الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكاية شعب.. رحلة كفاح جمال عبد الناصر لبناء أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين

صدى البلد

تحتفل مصر، اليوم السبت، بالذكرى 51 لإتمام بناء السد العالي، أعظم المشروعات في فترة السبعينات، والتي تتزامن مع ذكرى ميلاد من كان سببا في بناء ذلك الصرح، الزعيم جمال عبد الناصر.

 

السادات يكرم عبد الناصر في الافتتاح

15 يناير عام 1971، بدأ الاحتفال بإتمام بناء السد العالي بتوجه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ونيقولاي بودجورني، رئيس مجلس السوفييت الأعلى، ومعهما رؤساء الوفود التي حضرت للمشاركة في الاحتفالات، إلى موقع السد، جنوب أسوان.

وتحت قوس النصر المقام في أول الطريق فوق جسم السد، اشترك الرئيسان في قص الشريط، ثم توجها إلى المنصة التي أقيمت فوق أعلى مكان بجسم السد، على ارتفاع 166 مترا.
وفي هذا الموقع الذي يطل على المشروع الضخم، أزاح الرئيسان الستار عن لوحة تذكارية عبارة عن قطعة واحدة من «الجرانيت»، طولها مترين وعرضها متر واحد، وقد حفر عليها بماء الذهب عبارة: «بفضل القائد الخالد جمال عبدالناصر ومن أثر نضاله وكفاحه المستمر في سبيل الحرية والاشتراكية والوحدة، افتتح الرئيس أنور السادات، رئيس الجمهورية، السد العالي في يوم الجمعة 18 ذو القعدة 1390 هجريا، الموافق 15 يناير 1971».

تهيأ بعد ذلك الرئيس الراحل أنور السادات لإلقاء كلمته على الحضور أعلى المنصة، قائلا: «لا يسعني أن أبدأ الحديث من هذا الموقع في هذه المناسبة إلا بذكر إنسان عظيم كان له الفضل الأول والأكبر في بلوغ الهدف، وتحقيقا للحلم، إن جمال عبدالناصر وسد أسوان العالي كلاهما رمز عظيم.. جمال عبدالناصر رمزا للأمة، والسد العالي رمزا لطاقة هذه الأمة».
وأضاف الرئيس السادات: «لقد امتزج كلاهما بالآخر إلى درجة يمكن أن نقول معها إن السد العالي يستطيع أن يحكي كل جوانب القصة الهائلة لعمل ودور جمال عبدالناصر، ودوره وعمله يمكن أن يروى كل القصة الهائلة لبناء السد العالي، ومن عجب أيها الأخوة أن نتذكر أن جمال عبدالناصر في آخر خطاب رسمي وشعبي له أمام جماهير أمتنا في 23 يوليو الماضي حرص على ذلك، أن يبدأ الخطاب بطريقة ملفتة للنظر، جاءته من وزير السد العالي يخطره فيها بأن الأخير قد بني، كأنه يريد أن يقول لنا إن الأمل تحقق، كأنه يريد أن يقول لنا إن الطريق واضح»

 

معركة التأميم

"قرار بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس شركة مساهمة مصرية".. جملة رنانة تثير المشاعر الوطنية عند سماعها نطق بها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مقررا الاحتفاظ بإيرادات قناة السويس العالمية للدولة المصرية، خاصة بعدما ضاقت به السبل لتمويل مشروع السد العالي، ورفض البنك الدولي اقراض مصر للتمويل. 

معركة الدبلوماسية المصرية التي قادها «ناصر» عبرت عن قوة الشخصية المصرية، منذ اللحظة التي رفض فيها البنك الدولي إقراض مصر من أجل السد، وسحب عرضه في 19 يوليو 1956، لتتحول الوجهة إلى موسكو عندما أعلن الاتحاد السوفييتي في 27 ديسمبر 1958، توقيع اتفاقية مع مصر وإقراضها لبناء السد، ثم اكملت مصر خطواتها في ديسمبر 1959، عندما وقعت اتفاقية توزيع مياه خزان السد بين مصر والسودان، وبدأ العمل في تنفيذ المرحلة الأولى عندما وضع حجر الأساس في 9 يناير 1960، وشملت تلك المرحلة حفر قناة التحويل والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة، وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتى منسوب 130 مترًا.

 

وضع حجر الأساس

فى صبيحة 9 يناير عام 1960م أرسى الرئيس جمال عبد الناصر الحجر الاساسى لمشروع السد العالى ببدء العمل فيه، آلاف من البشر لم تنم ليلة التدشين؛ للاحتفال العظيم، مئات المهندسين والعمال باتوا يحفرون 6 فتحات عميقة تشبه الأنفاق فى الجبل القريب من منطقة جبلية اسمها "خور كوندى" ويملؤونها بحوالى تسعة أطنان من الديناميت قبل تفجيرها للجبل العملاق، بخلاف  الكثيرين الذين يعملون فى ساحة موقع الاحتفال وترتيب الأماكن المخصصة لمختلف الوفود الأجنبية بالسرادق الكبير الذى أُقيم  بالمنطقة، وكذلك أماكن الهيئات الشعبية التى تمثل جميع محافظات مصر .

امتلأت الشوارع الممتدة من مدينة أسوان إلى مكان الاحتفال والتى يزيد طولها عن ثمانية كيلو مترات طوال الليل بعشرات الألوف من المصريين الذين رفعوا الأعلام ورددوا الهتافات.

وقبل التفجير قام الرئيس جمال عبد الناصر بوضع صندوق خشبي فى حجر  الأساس، احتوى على مصحف شريف تبركا به، ولائحة هيئة بناء السد، والصحف العربية الصادرة فى نفس اليوم، إلى جانب عملات مصرية كانت فى جيب عبد الناصر، عبارة عن 39 جنيها و34 قرشا، وعملة مغربية وسورية وضعها جلالة الملك محمد الخامس ملك المغرب والرئيس السورى السابق شكرى القوتلى اللذان شاركا فى الاحتفال.

وعند الظهر ضغط الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على زر أحمر وفى الحال تفجرت شحنات الديناميت فى الجبل القريب الذى قذف كميات هائلة من صخوره الصلبة قُدرت باكثر من 20 ألف طن، فتتها الانفجار الذى اهتزت له جبال النوبة بأكملها؛ نتيجة دويه الشديد، وأحدث سحابة دخان كبيرة إيذانا بافتتاح العمل فى السد، وبدأت الحفارات والبولدوزرات واللوريات الضخمة التى وردت من الاتحاد السوفيتى فى نقل حطام الجبل المنسوف الذى سيصبح فيما بعد القناة الأمامية التى سيحول اليها ماء النيل بعد قفل النهر بالسد العالى.

 

مليار دولار

بلغت التكلفة الإجمالية لإنشاء السد العالي في ذلك الوقت مليار دولار، وعمل السد على حماية مصر من الفيضان والجفاف، وقللت بحيرة ناصر من اندفاع مياه الفيضان مع تخزينها، ساعد السد مصر في التوسع في المساحة الزراعية، بعد توفر المياه، مما فتح الطريق للتوسع في استصلاح الأراضي وزيادة مساحة الرقعة الزراعية، وعمل أيضاً على زراعة محاصيل أكثر على الأرض، وهو ما أتاح 3 زراعات كل عام.

البناء الذي فتح طريق جديد لمستقبل مصر يبلغ طوله 3600 متر، عرض القاعدة 980 مترا، عرض القمة 40 مترا، والارتفاع 111 مترا، فيما يبلغ حجم جسم السد 43 مليون متر مكعب، ويمكن أن يمر خلال السد تدفق مائي يصل إلى 11,000 متر مكعب من الماء في الثانية الواحدة.

وأصدرت الهيئة الدولية للسدود والشركات الكبري تقريرا دوليا منذ سنوات، قُيِّم السد العالي في صدارة كافة المشروعات، واختارته الهيئة الدولية «أعظم مشروع هندسي شيد في القرن العشرين».