الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أعماق الهاوية

نيفين منصور
نيفين منصور

من كثرة ما قيل عن فيلم أصحاب ولا أعز ، فضلت أن أتابعه بنفسي حتي استطيع أن أكون صورة حقيقية عما قيل عنه .. هل حقا هذا الفيلم يسيء للمجتمع المصري أم أنه مجرد فيلم مأخوذ عن فيلم أجنبي دون تعديل أو تعريب للفكرة بما يتناسب مع ثقافة المجتمعات العربية.

الفيلم يروي قصة لمجموعة من الأصدقاء يجتمعون علي العشاء وتقترح صاحبة البيت أن يترك كل منهم هاتفه المحمول أمام الجميع طوال العشاء .. بغرض كشف الأسرار التي يحتفظون بها   .. ثم تتحول تلك اللعبة إلي سلسلة من الفضائح التي تكشف ما يفعله كل منهم في الخفاء. ثم ينتهي الفيلم بطريقة غير مفهومة .. هل كانت اللعبة حقا فرط من الخيال .. أم حقيقة واقعة حاول الجميع تجاهلها بعد أن تأزمت الأمور فيما بينهم..لتعود الحياة كما كانت قبل تلك اللعبة .

الفيلم إنتاج مشترك ووفقا لما ورد فيه فإن أحداثه تدور في لبنان وليس في مصر .. ما يربطه فقط بمصر وجود مني ذكي وإياد نصار كأسرة مصرية تعيش في لبنان منذ أكثر من عشرين عام.. ولديهم أصدقاء وذكريات لسنوات طويلة وبالتالي يعرض حياة مجتمع عربي مختلف عن المجتمع المصري .

بالتأكيد ما أثاره البعض من لغط عن الفيلم يثير الرغبة لدي البعض الآخر لمتابعته ويعتبر هذا الأسلوب من أساليب الدعايا المستحدثة منذ سنوات طويلة.. ويحدث هذا أيضا في الإعلام وليس في الدراما فقط.. ويمتد إلي حياة البعض.. فالبعض ممن يبحثون عن الشهرة قد يثيروا ضجة كاذبة حولهم أو إشاعات مسيئة تثير غضب الجميع بغرض الوصول إلي الترند حتي ولو كان علي حساب سمعتهم.

تلك الأساليب تهتم فقط بالمكسب حتي ولو كان بتصدير صور تسيء للعمل أو لبعض الشخصيات .. بل قد يصل الأمر إلي اعتبار البعض الشتائم والتعليقات السلبية دلالة علي النجاح المبهر .. المهم في النهاية الوصول إلي الغاية.. إما الشهرة أو عدد من المشاهدات الجبارة بغرض الربح المادي.

ثم تنتهي الضجة بعد الوصول للغاية المنشودة وتهدأ الأمور وفي حالة الدراما .. يتحول العمل الدرامي سواء فيلم أو تمثيلية إلي أمر واقع يعاد ويكرر في جميع القنوات مع الوقت ويصبح المحتوي أمر معتاد لدي الجميع بحكم التكرار.

اعتبر البعض تلك النوعية من الأفلام أفلام الواقع التي تعرض سلبيات المجتمع كما هي .. وأن رفض تلك الأفلام ما هو إلا تشدد من البعض وإدعاء للفضيلة في زمن قد أفسده العديد من الرجال والنساء علي حد سواء.. وأننا في زمن الحريات وبالتالي فإن رفض دراما الواقع سلب للحرية وانغلاق فكري وضد الانفتاح العولمي.

وبالعودة إلي محتوي الفيلم لم أتابع من قبل أفلام لأبطال الفيلم العرب مثل نادين لبكي و عادل كرم وفؤاد يمين وباقي أبطال الفيلم حتي أستطيع الحكم علي تداولهم للألفاظ غير المألوفة لدينا في الدراما المصرية .. تابعت فقط من خلال السينما المصرية العديد من الأفلام لإياد نصار ومني ذكي.. ولكني التقيت بالعديد من الشخصيات اللبنانية من قبل في التعاملات العادية ويختلفون بالطبع عن مجتمعنا المصري في الأسلوب وطريقة الحوار واللغة المتداولة .. ففي المجتمع اللبناني يتلفظون ببعض الألفاظ غير المعتادة لدينا ونعتبرها أحياناً ألفاظا مرفوضة في الحوار  ولكنها طبيعية في المجتمع اللبناني.. وقد ذُكِرت بعضها في بداية الفيلم وكان تعليق مني ذكي عليها أنها كانت صادمة لها في بداية حياتها في المجتمع اللبناني حتي اعتادت عليها.

قد يكون هذا الفيلم بالنسبة للمجتمع اللبناني فيلم درامي طبيعي كغيره من الأفلام يعرض ما يحدث في الخفاء في البيوت ويكشف الأسرار دون حل.. ثم تعود الحياة إلي طبيعتها كأن شيئاً لم يكن.. بغرض توضيح ما وصل  إليه المجتمع من تدهور أخلاقي وسلبية.

أما بالنسبة للمجتمع المصري فهو فيلم صادم ربما فقط لمشاركة مني ذكي في هذا العمل.. ورفضهم لقبولها تمثيل هذا الدور الذي اعتبره البعض يسيء إلي تاريخها السينمائي المصري .. لأن الشعب المصري تعود علي الحكم علي الممثل ليس من منظور جودة التمثيل ولكن وفقا  لطبيعة الدور نفسه هل هو دور من أدوار الإغراء أو التحرر أم دور يحمل رسالة تفيد المجتمع.

أما عن رأيي الشخصي بعد متابعة هذا العمل الدرامي فلم أعتبره صادماً لأنه ليس الأول في دراما الواقع ويوجد ما هو أسوأ منه بكثير ولكنني أرفض عرض فكرة دراما الواقع بهذا الأسلوب بصفة عامة سواء في هذا الفيلم أو غيره ممن يعرضون الواقع دون حل أو عظة وبكل سلبية قد تفكك الأسرة وتدعوا للاستسلام لما يحدث من موبقات داخل المجتمع ..

المجتمعات العربية تنهار من حولنا وليس المجتمع المصري فقط ،، دون أن ندرك خطورة ما يحدث من انفلات نتيجة عرض الدراما الواقعية بصورة خاطئة تعطي إيحاء للجميع بضرورة تقبل ما يحدث كأنه أمر اعتيادي وحقيقة ملموسة وطبيعية.. وذلك يتنافي مع القيم الدينية التي أكرمنا الله عز وجل بها ..

تعلمنا من القرآن الكريم ورسولنا صلي الله عليه وسلم.. أن حسن الخلق أثقل في الميزان .. وأن الدين المعاملة وأن الإيثار من البر وأن البر من التقوي.. رسائل سماوية تنهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي حتي يستقيم المجتمع.. وبالتالي تصدير مشهد الانفتاح والحرية لأب يعطي لابنته كامل حريتها للإقامة عند رفيق لها وهو يعلم أنها قد تقيم معه علاقة غير شرعية أمر محرم شرعاً مهما كانت درجة انفتاح الأسرة ومهما مر الزمان .. فالمولي عز وجل يقول في كتابه الكريم (وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) وهو أمر صريح بعدم دخول المرأة أو الفتاة في علاقة غير شرعية مع أصدقاء من الرجال والأولي من المرأة المتزوجة الفتاة البكر التي لم تتزوج أن تحصن نفسها وتبتعد كل منهن سواء متزوجة أم غير متزوجة عن الزنا ..

وبالتأكيد ليس المقصود من الآية الكريمة أن تمتنع النساء أو الفتيات عن التعامل الشريف مع الرجال في محيط العمل أو الزمالة أو القرابة أو حتي الصداقة والقرب الذي لا يشوبه أي علاقة مشبوهة.. فمن الطبيعي أن يتعامل الرجال مع النساء ولكن دون المساس بالأعراض أو الدخول في علاقات مسيئة للسمعة.

أما عن باقي أحداث الفيلم من اكتشافهم وجود أحد الأصدقاء بينهم من المثليين وتقبلهم له بعد ذهولهم في بداية الأمر وشعورهم بالصدمة المؤقتة ثم تقبلهم للوضع فهذا أمر مرفوض شرعا تصديره للمشاهد الشرقي المتدين.. حتي ولو كان هذا ما يحدث فقد روي المولي عز وجل في كتابه الكريم  قصة قوم لوط وما حدث لهم نتيجة تقبل المجتمع ككل للمثلية الجنسية التي أغضبت المولي عز وجل فخسف بهم الأرض..حيث قال (وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ (80) إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ (83) وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ).

فمن الطبيعي أن نرفض تصدير تلك الأفكار ونقاومها بكل الطرق الممكنة حتي ولو اعترف العالم أجمع بها .. فهي ضد العقيدة الإسلامية ولا يجب تصدير تلك الأفكار للمجتمعات العربية والدول الإسلامية حتي ولو كانت منتشرة في الخفاء داخل تلك المجتمعات .. فالجهر بها علنا يفرض علي المجتمع الاعتراف بها بحكم التعود وتصبح مع الوقت من الواقع المفروض تقبله بالمخالفة للشرع.

أما عن سبب الهجوم الرئيسي علي الفيلم وهو دور مني ذكي الذي اعتبره البعض دور يمحو تاريخها الفني ويسيء إلي أسرتها.. علي الرغم من أنه يحاكي الواقع وما يحدث بالفعل ليس فقط في المجتمع اللبناني ولكن أيضا في مصر من بعض طبقات المجتمع من التعود علي السُكر كعادة أسرية في العديد من الأوساط .. كذلك علاقات الفيس بوك بين النساء والرجال .. إلا أن الجمهور المصري تعود منها القيام بالأدوار التي لا تشوبها شائبة ومن الطبيعي أن يشعر البعض بالصدمة وقد حدثت تلك الصدمة من قبل عند قيامها بدورها في فيلم احكي يا شهرزاد الذي اعتبره البعض غريب عن المجتمع المصري كذلك بعض الأفلام الأخري التي صدمت المجتمع منها ومن غيرها من الممثلين.. إلا أن لكل ممثل نظرة في اختيار أدواره وأحيانا من باب التنويع يتطرق البعض منهم لإحداث الصدمة لدي المشاهد باختياره لدور لم يمارسه من قبل وهو علي علم بأن الجمهور لن يتقبله بسهولة ويعتبر رد فعل الجمهور ضريبة للنجاح للعمل الفني المختلف.

للفن توجهات بالتأكيد وفقا لرؤية المنتج والمؤلف والمخرج.. منها من يهدف للربح فقط حتي ولو كان يهدم المجتمع ومنها من يهدف  لغرس بعض الأفكار وترويجها بهدف هدم العقائد ونشر الفوضي.. ومنها الفن الإرشادي الذي يحاول عرض المشكلة بغرض الوصول للحل.. والقضاء علي الموبقات.. ولكن بالطبع هذا التوجه الإرشادي قليل ويكاد يكون نادرا وسط الفوضي الموجودة في عالم الفن بصفة عامة والدراما بصفة خاصة.

وللأسف الشديد تسبب الانفتاح التكنولوجي  في صعوبة وجود الرقابة علي المصنفات الفنية وأصبح هذا المجال شديد الخطورة علي الجميع خصوصا مع الانحدار الأخلاقي المنتشر والفساد وغياب الوعي الديني ومفاهيم الحلال والحرام .. نحن نتجه إلي السقوط الحر للوصول إلي أعماق الهاوية .. فاستباحة المحرمات والجهر بها والتعامل معها علي أنها أمر واقع طريق يفتح علينا أبواب الجحيم..

لم نتعظ من القصص القرآنية.. التي أوضحت مصير المجتمعات التي عاشت من قبلنا عندما فسدت وأفسدت وكان مصيرها هو الهلاك.. فلا عجب أن يرسل علينا المولي عز وجل جنوده بالعذاب المبين .. أو تصيبنا اللعنة كما أصابت من سبقونا وكانوا في غفلة .. فأرسل المولي عز وجل رسوله بالحق ليخرجنا من غفلتنا ويقص علينا أحسن القصص كما قال في كتابه الكريم في سورة يوسف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ) فإذا بنا نتجاهل القصص القرآني وننشر ما يحدث تحت مسمي الواقع والانفتاح ودون الفهم الصحيح لقوله تعالي (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فما بال من يصدر الموبقات تحت مسمي الواقع وحرية التعبير دون محاربتها أو محاولة عرض حلول للتخلص منها ومقاومتها..

الحرية تنتهي عند التعرض لمصلحة الآخرين.. كذلك حرية التعبير لها حدود وليست مطلقة .. أنت حر ما لم تضر.. ولكن عندما تُصَدر مشاهد من الواقع مرفوضة شكلا وموضوعا من العقيدة والشريعة .. يجب أن تُقومها وتصدرها بمشهد الرفض وليس بغرض التعود أو القبول.. وملخص ما شاهدته أن الفيلم مواقف معروضة بلا رسالة للمجتمع .. ونهايته غير مفهوم الغرض منها ..