الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الاختيار

نهال علام
نهال علام

كم أنت كريم يا رمضان، نفحاتك واسعة، عطائك غير محدود، نسائمك تبعث اليقين في القلوب، وعبير يُثبت العقل على الصراطِ الموعود، شهر الصوم الذي يأتي مرة في العام يمنحنا ثلاثين ليلة مغفرة ورحمة وعتق بإذن الرحمن، رمضان هذا العام مختلِف جاء وفي طياته الذكرى موسومة بشعار حتى لا ننسى، وبالرغم أن ذكريات البؤس لا تُمحى إلا أن التذكرة تنفع المتذكرين، وتفضح المتذمرين، وتدق ناقوس الحقيقة للأجيال التى عاشت الحدث ولكن لحداثة أعمارها لم يسعفها فهم مجريات ما حدث!

ثلاثون ليلة صيام وقيام وثلاثون حلقة تستعرض الآثام والإجرام في حق وطن كان للبيع في مزاد مُغلق، مقصور على تجار الدين ومدعي الإيمان، حتى جاءت لحظة الاختيار لنا ولهم، وهنا تجلت أخلاقهم !

يا جماعة الشر يا إخوان السوء من أنتم.. أين ولدتم.. كيف تلقيتم تربيتكم، من أين استقيتم دينكم وكيف هان عليكم وطنكم، وبم شعرتم وانتم تحللون دماء حماة أرضكم وكل من أعرَض عن افكارِكم!

عُذراً على استخدامي لفظ الوطن ، جاء في غير محله مع من لا يستحقه، فلقد ذهب عن بالي للحظة أن الوطن بالنسبة لكم هو مقرات الجماعة، وراحت مني مقولة مرشدكم المأثورة وهو يتمطَع قائلاً بتنطُع ( طز في مصر )، غاب عني لبرهة تصريحاتكم بأن الحدود مجرد تراب، سقطت من ذاكرتي لوهلة حلم الخلافة الوهمية ومخططات الحُكم الأبدي للدولة المصرية، بعد أن صعدتم على سُلم الديمقراطية المبللة بالليمون والمفخخة بتهديدات الفوضى إذا لم تتربعوا على عرش السلطة، فكان اعتلائكم هو بيان اعتلالكم وبأمر ربكم العادل هو الطريق لاقتلاعكم من أرض الوطن الشامخ.

مكائد، مصائد، أكوام من المصائب صنعتموها في عامٍ واحد، يصيبني دوار كلما تبادر لذهني سؤال ما مصير البلاد لو كان طلع إخوان يا مكاوي! فأهرب من السؤال الخيالي للإجابة الواقعية أن بفضل المعية الآلهية طلع البطل الذي أعادها سالمة من براثن مؤامرتكم ومن بين مخالب أطماعكم، والحلقات متتابعة وتفاصيل الخيانة متلاحقة، وبختم أصواتكم وصوركِم ممهرة، تسجيلاتكم مُبهرة لتسد منافذ التشكيك وتغلق أبواب المزايدة على حججكم الواهية ومظلومياتكم الواهنة.

عشنا تلك التفاصيل الكئيبة وذاكرتنا لازالت مليئة بوجوهكم الغريبة، سمتكم واحد وسماتكم موحدة، واليوم بعد مرور تلك السنوات لازالت ذكراكم نابضة بالمرارة وخيانتكم تشع حرارة حرقت قلوب أمهات ورملت زوجات ويتمت أطفال، فاذهبوا إلى ما تستحقوا في كتاب التاريخ باب الخيانة فصل العِمالة.

لن أتطرق للأحداث فجميعنا عشنا تلك اللحظات بالأساس، وهاهي تتجسد من جديد لذا سأترك وصف الحَدث لمشاعركم المؤججة بالغصة من هذا الفصيل العجيب، أسوأ الأعداء من يختلط بك دون أن يخالطك فقط ليخطط لهدمك واقتلاع هويتك، مرارة لا نشعر بها ونحن نقرأ في صفحات الزمان عن الهكسوس والتتار والعدوان الثلاثي والصهيوني على مصر، أنتم أشد وطأة على هذا الوطن لأنكم وبكل أسف من قلب نسيجه.

ولكن اللافت للنظر هو سماكة جلودكم وسماجة لجانكم الالكترونية التى تتولى الصياح على مواقع التواصل الاجتماعية، فشر البلية ما يضحك فما بالك إذا كانت تلك البلية من شر البرية!

تتحدثون الكذب كما تتنفسون وهذا أمر اعتدناه منكم، ولكن بأي عين تبصرون وأنتم تعقبون، تركتم الكبائر التى اقترفتموها وتبحثون عن صغائر تخترعونها بخيالكم الفقير فجاءت منشوراتكم المكررة مثاراً للسخرية ومساراً للخبطة.

ثلاثية الاختيار أعادت لي ذكريات ثلاثية الملحمة الوطنية رأفت الهجان، كنت أشفق على هذا الجيل أنه بلا دليل ولا قدوة، فأول دروس الوطنية تلقاها جيلي على يد الدراما التلفزيونية تمثلت في أعمال كشفت المتأمرين وجائت من قلب سجلات المخابرات المصرية مثل دموع في عيون وقحة والحفار والثعلب ولكن ظلت ثلاثية الهجان هي الشمس التى يدور في فلكها كل ما سبق ولحق.

حتى جاء الاختيار ونال اختيار المشاهد المحفور في قلبه تلك الحقبة، شهِد تفاصيلها وبكى على شهدائها وعاصَر جحود خوّانِها، ولهذا لن ينسى أحداثِها فهو شريك في اختيار مجرياتها، فما سبق من الأعمال الوطنية كلها أعمال استثنائية تشهد ببسالة رجال الدولة المصرية على مرّ العصور لكن دراما الاختيار انفرادية لم نشهد مثلها في الدراما التلفزيونية، وهي أن تُجسد التاريخ وهو لازال نابضاً  وشخوصه الحقيقية موجودة والدموع على شهداء الغَدر لا زالت دافئة.

كل الشُكر والتحية لصناع تلك الدراما العبقرية كل من شارك بالوقت والمجهود والاخلاص المعهود، كتيبة العمل الجاد بكل تفاصيله الصغيرة قبل الكبيرة، طاقم العمل من الممثلين والعاملين وماكيير العمل الذي أبدع في رسم تفاصيل شخصية الرئيس وباقي شخصيات العمل، وحتى لا ننسى ونحن لن ننسى فالشكر موصول لصناع الحدث خوان الوطن على تلك الأحداث العجائبية التى لا تليق إلا بالعصابات الغبية، وقطاع الطريق في زمن الجاهلية، فما سمعناه على ألسنتكم يفوق خيال آي مؤلف وما رأيناه من غِل قلوبكم ودنو شخصياتكم يتجاوز طموحات أمهر المخرجين، فشكرا لطبيعية الأداء الوضيع وعبقرية الخيانة المرضية التي طالتكم منكم فيكم، فلا ولاء لديكم إلا لما يضمن مفاصل السلطة وأذرع الحُكم، فكان ربك بالمرصاد وانقلب السحر على الساحر ، فعلى نياتكم ترزقون وكان أعظم رزقكم أنكم كما بدأتم عدتم، كنتم في جحور تحت الأرض واليوم أنتم في حجور العار ليوم العَرض.

الاختيار هو قصة شعب كان سيد القرار، رفض أن يحكمه مُرشد يستجدي المَدد ومهندس هَدد ورئيس كمالة عدد، فتلك القصة ليست كما تدعى كتائب الخوان الالكترونية أنها أحادية الجانب، بل هي متعددة الجوانب وتسجيلاتهم أهم جانب، وهي تسجيلات وليست تسريبات فنحن بصدد أمن قومي وليست مشاجرة في قهوة بلدي، وحمد الله على سلامتك يا بلدي.