سورة تعرف بالتوديع .. يتساءل كثيرون عن اسم سورة تعرف بالتوديع، خاصة في ظل الحرص على التعبد بتلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان شهر شرفه الله تبارك وتعالى بنزول معجزته الخالدة وخاتم كتبه المقدسة التي تعهد بحفظها إلى يوم يبعث البشر.
وتتعدد مسيمات سور القرآن الكريم ومن ذلك سورة تعرف بالتوديع، وفي السطور التالية نسلط الضوء على اسمها وفضلها وتفسير آياتها.

سورة تعرف بالتوديع
تعد سورة النصر من قصار سور القرآن الكريم التي تتعدد مسمياتها، وهي إحدى سور الجزء الثلاثون وتعرف بالتوديع لأنها نعت حضرة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وهي سورةٌ مدنيّة؛ أي إنّها أُنزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الهجرة في المدينة المنوّرة، ومِن أسماء هذهِ السورة كما ذكر العلماء والمفسرين «إذا جاء نصر الله والفتح» وذلك حسب أوّل آية من السورة، وتُسمّى أيضاً سورة «التوديع»، وأيضاً تسمّى سورة «الفتح».
يقول الحق سبحانه وتعالى: "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً".
واختلف المفسرون وأهل العِلم على عدة أقوال فى وقت نزول سورة النصر؛ وقد ورد عن عبد الله بن عُمر -رضيَ الله عنهما-: أن هذهِ السورة نزلت بمِنى في حجّة الوداع، ثمّ نزلت (اليوم أكملت لكُم دينكم)، فعاشَ بعدها رسول الله -صلّى الله عليهِ وسلّم- ثمانينَ يوماً، ولذلك فهيَ تُسمّى سورة التوديع.
وقد قال سيدنا عبد الله بن عبّاس -رضيَ الله عنهما- في تأويل هذهِ السورة، إنّها دلالة على دنوّ أجل رسول الله -صلّى الله عليهِ وسلّم-، ويقول بعض أهل العلم إنّها نزلت بعدَ انصراف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوة حُنين، وقال آخرون بأنّها نزلت في وقت غزوة خيبر؛ فكانَ النصر لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والفتحُ المُبين في يوم مكّة.
وأكد أهل العلم من المفسرين أنه لا خلاف على أنَّ الفتح المذكور في السورة الكريمة هو فتح مكّة الّذي أكرم الله بهِ نبيّهُ -صلّى الله عليهِ وسلّم-، وأيّاً كانَ الأمر فإنَّ نزول سورة النصر كانَ به تبشيرٌ ظاهر بالنّصر لرسول الله ولِمن معهُ من المؤمنين، وبشارةٌ لهُ -صلّى الله عليهِ وسلّم- بالفتح الّذي أكرمه الله به، وفيه أمرٌ من الله لرسوله بتسبيح الله واستغفاره، فمعَ النصر والفتح يكونُ الإقبال على الله تعالى بالإنابة، وهذا ما عليه خُلُق الفاتحين والمُنتصرين المُعترفين لله بالفضل لنصرهم على عدوّهم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُكثِرُ قبْلَ موتِه أنْ يقولَ: (سُبحانَ اللهِ وبحمدِه أستغفِرُ اللهَ وأتوبُ إليه) قالت: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ إنَّك لَتُكثِرُ مِن دعاءٍ لم تكُنْ تدعو به قبْلَ ذلك ؟ قال: (إنَّ ربِّي جلَّ وعلا أخبَرني أنَّه سيُريني عَلَمًا في أمَّتي فأمَرني إذا رأَيْتُ ذلك العَلَمَ أنْ أُسبِّحَه وأحمَدَه وأستغفِرَه وإنِّي قد رأَيْتُه {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. ففيها توجيه له -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين بالتوبة لله وتسبيحه وحمده .

سورة تعرف بالتوديع
يقول الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أول ما نزل من القرآن الكريم سورة العلق، وآخر ما نزل من السور سورة النصر، وآخر ما نزل من آيات قوله تعالى : ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة :281].
وأوضح جمعة عبر الفيس بوك، أن أطول سورة في القرآن الكريم سورة البقرة وعدد آياتها 286 آية، وأقصر سورة هي الكوثر وعدد آياتها 3 آيات، وأطول آية في القرآن الكريم آية الدين في سورة البقرة رقم (282)، وأقصر آية قيل هي ﴿يس﴾ أول آية في سورة يس أو ﴿حم﴾ أول آية في سور [غافر-فصلت-الشورى-الزخرف-الدخان-الجاثية-الأحقاف] أو ﴿طه﴾ الآية رقم 1 في سورة طه، وهذه باعتبار كتابتها أم نطقها فهي كلمتان، فمثلا ﴿حم﴾ تقرأ «حا-ميم»، وأما الآية التي تتكون من كلمة واحدة كتابة ولفظا والتي تعد أقصر آية من هذه الجهة هي الآية رقم 64 في سورة الرحمن ﴿مدهامتان﴾. وأطول كلمة في القرآن الكريم لفظا وكتابة هي ﴿فأسقيناكموه﴾ وهي أحد عشر حرفا وهي في الآية 22 من سورة الحجر، قال تعالى : ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحجر :22].
وأضاف: وترتيب المصحف الموجود بين أيدينا هو ما رتبه النبي ﷺ وهو ليس ترتيب النزول، بل ترتيب توقيفي لا اجتهاد فيه فكان النبي ﷺ يرشد الكتبة فيقول اجعلوا آية كذا بعد آية كذا في سورة كذا، حتى رتب المصحف بهذا الشكل الذي جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد جاء القرآن ليهذب لغة العرب التي كانت مليئة بالغرائب ووحشي الكلام، وأذكر شعر ابن المطهر الحلي حيث يقارن بين القديم والجديد في لغة العرب، ويظهر من ذلك مدى تهذيب القرآن للغة العرب.
وتابع الدكتور علي جمعة: ويقرأ القرآن الكريم بعشر قراءات متواترة، لكل قراءة روايتان فيكون المجموع 20 رواية للقرآن الكريم تحكي 10 قراءات، وكل هذه القراءات ثابتة عن النبي ﷺ ونزل بها القرآن من عند الله قرأها جبريل عليه السلام على النبي ﷺ، ومن أشكال الاختلافات في هذه القراءات تخفيف الهمزة، الإمالة، المدود، الإشمام وكلها مصطلحات يعرفها علماء التجويد.
كما يبين الدكتور عبدالوارث عثمان الأستاذ بجامعة الأزهر في تفسيره لسورة النصر، إنها تتعلق بالناس فهم التائبون وهم المستغفرون عن ذنب التقصير، ولولا نصر الله وتأييده لا يتحقق الفتح المبين للرسول وهذه بشرى للفتح المبين لابد أن يتحقق الفتح في هذا العالم ويدخل الناس في دين الله أفواجا.
وأضاف وبعد هذا الفتح وجب التهليل والتسبيح والتوبة إلى الله، ويكون هذا التسبيح في لحظة الانتصار وألا ننسى ذكر الله برغم هذا النصر وهذا الفتح العظيم، والمغفرة تدل على العفو والسماحة وعدم الطغيان على المقهورين، والاستغفار لملابسات نفسية كثيرة مما كان يساور القلب أو يتدسس إليه من سكرة النصر بعد طول الكفاح، وفرحة الظفر بعد طول العناء.
وأوضح أن الهدف منها الآية أنها تدور حول فتح مكة الذي عز الله به المسلمون وانتشار الإسلام في الجزيرة العربية، وانتهاء الشرك والضلال بهذا الفتح المبين، وبشرى بدخول الناس في الإسلام، وارتفاع الراية الإسلامية، ويؤكد أن من أسباب نزولها حينما دخل النبي، صلى الله عليه وسلم مكة في عام الفتح كان أرسل خالد بن الوليد فقاتل بمن معه صفوف قريش بأسفل مكة، حتى هزمهم بتوفيق من الله، ثم أمر بالسلاح فرفع عنهم، ودخلوا في الدين فأنزل الله "إذا جاء نصر الله والفتح" حتى ختمها، وتعلمنا هذه الآية أن الله يقبل التوبة عن عباده وأنه الغفور الرحيم وأن التسامح هو من سمات الإسلام.

سبب نزول سورة النصر
سبب نزول سورة النصر ، فيها الوعد الإلهي للنبي محمد بالفتح المبين الذي تم ذكره في سورة الفتح، دون قتال خشية أن يقتل المسلمون من لا يعلمون بإسلامه، فدخل النبيّ وصحابته فاتحين مكّة بلا قتال أو دماء، حتّى روي عنه صلّى الله عليه وسلّم بأنّ عمامته كادت أن تلامس رأس ناقته لشدّة تواضع النبيّ لله في هذا اليوم الميمون، وشكره على كرمه وفضله وكسرت الأصنام التي كانت حول الكعبة آنذاك، وتمّ تطهير الكعبة وما حولها وصعد بلال وأذّن فوق الكعبة ففرح المسلمون، واغتبطوا لهذا النصر المبين وآخى النبيّ بين المهاجرين والأنصار، وفيه دخل الناس في الإسلام أفواجاً وعفى النبي عمن بقي على دينه فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء.
ومنذ ذلك اليوم بدأت الدولة الإسلاميّة تنحو منحىً آخر في مراحلها فمن القبيلة والعصبية القبلية إلى الدولة الإسلامية الكنظمة، التي أقامت الرابطة بين الناس على أساس الدين قبل كي شيء وجميعهم سواسية عند الله وتبقى الأفضلية للتقوى مصداقاً لقوله تعالى: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، دوله لها قوانينها التي تنظمها ودستورها السماوي الخالد، نظمت حياة الناس بل أيضاً نظمت علاقاتها مع غير المسلمين من قبائل الجزيرة والممالك الأخرى التي كانت قائمة آنذاك. إنّ سنة الله ماضية في خلقه في نصر عباده في حياتهم الدنيا، وإن دائرة الظلم لا محال قائمة على الظالمين، فالله أهلك فرعون حين قال أنا ربكم الأعلى، ولهذا فإنّه كلّما اشتدّت الأزمة وضاقت كان الفرج أقرب، فالله هو الجبار المنتقم الذي قضى بالعدل فلا يظلم عنده أحد وكل مجازى بما قدّم.
أسرار سورة النصر
تُسمى سورة النصر أيضًا سورة “التوديع"، وهي آخر سورة نزلت في القرآن الكريم، كما أنها مدنية، وعدد آياتها ثلاث آيات، وعدد كلماتها 19 كلمة، وتتواجد في الجزء الثلاثين، وترتيبها في المصحف (110).
سورة النصر وفوائدها
سورة النصر وفوائدها ، فيما ورد عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: “من قرأ إذا جاء نصر الله والفتح في نافلة أو فريضة نصره الله على جميع أعدائه وجاء يوم القيامة ومعه كتاب ينطق قد أخرجه الله من جوف قبره فيه أمان من حر جهنم ومن النار ومن زفير جهنم فلا يمر على شيء يوم القيامة إلا بشره وأخبره بكل خير حتى يدخل الجنة ويُفتح له في الدنيا من أسباب الخير ما لم يتمنى ولم يخطر على قلبه”، وقال الصادق، عليه السلام: “من قرأها عند كل صلاة 7 مرات قُبلت منه الصلاة أحسن قبول.”
فضل قراءة سورة النصر
تعدل ربع القرآن، وأُنزلت هذه السورة على الرسول، صلى الله عليه وسلم، أوسط أيام التشريق، وأيام التشريق هي ثان وثالث ورابع أيام عيد الأضحى، أي نزلت ثالث أيام عيد الأضحى المبارك؛ فعلم الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه الوداع، أي خاتمة الرسالة؛ فخطب الناس في خطبة الوداع.