الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رشا شكر تكتب : فن العشوائيات وحق التعبير

صدى البلد

أثار قرار الفنان الكبير هاني شاكر نقيب المهن الموسيقية جدلاً واسعاً والجدل ليس محوره جودة ما يُقدم فنياً على الساحة أو محوره عودة ريادة مصر الفنية أو التسابق على عودة القاهرة كعاصمة الثقافة العربية بفنانيها وموسيقاها التي تربى عليها أجيال في مصر وخارج مصر ولكن الصادم هو الجدل حول قائمة من فنانين إن اختفوا اليوم لا يتأثر الفن أمس أو الآن أو غداً. 
والمؤسف حقيقة أن بعض ممن يدعي وعيهم بالفن الراقي والغربي وإنشاء المؤسسات الثقافية متمسكين بقائمة فنانيين تم منعهم لبذاءة ما يقدموه بالرغم من لفت نظرهم أكثر من مرة دون استجابة.
سبق وكتبت على استحياء عن أهمية التمسك بالجذور والتي هي أساس كل المجتمعات التي لها هوية وثقافة وحضارة وكتبت العام الماضي عن أسباب تضامني مع الفنان الكبير هاني شاكر وكان أساس المقالة الجذور والهوية.
ولكن يبدو إننا لا نعاني فقط من ضحالة الذوق ولكننا نعاني فقدان ذاكرة لماضي قريب ويبدو إنه يوجد خلط بين حرية التعبير عن أفكار ورؤية ولغة فنية ووجود تيار فوضوي يدعي الفن.
نذكر السادة مدعي الثقافة في مصر أن ليس كل ما عليه طلب مسموح به تحت مسمي أن له جمهور. الأفلام الإباحية هي الأكثر بحثاً على الإنترنت ولكن جميع المجتمعات الواعية لا تسمح بها علناً لأنه مهما كانت حدود حريات أى مجتمع فله أسوار لحماية أطفاله ومراقهينه وأفراد الأسر التي تسعى لتربية أطفالها في ظل مناخ آمن على طفولة أبنائهم وبناتهم. الحريات تأتي بعد رسم حدوداً قانونية لحماية الأفراد بفئاته. وإذا كان منطق الجمهور وحجمه يختار لقامت الدول بتطبيق حرية اختيار المحتوى الإباحي الأكثر بحثاً على الانترنت لأن له جمهور.


أما بالنسبة للعبارة المبتذلة ”الجمهور يختار". هل يعتقد أحد على سبيل المثال أن إحدى منصات عرض المسلسلات والأفلام تنفق حوالي 14 مليار دولار سنوياً للإنتاج لإن ليس لها توجه ورسائل موجهة في الداخل والخارج؟ ولأنها تريد الجمهور يختار؟ هل وصلنا لهذه المراحل من السذاجة في التفكير؟ الجميع له استراتيجيات موجهة أو أجندات وهذا ليس بسر والتي تتعلق بأجندة سياسية أو هوية اجتماعية ولا يخفى على أحد أنها يدعم وبشدة حريات المثليين على سبيل المثال ويقف شاهداً على ذلك المحتوى الذي يتم انتاجه بواسطة المنصة. وهذا قرار استراتيجي ولم يأت صدفة.


نعود إلى هوية أغاني المهرجانات أو أغاني العشوائيات. لا يخفى على أحد ما عانت منه مصر من تفشي ظاهرة الأحياء العشوائية وما زالت الجهود مستمرة لردع ما أسفرت عنه هذه الظاهرة. 

 

تبذل الحكومة المصرية مجهوداً جباراً في قطاع خدمات الإسكان لتخطي سنوات إهمال تمتد إلى ثلاثين عاماً أدت إلى استفحال ظاهرة العشوائيات والذي أثر سلباً على قطاعات كثيرة منها الصحة والتعليم والطرق ومعظم القطاعات الخدمية ولأن هذه المناطق عشوائية انقطع التواصل بينها وبين مؤسسات الدولة وأصبحت بؤراً تتولى جماعة الإخوان الإرهابية تقديم خدمات المواطن من خلال مراكزهم التي انتشرت في خلال هذه السنوات وهذا ما يفسر الجهد الخارق للدولة المصرية الآن لتصحيح أوضاع كانت كارثية وذلك لتقديم الخدمات الاجتماعية التي يستحقها المواطن من خلال القنوات الشرعية من أجل استعادة ثقة المواطن بعد غلق منابر بث الأفكار المتطرفة والمتخلفة والتي كانت تعمل كمراكز مقنعة لتقديم الخدمات التي انتشرت في هذه الأحياء.


اختلط ظهور الأحياء العشوائية والتي هي من إفرازات سنوات من الإهمال بفساد المحليات وسرقات للمرافق وتشويه للعاصمة وهويتها، فكلما زادت الجرعة العشوائية وبقعتها الجعرافية تربعت جماعة الإخوان في منابرها لبث الفتنة والتطرف والفوضى والإعداد لمشروعها الاستعماري.


وظهر مع الفوضى والعشوائيات والفساد والرشاوي وسرقة المرافق واعتلاء الجماعة  الإرهابية منابر الخدمات في العشوائيات ظواهر أخرى وهي ظاهرة اللا فن اللا ذوق والأهم الكراهية غير المبررة لأشكال الفن التي تربينا عليها.

 حاربت الجماعة الإرهابية الفن بكل قوتها من خلال تحقير الفنانين وأعمالهم واتهامهم بالانفلات والزندقة ولكن هل كانت هذه الحرب تكفي ويوجد كثير من العقلاء ممن يتمسكون بجذورهم الفنية وكذلك وجود وزارة الثقافة؟ ومهما كانت نوافذ وزارة الثقافة محدودة طوال العام لأي سبب في النهاية وزارة الثقافة هي مرجعية المجتمع للرقي والثقافة والفن وهي التاريخ. إلا إن العشوائيات هذا السرطان الذي أصاب مصرنا خرج عن السيطرة في ثلاثين عاماً منها استمرار المناخ الثقافي الذي كانت تتمتع به مصر.

 

 وفي ظل حرب ضروس على الفن ومحاولات استقطاب الجماعة الارهابية كل ما يمس مزاج وعقل ومشاعر المواطن لتتلاعب به كان عليها أن تدمر فكرة وجود مشروعات ثقافية والتي للأسف اقتصرت على بعض الطبقات في ثلاثين عاماً ولم تمتد للمد العشوائي الجديد والذي خرج عن السيطرة وأصبح بؤرة لإفراز شكلاً جديداً من أشكال العشوائيات الفنية تحت اسم غناء المهرجانات.

 ولي وقفة هنا هامة أن حتى اسمه المبهم يحمل بصمات الجماعة المتطرفة التي لا تعترف بأى اسم أو شكل من أشكال الفن فكان الاسم لا علاقة له بشئ لمزيد من التشويه ولمزيد من فرض حالة من الفوضى الفنية تنقطع به الصلة عن تاريخ أو تشابه لأي فن ولا داعي للتأكيد أن بث حالة الفوضى برعوا فيها على جميع الأصعدة حتى في مناخ العشوائيات الفني الذي حاربوا به مصر وفنها وثقافتها.


المدافعون عن ما يسمى بالمهرجانات هم مساندي منظومة الفساد والسرقة والفوضى ونشر ثقافات التطرف والإرهاب والتي كانت الراعي الأول لها هي جماعة الإخوان الإرهابية في منابرهم العشوائية. هنيئاً لاستغفالكم وهنيئاً لتضمانكم مع حرب الجماعة المتطرفة على مصر وعلى فنون مصر وتاريخها الفني. الجماعة التي شجعت هذا الشكل العبثي في مناطق نفوذها في السابق لتدمر أى فرصة لتذوق أى فنون أخرى.


لن يتم استغفالنا مرة أخرى تحت عنواين براقة لامعة، مرة حرية للتعبير ومرة حرية الفن لأننا مازلنا نتذكر جيداً لافتات الديمقراطية وحقوق الإنسان وكل العبارات التي في النهاية اختصرت دولة بحجم مصر في حكم المرشد وجماعته الإرهابية لولا وقفة الجيش التاريخية. نحن لن نُختصر في افرازات حقب العشوائيات منابر التطرف تحت أى اسم.
لن تعود العشوائيات وكل ما أفرزته من تطرف وفساد و سرقة والأهم فساد للذوق العام بتشويه مدن مصر من الداخل والخارج. الحرب على الفن ليموت فنانين مصر العظماء مشروع لصالح ساحات الفوضي والتطرف وقد ولت هذه الحقبة. نحن نتخلص من الفوضى بكل ما مثلته هذه السنوات التي سرقت سنوات وسنوات من عمر مصر الغالية كان يمكن أن نكون في مرحلة أخرى. إن إصرار القيادة السياسية للتخلص من هذه العشوائيات مجهود جبار وعظيم وكأننا نحاول أن نعود بالزمن لنقطة كنا فيها نقف على أرض صلبه للهوية المصرية دون حرب تشويه الجماعة الإرهابية على المجتمع.


أقف وأتضامن مع نقيب المهن الموسيقية الفنان الكبير هاني شاكر في حربه لاستعادة مصر وفنها وأنحني له احتراماً على وقفته الشجاعة والمحترمة أمام من حاولوا خطف مصر واغتصابها في غفلة من الزمن. فلم يكن يوماً في حسابات هؤلاء الخونه حرية تعبير أو حرية فن أو ديمقراطية أو حقوق إنسان بل مشروع استعماري.