الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بعد 60 عاما على مجزرة باريس.. ماكرون يعترف بجرائم فرنسا ضد الجزائر.. مأساة تم تكتمها طويلا

ماكرون يعترف بجرائم
ماكرون يعترف بجرائم فرنسا ضد الجزائريين في مجزرة باريس 1961

بات إيمانويل ماكرون أول رئيس فرنسي يعترف بارتكاب بلاده جرائم بحق الجزائريين قبل 60 عاما، في 17 أكتوبر 1961، عندما قمعت شرطة باريس بقمع وحشي لمسيرة للجزائريين، ما أدى إلى مقتل العشرات.

وشارك ماكرون يوم أمس السبت، في مراسم رسمية لإحياء الذكرى الستين لقتل المتظاهرين الجزائريين في ذلك الوقت، منددا بـ"جرائم لا تغتفر بالنسبة إلى الجمهورية".

وأدان الرئيس الفرنسي حملة القمع التي شنتها شرطة باريس ضد الجزائريين في 1961، في جريمة منظمة  قادها ونفذها مدير شرطة باريس حينذاك موريس بابون.

وأقر ماكرون بالوقائع مؤكدا أن "لجرائم التي ارتكبت تلك الليلة تحت سلطة موريس بابون لا مبرر لها بالنسبة الى الجمهورية".

ماذا حدث في 17 أكتوبر 1961؟

في ذلك اليوم، أعلن قائد شرطة باريس فرض حظرا للتجوال في ضواحي العاصمة "للعمال الجزائريين المسلمين"، و"لمسلمي فرنسا"، وهو ما قوبل بدعوات من الاتحاد الفرنسي لجبهة التحرير الوطني كل السكان الجزائريين في باريس، للتظاهر السلمي ضد القرار العنصري.

قوبلت تظاهرات الجزائريين بقمع دموي من الشرطة الفرنسية، واستخدمت القوة المفرطة ضد حوالي 30 ألف متظاهر شاركوا في الاحتجاجات، وقامت بإعدام بعضهم وإلقاء جثثهم في نهر السين.

ولا يمكن تحديد حصيلة دقيقة لضحايا القمع الذي دبره قائد شرطة باريس آنذاك موريس بابون، لكن المؤرخين يتفقون على سقوط عشرات القتلى أثناء الليل بالرصاص أو ألقي بهم في نهر السين.

ولعدة عقود، كان عدد القتلى حسب الحصيلة الرسمية الفرنسية 3 أشخاص فقط، أما اليوم فيصل إلى 48 على الأقل، بينما يؤكد المؤرخون أن عدد الضحايا يتجاوز الـ200.

وقال قصر الإليزيه في بيان إن ماكرون "اعترف بالجرائم التي ارتكبت تلك الليلة في عهد موريس بابون"، مضيفا أن "هذه المأساة تم تكتمها طويلا أو نفيها أو اخفاؤها".

ورغم تلك الخطوة، لم يصدر أي اعتذار رسمي من ماكرون أو الإليزيه واكتفى الرئيس الفرنسي بالمشاركة في إحياء ذكرى هذه الجريمة قرب الجسر فوق نهر السين الذي كان نقطة الانطلاق لمسيرة عام 1961.

وجرت مراسم أمس، وسط أجواء من التوتر بين فرنسا والجزائر، بسبب تصريحات لماكرون قال خلالها إن "التاريخ الرسمي للجزائر أعيدت كتابته بالكامل.. ولا يستند إلى حقائق بل إلى "خطاب يقوم على كراهية فرنسا".

وتساءل ماكرون في تصريحات نشرتها صحيفة "لوموند" الفرنسية، "هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ ما أثار غضب السلطات الجزائرية التي استدعت سفيرها لدى باريس "للتشاور".

ورغم ذلك، يقول الإليزيه إنه "أيا يكن وضع علاقاتنا مع الجزائر ومواقف السلطات الجزائرية في هذا الشأن، نفعل ذلك لأنفسنا وليس لأسباب فرنسية جزائرية".

واليوم الأحد، شارك المئات من الأشخاص في في مسيرة لإحياء ذكرى الضحايا في باريس دعت إليها منظمات من أبرزها "رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان".

ونزل مئات المتظاهرين إلى شوارع باريس بعد ظهر الأحد، مرددين هتاف "17 أكتوبر 1961 ، جريمة دولة"، بعد ستين عاما لمذبحة الجزائريين الذين أتوا للتظاهر سلميا في العاصمة ضد فرض منع التجول عليهم.

أبرز الجرائم الفرنسية بحق الجزائريين

الأرشيف الجزائري مليء بالجرائم تي ارتكبها الاستعمار الفرنسي بحق الشعب الجزائري طيلة 132 سنة من الاحتلال.

وعلى سبيل المثال، فبين أعوام 1960 و1966 نفذ الاستعمار الفرنسي 17 تفجيرا نوويا في عمق الصحراء بالجزائر.

وتسببت التفجيرات في مقتل نحو 42 ألف جزائري، وتعرض الآلاف لإشعاعات نووية أدت لإصابتهم بأمراض سرطانية، فضلا عن تلوث البيئة، ويطالب الجزائريون فرنسا بدفع تعويضات عن هذه الجريمة.

ولعل مجازر مايو 1945، شاهدة على تاريخ الاستعمار الفرنسي الدموي في الجائر، ففي  الثامن من هذا الشهر، خرج آلاف الجزائريون للشوارع احتفالا بنهاية الحرب العالمية الثانية، آملين باستجابة باريس لمطلب الاستقلال.

لكن فرنسا قابلت الحشود الجزائرية بقمع عسكري وحشي، فقتلت الآلاف، وتشير تقديرات جزائرية إلى مقتل أكثر من 40 ألف ضحية خلال هذه المجازر.

إضافة إلى ذلك، لا تزال فرنسا تحتجز نحو 98% من أرشيف الجزائر الذي يعود تاريخه إلى الحقبة الاستعمارية، بما في ذلك خرائط الألغام، وخرائط التجارب النووية، وترفض باريس إعادته للجزائريين.

وإلى الآن، تحتفظ فرنسا بنحو 536 جمجمة من جماجم الجزائريين المقاومين في متحف الإنسان في باريس، وقد استرجعت الجزائر منها 24 جمجمة وتظل 512 جمجمة بحوزة فرنسا.

من جانبه، يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معالجة قضايا الذاكرة حول الاستعمار وحرب الجزائر، في محاولة لإخراج العلاقة بين فرنسا والجزائر من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة.

وكان ماكرون كلف أحد أبرز الخبراء المتخصصين بتاريخ الجزائر الحديث، بإعداد تقرير دقيق ومنصف حول ما أنجزته فرنسا حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر التي وضعت أوزارها عام 1962 وما زالت حلقة مؤلمة للغاية في ذاكرة عائلات الملايين من الفرنسيين والجزائريين.

ورغم ذلك، يقول الإليزيه إنها "عملية اعتراف" ولكن "الندم وتقديم الاعتذارات غير وارد".