الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أديبة برتبة فارس

حوار| الكاتبة المصرية مي التلمساني: أنا مزدوجة الثقافة وروايتي القادمة عن تأثير كورونا.. فيديو

الكاتبة المصرية د.
الكاتبة المصرية د. مي التلمساني

تكريم جديد توجت به الكاتبة والروائية مي التلمساني مسيرتها الأدبية بحصولها قبل أيام على وسام الآداب والفنون الفرنسي برتبة فارس، المقدم من وزارة الثقافة الفرنسية باعتبارها أحد الأشخاص المؤثرين في الثقافة الفرانكفونية حول العالم.

تتحدث الكاتبة المصرية مع «صدى البلد» خلال إقامتها في كندا حيث تعيش منذ 24 عاما، في حوار خاص عن كواليس استقبالها لخبر التكريم وأحداث رواياتها الأخيرة والمرتقبة وتطورات مشروعها الثقافي “بيت التلمساني”، وإلى نص الحوار.

 

في البداية حدثينا عن كواليس استقبالك لخبر التكريم من السفارة الفرنسية.

حصلت على الوسام باعتباره تكريما لمسيرتي الأدبية والعمل الأكاديمي بصفة عامة، وأعتقد أنه كان هناك ترشيح غير رسمي في مارس أو أبريل الماضي، وتساءلت حينها إذا كان مطلوب أوراق للتقديم بوزارة الثقافة الفرنسية، ولكن علمت أن الترشيح والاختيار يكون من قبل السفارة الفرنسية.

وقبل عشرة أيام استقبلت رسالة من السفير الفرنسي ورسالة تهنئة من وزيرة الثقافة الفرنسية، ورد الفعل كان طريفا، وحينها كانت الساعة السادسة صباحا فلم أعر الرسالة اهتماما وفضلت قراءتها بعد استيقاظي من النوم، وفي حوالي الساعة العاشرة تفاجأت بما تتضمنه من تكريم، وشاركت أصدقائي وأقاربي خبر التكريم بالوسام.

وبقدر سعادتي الشخصية بالحصول على الوسام وتقدير من دولة فرنسا، لكن سعدت أيضا لسعادة أصدقائي وحفاوتهم بي.

 

رحلة الدراسة والهجرة والكتابة.. هل من الممكن تصنيف التكريم باعتباره تتويجا لمسيرتك الأدبية؟

نعم، لأنه على ما أظن لا توجد قائمة واضحة للحاصلين على الوسام من العرب برتب مختلفة، ولكن بمجهود شخصي للبعض، علمت بوجود شخصيات سابقة حصلت عليه برتبة فارس نفسها التي حصلت عليها، مثل السيدة فيروز وماجدة الرومي وعلاء الأسواني وجمال الغيطاني.

وشعرت أنه تكريم شخصي ككاتبة مصرية لكنه أيضا تكريم للثقافة العربية بصفة عامة، نظرا لقلة عدد العرب الحاصلين عليه منذ إطلاق التكريم في عام 1957، ويحصل الشخص على التكريم وفقا لمجمل أعماله وهو ليس مسابقة بل ترشيح وتكريم شرفي بحصوله على الوسام، ومن المفترض أن أكون في مصر للاحتفال بحصولي على الوسام، ولكن سيتم تأجيل الاحتفال لموعد زيارتي وهو في يناير القادم.

 

د. مي التلمساني ووالدها المخرج الراحل عبدالقادر التلمساني
د. مي التلمساني ووالدها المخرج الراحل عبدالقادر التلمساني

الوسام ليس التكريم الأول من فرنسا.. سبق وحصلتِ على جائزة «آرت لامار».. حدثينا عن علاقتك بالثقافة الفرنسية.

أنا نشأت في عائلة التلمساني التي أولت اهتماما كبيرا للثقافة والفنون والأدب، وأعتقد أني على علاقة أسطورية لفرنسا التي درس فيها والدي المخرج الراحل عبد القادر التلمساني، وكان قد سافر فرنسا لدراسة السينما بعد انتهاء الحرب العالمية مباشرة وكان حينها شابًا في مقتبل العشرين من عمره، واستقر هناك خمس سنوات للدراسة.

وكانت فكرة السفر والإعداد لها صعبة التصور، إذ تكلف السفر الكثير من المال اضطره لبيع كل ما يملك لتوفير المال المطلوب للسفر والدراسة، ليعود إلى مصر لاحقا مخرجا سينمائيا واقتنى مجموعة ثرية من كنوز الأدب الفرنسي، ورغم أنني الابنة الثالثة ضمن أربعة ابناء، إلا أنهم اعتقدوا أنني الوحيدة التي قد ترث هذه المكتبة الفرنسية الثرية عن أبي، لدراستي الفرنسية منذ سن 4 سنوات.
وعلى المستوى الشخصي، أعتقد أنني مزدوجة الثقافة عربية وفرنسية، عندما أكتب أصف اللغة العربية بأنها اللغة الأم واللغة الفرنسية بأنها الأب، ولاحظت فعليا هذه العلاقة بين اللغة والدراسة الفرنسية، لدراستي أدب فرنسي واستكملت دراستي العليا (الماجستير) عن الأدب الفرنسي، ثم قدمت أعمالا مترجمة و لي 10 كتب مترجمة من اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى العربية، وكل هذا يوطد العلاقة بالثقافة.
ولكن الوسام حصل عليه الكثير من غير الناطقين بالفرنسية، وأعتقد كوني فرانكفونية لم يكن عاملا في حصولي عليه، وفي حيثيات رسالة وزيرة الثقافة تضمنت الإسهام الثقافي بشكل عام بغض نظر عن أي لغة، وأعتقد أن اسمي له دور  أكبر كوني روائية عربية.

 

بيت التلمساني
بيت التلمساني

على غرار المعتكفات الأوروبية.. حدثينا عن مشروعك الأخير «بيت التلمساني» لاستضافة الكتاب والمبدعين من الباحثين عن العزلة والهدوء.

لاحظت باعتباري كاتبة ظروف العمل بالنسبة للكاتب وصعوباته في مصر، خاصة للمرأة وقدرتها على التفرغ للكتابة، وعلى المستوى الشخصي لاحظت التزامات متعددة بين عملي في الجامعة ومسئولية الأسرة والأولاد، وفي بداية حياتي كنت أبدأ في الكتابة من الساعة 12 حتى السادسة صباحا.

وبعد نشر كتابين أو ثلاثة، لاحظت خلال استضافتي في إيطاليا وفرنسا أن التفرغ أمر عظيم، وطوال عمري تمنيت وجود مشروع مشابه يتيح للكاتب فرصة التفرغ والهدوء، لهذا دشنت مشروع "بيت التلمساني" في منزل صغير على طريق مصر إسكندرية.

ويضم مكتبة والدي ومكتب الكاتب الكبير وصديقي إدوار خراط، ووجدت أنه من الأفضل أن يصبح المنزل معتكفا للكُتاب بعد ملاحظتي لحماس الكثير وحاجتهم إلى مكان مشابه، وأطلقت عليه "بيت التلمساني"، وأعتبره تقديرا لعائلتي ومنهم والدي طارق التلمساني وعمي المخرج كامل التلمساني وعمي المصور حسن التلمساني وابن عمي طارق التلمساني، ويحمل اهتمام الأسرة للثقافة والفنون ويعطي مساحة للكتاب من مصر.

وفي أواخر يناير القادم أو بداية فبراير، سوف يستضيف بيت التلمساني الدفعة الأولى من الكُتاب المقيمين، وهما أول كاتبتين ترغبان في التفرغ للكتابة.


الحياة بين مصر وكندا.. أي مكان أكثر إلهاما للكتابة؟

مصر بدون شك، أُشبه إقامتي هنا في كندا كالمسافرين خارج مصر في السبعينات لدول الخليج، وعلى مدار هجرتي 24 عاما في كندا لم أشعر بالطاقة الكافية للكتابة على مدار فترات طويلة جدا، حتى أنه مر 8 سنوات لم أكتب فيها بشكل أدبي وأكون أكثر انغماسا في الكتابة الأكاديمية أو الحصول على رتب مختلفة في الجامعة.

وهذا بالطبع ذو تأثير سلبي على الكتابة، وبين رواية "هليوبوليس" المنشورة عام 2000 ورواية "أكابيلا" المنشورة عام 2012، مر حوالي 12 عاما بدون إنتاج أدبي وذلك رغم ترددي المستمر على مصر، وبالنسبة لي أُفضل أن يكون مصدر الإلهام هو المجتمع المصري.

والاستثناء الوحيد على مدار العامين الماضيين هو كتابتي رواية "الكل يقول أحبك" الصادرة عن دار الشروق، ويتضح فيها تعاقب بمصر، لأن أبطالها عرب ومصريين وكذلك كتبته بين مصر وكندا، وكأن مصر هي المكان الذي أكتب فيه وكندا المكان الذي أعمل فيه.

وتعد رواية "الكل يقول أحبك" هي العمل الأول الذي يتناول العلاقة بين مصر وكندا من خلال أبطالها المقيمين في كندا، والعالم الذي عرفته عن الهجرة.

 

هل أحداث رواية “الكل يقول أحبك” مستمدة من الواقع ؟

الرواية تتناول فكرة العلاقة بين الزوج والزوجة وتطور علاقة الحب بعامل الزمن، ومصيره، وماذا تعني كلمة الحب في إطار العلاقة الزوجية، وأحاول تناولها بين طرفين يعيش كل منهما في مدينة مختلفة، وهي ظاهرة عالمية مهمة جدا لأن الكثير من النساء والرجال يبتعدون عن بعضهما بحكم العمل أو الدراسة وعرفنا هذه التجربة في مصر منذ السبعينات.

ونجد هذه الظاهرة واضحة أيضا في دول شرق آسيا وغياب الزوج للعمل في بلد أو مدينة أخرى، فالحب عن بُعد يجعل العلاقة الزوجية ذات طابع مختلف وينشأ عنه قضايا عاطفية مثل اهتمام الزوج بامرأة أخرى وكذلك الزوجة، وأردت أيضا معرفة مدى حب أبطال الرواية لوطنهم الأم ورؤيتهم له رغم الغربة والحياة عن بعد.
وتتمتع كل شخصية بأن لها علاقة ملتبسة بالوطن الأم، وهم خمس شخصيات رئيسية كل منهم تقدم نفسها وعلاقتها بالحبيبة أو الزوجة والوطن، وهي من أوائل الروايات التي اجتذبت الجمهور العام بخلاف النقاد والكُتاب.

وتلقيت العديد من الرسائل الشخصية التي توضح تجارب القراء مع أحداث وأبطال الرواية وتشابه حياتهم معهم، وأستطيع تصنيفها في النهاية أنها رواية حقيقية وواقعية.


تتمتع الرواية بلغة بسيطة تتناول من خلالها قضية معاصرة هامة.. هل التعقيد في استخدام مفردات اللغة يحيل القارئ عن التفاعل مع العمل الأدبي؟

توجد مستويات مختلفة في التعقيد اللغوي، وأنا لا أتبع أسلوب التعقيد في استخدام المفردات والكلمات الفخمة، ولكن اختيار المفردات عندي لغة سليمة، وأنا من المؤمنين بوجود أسلوب للكتابة وأسلوب جيد ولكن ليس باستخدام الاستعارات، ولغتي تعتمد أكثر على الحياد والتماسك، وعلى المستوى الشخصي أكره "اللعب باللغة" ولا أنجذب للأعمال التي تعتمد على هذا المبدأ دون وجود قصة أو محتوى.

ولاحظت في بعض الأحيان وجود أعمال أدبية تشبه السيرك بعد استعراض الألعاب يُصاب المشاهد بالملل، والرواية بحاجة إلى عمق أكبر في التعامل مع شكل الجملة وتركيب الكلمات وتعامل خاص مع البناء الروائي مع الشخصية والأحداث، وكلها عناصر هامة في بناء الرواية، وأعتقد أنني أقرب في الكتابة من صنع الله إبراهيم، ولدي اعتراف كبير بإعجابي بكتابة إدوار خراط.

 

هل نشهد قريبا نتاج أدبي عن فترة كورونا؟

"الكل يقول أحبك" تتضمن إشارة إلى بداية فترة انتشار جائحة كورونا لبداية أحداثها في أول أسبوع من مارس 2020، وفي الرواية الجديدة التي أكتبها حاليا وهي شبه منتهية تتضمن جزء من الأحداث يدور في المستقبل ويشير إلى كورونا التي أصور تأثيرها بعد 20 عاما من الآن، وهل هذه العزلة سيكون لها امتداد، وكذلك سيطرة الحكومات على العالم الغربي على الأقل.

وبحسب تجربتي الشخصية فإن الحكومة الكندية تفرض عزلة وقوانين تباعد قوية، وهذا هو التساؤل الذي أحاول أن أجسده في الرواية، وفي الكثير من دول الغرب فكرة لقاء شخص آخر تعد مرفوضة تماما، وبدوره يشكل طريقة في الحياة ذات تأثير أكثر عمقا على الشخص "عزلة داخلية" وهو ما أحاول رصده.

يعد الوباء ملهما للصناعة الفنية والعمل الأدبي، وقرأت مؤخرا رواية لصديقي عزت القمحاوي عن "غربة المنازل" ويركز فيها على عمارة كاملة كل قاطنيها مصابين بالكورونا وهو إشارة إلى العالم الكبير الذي تحول إلى عمارة صغيرة، ويرصد كل التفاعلات واليأس والحزن، وكذلك فيلم فرنسي وآخر لبناني يتناول القضية نفسها لمواجهة الأزمة العالمية.