الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الكاتبة منصورة عز الدين لـ صدى البلد: أطلس الخفاء سر حميم.. وأفضل قراءة المعري والجاحظ| حوار

منصورة عز الدين
منصورة عز الدين

تسير الروائية الشابة منصورة عز الدين في كتاباتها على خيط رفيع فاصل بين الواقع والخيال، عالم غرائبي مسكون بكتابة الذات، شخصيات مرسومة بعناية تعيش في عالمها الخاص. وفي روايتها الجديدة "أطلس الخفاء"، والسادسة في مسيرتها الأدبية، تبحث منصورة عز الدين في عقل الشخصية الرئيسية "مراد" لتخلق بين الراوية والبطل "سرا حميما". وفي هذا الحوار، تتحدث منصورة عز الدين عن أعمالها ورؤيتها للكتابة ولشخصياتها الراوائية ومسيرتها الإبداعية بشكل عام، وعلاقة ذلك بعملها الصحفي. 

 

  • من مجموعة "ضوء مهتز" إلى رواية "أطلس الخفاء".. مسيرة أدبية طويلة امتدت لأكثر من 20 عاما، كيف تصف الأديبة منصورة عز الدين تجربتها الإبداعية؟

 

- من الصعب أن يخرج المرء من تجربته كي يصفها من الخارج. ما أستطيع فعله هو التفكير في ما أحدثته هذه الرحلة مع الكتابة بداخلي، وإن كان هذا أيضًا ليس سهلًا، لكن بإمكاني القول إن الكتابة ألهمتني طرقًا للعيش والنظر إلى العالم والتدقيق في تفاصيله، لم أكن لأصل إليها من دونها. منحتني بالمثل حيوات متعددة وشخصيات لا حصر لها. أثرتني على نحو لم أتوقعه ولم أكن لأتخيله. الحكم على نتاج هذه الرحلة من أعمال أدبية متروك للآخرين، أما أنا فيكفيني أنّي أسعى للعيش ككاتبة في كل تفاصيل حياتي، فالكتابة لا تبدأ فقط حين نبدأ في التدوين، لكنها تسبق ذلك بكثير، وتكمن في كيفية رؤيتنا للعالم من حولنا وفي كيفية تفاعلنا مع مفرداته وسعينا لتحويل ركام ما نمر به من أحداث وتجارب إلى فن.

 

روايتك الجديدة "أطلس الخفاء" هي الرواية السادسة والكتاب العاشر لكِ، هل صارت الكتابة أقل تحديًا بحكم الخبرة التي اكتسبتيها منذ عملك الأول حتى الآن؟ وما الذي تمثله لكِ هذه الرواية الجديدة؟

 

- أكتب كل رواية كما لو كانت روايتي الأولى، فكل عمل يشكل تحديات خاصة به، لها علاقة بمضمونه والبنية الأمثل له، وربما أيضًا اللغة الملائمة له. هناك طبعًا استفادة من خبرة الكتابة على امتداد سنوات طويلة، ومن الاشتغال على اللغة وعلى تطوير مهارات الكتابة، لكن في المقابل، كما سبق وذكرت، لكل عمل تحدياته الخاصة. بالنسبة لـ"أطلس الخفاء"، فقد كتبتها في الفترة من فبراير إلى سبتمبر 2018، ثم حررتها ونقحتها لاحقًا على مدار عام كامل. أعتبرها تجربة مختلفة بالنسبة لي لأنها تتمحور حول بطل واحد هو مراد، ويمكن القول إنها أقرب إلى رحلة في عقله بحيث نرى العالم عبر عينيه. أحيانًا تكون علاقة الكاتب بشخصية فنية يكتبها، أقرب إلى سرٍ حميم، وأعتقد أن علاقتي بشخصية مراد من هذا النوع.

 

أطلس الخفاء

تتجولين في الكتابة بين القصص القصيرة وبين الرواية، ما السر في ذلك؟

 

- لا وجود لسر ما. بدأت بكتابة القصة القصيرة وانتقلت منها إلى الرواية، ولي أعمال تلعب في المسافة البينية بين هذين النوعين الأدبيين. لكل منهما جمالياته وفنياته الخاصة، إضافة إلى الجماليات والفنيات المشتركة بينهما. هناك أفكار تظهر لي في شكل قصة قصيرة قائمة بذاتها، وتستمر على هذا النحو، وأخرى أعود إليها بعد كتابتها بفترة وأكتشف فيها إمكانات ومساحات حكي أوسع، فأتوسع فيها، وأفكار ثالثة تقترح عالمًا روائيًا واسعًا وممتدًا منذ البداية. حين بدأت الكتابة، كتبت أيضًا قصيدة نثر ومسرحيات من فصل واحد، لكنني لم أنشر أيًا منها.

 

• كيف أثرت الصحافة في كتاباتك؟ خصوصا أنك استهلمت المهنة في عملك الأدبي؟ 

 

- لا أعتبر أنني قد استلهمت مهنة الصحافة بعد في أعمالي الأدبية، وربما يحدث هذا لاحقًا على نحو موسع. صحيح أن سلمى رشيد؛ بطلة "وراء الفردوس" كانت صحفية، لكن طبيعة مهنتها لم تلعب دورًا مهمًا في الأحداث. الصحافة مهنة ثرية ومتطلبة وتضع من يعمل بها في خضم تجارب كاشفة وبين شخصيات ملهمة فنيًا. أتذكر أنني، في بداية مشواري مع الصحافة، فكرت في الانتقال إلى مهنة أبسط لا تلتهم كل هذا الوقت، كي أوفر المزيد من الوقت للكتابة الإبداعية، واستشرت د. أمينة رشيد وقتها في الأمر، وكان رأيها ألّا أفعل هذا إلّا إن كان هناك بديل يضمن لي خبرات شخصية وتجارب حياتية بنفس القدر الذي توفره الصحافة.

من ناحية الكتابة، كنت حريصة على ألّا تؤثر الصحافة بالسلب على لغتي وأسلوبي الأدبي، وأجازف بقول إنها ساعدتني على مزيد من الدقة اللغوية، خاصة أنني أحرر قسم الكتب منذ 2003 وملحق "بستان الكتب" بجريدة "أخبار الأدب" منذ 2005. دربتني أيضًا على الكتابة في أي ظرف والابتعاد عن المزاجية واستحضار الإلهام بدلًا من انتظاره.

 

• هل انتهيت من كتابك عن ذكريات الطفولة بعد منحة باريس؟ 

 

- لا، لم أنته منه بعد. أظن أنه يتطلب مزيدًا من الوقت. قطعت شوطًا في كتابته خلال إقامتي في باريس العام الماضي، ولا يزال أمامي المزيد من الوقت، بحيث لا يمكنني حتى توقع متى سأنتهي من كتابته.

 

• وما رأيك في أدب الرحلات خصوصا بعد كتابك "خطوات في شنغهاي" بعد زيارة للصين؟

 

- أدب الرحلات نوع أدبي مهم يحوي داخله مستويات عديدة، وهو مهم تاريخيًا خاصةً في الثقافة الإسلامية التي مثَّل الارتحال في طلب العلم أحد أعمدتها الأساسية. تداخل أدب الرحلات قديمًا مع المؤلفات الجغرافية واحتوى بعضه حتى على نوعٍ من التخييل العجائبي. وفي رأييّ أن أدب الرحلات حاليًا يواجه تحديات تدفعه نحو مزيد من التجويد والاختلاف والبعد عن مجرد التعريف بالأماكن والبلدان البعيدة عنا، فكل المعلومات متاحة على الإنترنت حاليًا، ويمكننا حتى الخطو افتراضيًا في أماكن في الطرف الآخر من العالم عبر تطبيقات معينة، لذا من المهم اختيار زوايا نظر ذاتية ومبتكرة لكتابة أدب الرحلات، بحيث يكون –كما ينبغي له وكما كان في الماضي- نصًا أدبيًا ولغويًا بالأساس نرى فيه العالم بعيني كاتبه ونرى تفاعله مع المكان وتأثير المكان عليه. حين كتبت "خطوات في شنغهاي" خلال وجودي في الصين، لم يخطر في بالي أنني أكتب كتابًا سوف يُنشَر. فقط تأثرت بالمكان كثيرًا؛ سواءً في شنغهاي أو بكين وجوهاي وغيرها من أماكن زرتها هناك، ووجدتني أدون بعضًا من يومياتي هناك لأنني لم أرغب في أن تنزوي في صحراء النسيان مع الوقت. وأري أنني لم أكتب عن هذه الأماكن بقدر ما كتبت عن نفسي فيها وعن مقدار ما تركته في نفسي من مشاعر وانفعالات، من مسرات وتساؤلات وأفكار.

 

منصورة عز الدين 

• لماذا من وجهة نظرك تفاعل القراء أكثر مع روايتك "بساتين البصرة"؟

 

- أنا سعيدة بهذا التفاعل، وقد وصلتني ردود أفعال عديدة ومتنوعة منذ نشر الرواية وحتى الآن. هناك قراء أخبروني أن اللغة بمستوياتها المتعددة هي أكثر ما أعجبهم في العمل وهناك من أشاروا إلى البناء والتركيب، أو من تعلقوا بشخصيات معينة. وأتمنى أن تكون ردود الفعل تجاه "أطلس الخفاء" إيجابية وحماسية بالمثل.

 

• وما هو تأثير الجوائز الأدبية على الاعتراف بالعمل الأدبي للكتب؟

 

- الجوائز الأدبية تساعد على وصول الكتب إلى دوائر قراءة أوسع وتساهم في زيادة مقروئية الكاتب، لكن المشكلة تبدأ إن كتب الكاتب وفي ذهنه نيل الجوائز أو إن اعتقد أن قيمة ما يكتبه تحددها الجوائز وحدها.

 

منصورة عز الدين

• معروف أنك تحبين القراءة؟ ما أهم الكتب التي أثرت فيك وتحبين قراءتها؟ ومن أكثر كاتب تحبين القراءة له؟ 

 

- من الصعب أن نجد كاتبًا لا يحب القراءة، فهي الخطوة الأولى نحو الكتابة. مع الوقت يكون هناك أعمال مفضلة وليس بالضرورة كاتب مفضل، فمن الصعب أن تعجبنا كل أعمال كاتب بعينه، لكن مع هذا حين أفكر في كاتب تقوى علاقتي به مع مرور السنوات ويزداد تقديري له مع الوقت، يرد على ذهني اسم الجاحظ على الفور. وإلى جانبه، لا أتوقف عن العودة إلى أبي العلاء المعري وطرفة بن العبد. الشعر العربي القديم عمومًا له تأثير قوي في تكويني الأدبي والثقافي.

 

• خصوصا مع توليك الإشراف على "بستان الكتب"، ما هي معاييرك في اختيار الكتاب الجيد؟

- أهتم بالكتب التي تقدم رؤية جديدة أو زاوية مبتكرة في مجالها، الكتب التي تثير بداخلي الكثير من الأسئلة والمشاعر وتدفعني لمساءلة ما كنت أظنه، قبلها، راسخًا مستقرًا. أقدر الجهد البحثي والاعتناء بدقائق العمل وتفاصيله المختلفة لأن في هذا احترامًا للقارئ. وأخيرًا يهمني الأسلوب اللغوي وأن يكون ملائمًا لطبيعة العمل وموضوعه.

منصورة عز الدين