميه شباك التذاكر أو البوكس أوفس العالمي بعد طرحه عالمياً ثم طرحه في الولايات المتحدة في العطلة الإسبوعية الماضية حتى أتأكد هل نحن بالفعل بصدد عودة حقيقة لدور السينما أم دعاية تروجية لفيلم؟  أيضاً لا يمكن الحديث عن عودة الأفلام السينمائية أو طرح أحد أهم أفلام الفرانشيز دون الإشارة إلى ما حققه الفيلم من أرباح في الأسواق العالمية في أول إسبوعين له وهو ما يقرب من ٣١٣ مليون دولار أمريكي وذلك مع إقبال واضح من أسواق المشاهدة مثل هونج كونج وألمانيا واليابان وروسيا وغيرهم . تخطت أرقام افتتاح البوكس أوفس عالمياً لفيلم جيمس بوند الأخير جميعا أرقام الأفلام السابقة. وفي سوق الولايات المتحدة يُتوقع له تحقيق ما يقرب من ٦٠ مليون دولار في الأيام القليلة الماضية منذ افتتاحه في صالات العرض.
وبجانب عودة متابعة أرقام شباك التذاكر يجب التنويه أن من الأخبار الجيدة لكل شركات توزيع الأفلام طبقاً لأحد أهم شركات الأبحاث في هوليودد وهي أيضاً أحد الصناع  المعاونيين لقرارات تنسيق طرح الأفلام في الأسواق إنها أكدت أن الفئات العمرية التي بدأت الذهاب إلى دور العرض بدأت تتخطى أعوام ٤٥ عاماً والتي بدأت تقترب نسبتهم من ٧٠٪ وهو ما يؤكد العودة الجادة جداً لجماهير السينما والشعور بالاطمئنان عموماً وعودة لطرح الأفلام دون تراجع أو تأجيل بسبب عزوف الجماهير عن التواجد في الأماكن المغلقة.

وبعودة الأفلام الهوليوددية ذات الانتاج الضخم إلى دور السينما عالمياً وفي مصر أكبر أسواق توزيع الأفلام في العالم العربي والشرق الأوسط أعود بتفاؤل للكتابة عن الأفلام. وأنا هنا بصدد الكتابة عن واحد من أكثر الأفلام التي كان ينتظرها الملايين حول العالم نظراً لشعبيتها الكبيرة ونجاحها أيضاً عالمياً وتاريخياً ولكن بغض النظر إننا بصدد أحدث أفلام سلسلة الفرانشيز وهي جيمس بوند فهذا الفيلم تأتي أهميته أيضاً من إنه آخر محطات أفلام جيمس بوند مع النجم دانيال جريج الذي حقق شعبيه كبيرة بين جماهير أفلام بوند. ينهي النجم دانيال كريج مسيرته الفنية مع شخصية جيمس بوند بعد مسيرة استمرت لـ ١٥ عاماً منذ عام ٢٠٠٦ وأسفرت عن بطولة خمسة أفلام أى بمعدل فيلم كل ثلاث سنوات وهم من أنجح أفلام السلسلة وكان أحد أسباب نجاحها الرئيسية دانيال كريج والذي أثبت نفسه كأحد أنجح من قام بشخصية جيمس بوند منذ بداية انتاجها منذ حوالي ٦٠ عاماً وكاد كريج أن يناطح الفنان الاسكتلندي شون كونري أول من قام ببطولة سلسلة أفلام جيمس بوند في عدد بطولاته للأفلام لولا قرار كريج باعتزاله القيام بالدور ليأتي دانيال كريج في المرتبة الثالثة بعد روجر مور الذي قام ببطولة ٧ أفلام يليه شون كونري بستة أفلام ليأتي دانيال كريج بخمسة أفلام جيمس بوند ويليهم بيرس بروزنن بأربعة أفلام.

وأنا أشاهد أخر أفلام دانيال كريج في شخصية جيمس بوند تذكرت رد فعلي في عام ٢٠٠٦ عندما تم الإعلان طرح عن فيلم جيمس بوند كازينو رويال وكنت وقتها في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي مع زميلة فرنسية لي تعمل في نفس مكان عملي وكان لنا نفس رد الفعل بالرغم من خلفيتنا الثقافية المختلفة دانيال كريج ”أشقر أوي“ على لعب دور جيمس بوند وذلك لأن كل من لعب هذا الدور تميز بنوع من الوسامة تعتمد على لون الشعر الداكن والبشرة الخمرية وكان ذلك تقليداً انجليزيا في انتاج الأفلام ولكن بعد ١٥ عاماً أقر بأنه أفضل من لعب دور جيمس بوند تاركاً ورائه مكاناً خالياً يجعل من مهمة من يليه في غاية الصعوبة خاصة مع ارتباط بعض الأجيال بدانيال كريج كجيمس بوند.

لن أقون بحرق أحداث الفيلم لمشاهدينه في هذه المقالة لسبب بسيط أن الحبكة الدرامية لأفلام جيمس بوند معظمها متوقع وهو أحد الأسباب أن الفيلم أصبح من فئة الفرانشيز فالحبكة الدرامية متوقعة  وهي أيضاً أكثر ما ينتظره محبي أفلام بوند وهي حبكة كلاسيكية الأبعاد وتدور حول صراع الخير والشر المتمثل في محاولات جيمس بوند عميل المخابرات الإنجليزية والذي ظهرت شخصيته وكأنه متقاعداً منذ خمس سنوات وفي ذلك في محاولاته لانقاذ العالم من مؤامرات أحد شخصيات الشر التي تتميز بالعقد النفسية وتشوه الوجه لسبب ما. لعب دور الشرير لأول مرة ضمن السلسلة الممثل الأمريكي ذو الأصول المصرية رامي مالك والحائز على جائزة أوسكار أفضل ممثل.تشارك  رامي مالك مع شخصيات الشر في أفلام بوند في تشوه الوجه أو ارتداء الماسك ولكنه شخصية شريرة لها وقع مختلف عن شخصيات الشر في معظم أفلام بوند السابقة. أداء مختلف وجديد ووقع جديد للشر. ظهر رامي مالك في بداية مشاهد الفيلم ثم بعد ساعة ونصف بعد تيترات المقدمة.

وعن ملخص الحبكة الدرامية، نشاهد في بداية الفيلم مشاهد رمزية لحرق بعض أحداث في الماضي في شكل حرق ورق أو ما شابه أو رمزية النار. السؤال هل ما نتخيل حرقه من أحداث في الماضي يمضي بالفعل ولا يعود ولا يتصل بالحاضر أو المستقبل؟ هذا ما اعتقده جيمس بوند إلا أن أحداث الفيلم حتى نهايته ترد على أول مشاهد الفيلم وعلى هذا السؤال.

الفيلم من إخراج المخرج الأمريكي كاري جوي فوكوناجا وهي أولى تجاربه الإخراجية ضمن سلسلة جيمس بوند والجدير بالذكر هنا إنه هو أيضاً أول مخرج أمريكي يقوم  بإخرج أفلام جيمس بوند والتي تُعد تاريخياً منتج فرانشير إنجليزي من الدرجة الأولى وهذه هي أول سابقة في تاريخ إخراج الفيلم منذ بداية إنتاج السلسلة في عام ١٩٦٢ أن يخرجه مخرج أمريكي الجنسية.

ربما كان اختيار المخرج أمريكياً لأول مرة وهي سابقة إلا أن الإحساس بسيادة الثقافية الإنجليزية ومحاولات إحتوائها ثقافياً لبعض شركائها في العالم ونقل الإحساس بالفخر في كل ما يمثل ما هو إنجليزياً كان واضحاً جلياً كالعادة. شعرت بمحاولات التأكيد على التنوع الثقافي وهو أمر محبب في معظم أفلام جيمس بوند مما لا شك فيه وكأنها مصالحات الفن البريطاني مع العالم أو استشعرت الكثير من الرسائل السياسية للعالم أيضاً ولكن في النهاية التنوع لا يأتي أبداً على حساب الفخر الإنجليزي بالمنتج الإنجليزي.

فجيمس بوند الشخصية الإنجليزية القوة التي تنقذ العالم في جميع الأحوال أضيف إليها البعد الإنساني مع أفلام النجم دانيال كريج كبعد جديد في شخصيته وذلك في محاولاته للتوصل للتوازن في حياته الشخصية وعلاقاته وحياته العملية كإنسان له أخطائه ويحاول التصالح معها دائماً دون محاولات أن يكون الرجل النموذجي المعتاد.

الشخصيات النسائية في الفيلم وخاصة شخصية ناومي والتي لعبت دورها الممثلة الإنجليزية لاشانا لينش ذات البشرة الداكنة كان واضحاً لي إنه تصالحاً لنموذج المرأة ذات الأصول الإفريقية خاصة أنه تم تعريفها على إنها العميل 007  في هيكل المخابرات الإنجليزية بعد مرور خمس سنوات من خروج جيمس بوند من الخدمة. تقدير أو مصالحة أو محاولة لتيغير في النظرة أو التأكيد على توجه اجتماعي في النهاية صناع الفيلم اجتهدوا بهذه الرسالة وهو أحد أدوار الفن إجادة فن إلقاء الرسالة والأمر متروك لانطباعات الجماهير لتلقيه. الأفلام والمواقف مرتبطة بشكل غير مباشر بأحداث العالم وظهور حركات مناصرة لحقوق ذوي البشرية الداكنه في اعتقادي كان سبباً في رسم شخصية ناومي التي ربما جاءت كمصالحة لفئة من الجماهير.

وحديثاً عن الشخصيات النسائية إذا كان قد تم تنميطها أو تقديرها أمر يرجع للمشاهد في النهاية ولكن يجدر الإشارة أن شخصية المرأة من أصول جنوب أمريكا في الفيلم والتي لعبت دورها الممثلة الأسبانية الكوبية آنا دي آرامس تميزت الشخصية التي لعبتها بمقومات الجاذبية الشديدة وبمقومات الجمال المعتاد عليه من جميلات أمريكا الجنوبية وأضيف على الشخصية القوة والذكاء وبراعة التصرف. أما شخصية دكتورة مادلين سوان وهي حبيبة جيمس بوند فتلعب دورها الممثلة الفرنسية ليا سيدو وهنا كثير من التأكيد على كل ما يمثل هوية المرأة الفرنسية من جاذيبية وأناقة وتمسك باللغة الفرنسية واللكنة الفرنسية في نطق اللغة الإنجليزية. وهو مزيج جاذب لقوة ورجولة شخصية جيمس بوند مع عذوبة شخصية مادلين سوان. وهو مزيج كلاسيكي أيضاً للعلاقات في أفلام جيمس بوند.

من الأمور التي يصر صناع أفلام بوند عليها في معظم الأفلام التي قام بها دانيال كريج تنوع الأماكن والإشارة إليها بشكل مباشر أو غير مباشر وليس فقط تنوع أماكن التصوير في أماكن مختلفة. الفيلم يشير إلى إيطاليا في بدايته من خلال أماكن التصوير المفتوحة وإلى كوبا وجزيرة بين روسيا واليابان وبالتأكيد إلى لندن مقر المخابرات البريطانية. هذا التنوع الجغرافي لمشاهد التصوير ليس فقط نوعاً من الإثراء للفيلم ولكنه دعاية وترويج لبعض الأماكن وتأكيد على هوية بعض الأماكن من خلال الرؤية الإنجليزية لها وأيضاً وقد يكون تحية تقدير ثقافية إنجليزية لسمات الثقافات الأخرى بلا شك.

ومن الرسائل السياسية في الفيلم والتي قد تقع تحت خط التنميط أو وجهة نظرعامة هي شخصية العالم الخائن الذي يبيع المعلومات والأسرار العلمية  في الفيلم والذي جاء من أصول روسية بلكنة روسية واضحة. كذلك جزيرة الشر والتي تقع بها مؤامرات القضاء على العالم وتسكت عنها قوى العالم تقع في منطقة بين روسيا واليابان إلا أن هويتها لم تحدد وليست قريبة من أوروبا.

ولا ننسي صراع صناعات السيارات في معظم أفلام جيمس بوند وارتباط شخصية بوند بواحدة من أعرق أنواع السيارات الإنجليزية والتي لا تغيب أبداً عن أفلام جيمس بوند وينتظرها ملايين المعجبين بها حول العالم ليتحدثوا عن الموديل الذي ظهر في الفيلم وهي سيارات أستون مارتن الإنجليزية والتي أصبحت جزء من التأكيد على شخصية جيمس بوند وتفوق الصناعة الأنجليزية والتذكير بعراقتها وتاريخها إلا أن بعض السيارات الأخرى نافست أيضاً في الفيلم ولكن كان لأستون مارتن الماستر سين أو المشهد الرئيسي بين مشاهد مطاردات السيارات والذي حدث في إيطاليا.

وبالرغم من التأكيد على التصوير في دول مختلفة وإظهار هويتها بأناقة إلا أن أول مشهد ظهرت فيه لندن كانت خلفية المشهد برج شارد الشهير في العاصمة البريطانية وهو من أحد أعلى ناطحات السحاب في قارة أوروبا ومن مزارات لندن الشهيرة ومظهر للحداثة الإنجليزية مقارنة بعراقة وتاريخ المبان في إنجلترا التي نعتاد عليها. لقطة قصيرة جداً لظهور لندن في أولى مشاهدها في الفيلم ولكنها ليست عشوائية.

ثم جاء التقدير الأكبر في آخر مشاهد الفيلم للجيش البريطاني وسلاح البحرية البريطانية وإلقاء الضوء على جاهزية واستعداد الجيش البريطاني في االاستعانة  به لانقاذ العالم. المنتج الإنجليزي المغلف بالفخر الانجليزى لم ينسى إلقاْء تحية وتقدير على جيشه وربما في كل المشاهد قد تتنافس سيارات أخرى بجانب السيارة الانجليزية أو تتنافس مدن بجانب لندن أن تتنافس ثقافات أخرى إلا أن التحية  للجيش البريطاني في الفيلم أعطاه مساحته كاملة لسيادة القرار وعدم ظهور أي جيش أخر للحديث عنه للمقارنة. وهذه رسالة لا يستهان بها.  

كل تفاصيل الفيلم رسائل وانطباعات ووجهة نظر ومصالحات والأهم التأكيد على ذلك المنتج الفني الإنجليزي الفاخر التاريخي جيمس بوند. جيمس بوند درس سينمائي في المحافظة على تاريخ صناعات الأفلام ذات الهوية القوية وجودة انتاجها وتناقلها بين الأجيال وكذلك درس عن فخر بريطانيا بمنتجاتها السينمائية ومشاركتها العالم هذا المنتج الفني.

ستشهد سلسلة أفلام جيمس بوند بعد وداع النجم دانيال كريج تحدياً كبيراً لاختيار جيمس بوند الجديد بعد تحقيق كريج هذه الشعبية الجارفة وخصوصاً إنه لا يجب أن ننسى أن دانيال كريج هو بطل جيمس بوند في زمن السوشيال ميديا حرفياً ونجاحه الجماهيري العالمي لم يأتي من فراغ بل إن هذه الجماهرية العالمية حازت بالفعل على أعلى وجود وتفاعل على منصات السوشيال ميديا على مدار ١٥ عاماً . وفي الحسابات الجديدة للإعلان عن جيمس بوند الجديد في عالمنا الافتراضي الجديد نحن على موعد على رد فعل اختيار من خلال منصات التفاعل وليس في واقعة تذكر حديثاً جانبياً كالذي دار بيني وبين زميلة عمل لي منذ ١٥ عاماً.
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط