الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد علي الطاروطي .. رأيناه أخطأ فقطَّعناه

محمد غنيم
محمد غنيم

قراءة القرآن من الأعمال الصالحة التي ينتفع بها العبد في حياته وبعد مماته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه"، وإن من أعظم ما يربي عليه الآباء أبناءهم هو تحفيظهم القرآن، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن، وتعلمه، وعمل به، ألبس والداه يوم القيامة تاجا من نور"، وعلى هذا ينبغي ترغيب الناس عموما في حفظ القرآن وكثرة قراءته، والتعلق به تلاوة وسماعا وتطبيقا في حياتهم.

وقد اختص الله بعض عباده بحسن تلاوة القرآن، فيقبل الناس على سماعهم فذلك يعينهم على فهم آيات القرآن وتدبره والتلذذ بسماعه ممن رزقهم الله حسن الصوت، ولكن تلاوة القرآن تختلف عن الغناء فهي لا تعتمد على حلاوة الصوت وحسب، ولكن وضع العلماء أحكاما تضبط تلاوة القرآن من مدود ومخارج ألفاظ ومقدار للغنن وكذلك وضع علماء اللغة العربية حركات لضبط معاني الكلمات حتى يقرأه الناس كما أُنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وبالأمس وجدت هجوما عنيفا على أحد قراء الإذاعة المصرية لأنه أخطأ في قرآن الفجر يوم السبت الموافق 7 مايو، أثناء قراءته لسورة يوسف عند قوله تعالى {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} فقرأها الشيخ (رأيناه) بمد النون قبل الهاء فغيرت المعنى من نون النسوة العائدة على هنَّ إلى نون الفاعل العائدة على نحن، وهذا بالطبع خطأ غير مقبول ولا يمكن التساهل مع الأخطاء في تلاوة القرآن؛ لأنه كلام الله وهو ليس ككلام البشر، ولكن ما حكم من يخطئ في تلاوة القرآن؟ هل حكمه الفضيحة والتقطيع والتشهير والتنمر!

الأخطاء أنواع، فمنها أخطاء في التجويد ومنها أخطاء في تشكيل الحروف ومنها أخطاء في إبدال كلمة مكان أخرى، وجميعها ليست مقبولة ويجب تداركها سريعا، وإذا نظرنا إلى خطأ القارئ وهو الشيخ محمد علي الطاروطي نجده لم يتعمد الخطأ وهذا ينفي عنه الإثم، فلو أنه تعمَّد أن يخطئ لكرر تلاوة الآية بنفس القراءة ولكنه عاد فصحح الخطأ في ذات التلاوة، ثم أنه لو تعمد الخطأ جهلا أو تجاهلا لما اعتذر بعدها وأقر بخطئه فقد خرج في بث مباشر على صفحته وصفحة أحد المواقع الإخبارية يقول إنه أخطأ سهوا وأن القرآن غالب، وكان يقرأ باستعجال حتى يتمكن من إنهاء الربع في وقت محدد، وذكر أنه أتم حفظ القرآن في عمر التسع سنوات وتخرج في عائلة تحب القرآن وتخدم القرآن وجميعهم حفظة للقرآن.

هنا يبدو الأمر عاديا ومقبولا، فإن كان القرآن كلام الله فقارئ القرآن هو بشر، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن كل بني آدم خطاء، فالخطأ صفة بشرية، وقال: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه"، فمن منا لا يسهو أو لا يخطئ والرسول نفسه أوضح لنا أنه غير معصوم من السهو أو النسيان فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا أنساني الشيطان شيئًا من صلاتي فليسبح الرجال، وليصفق النساء"، والنسيان في الصلاة قد يشمل قراءة القرآن، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع رسول الله ﷺ رجلاً يقرأ من الليل في المسجد، وهو عباد بن بشر كما في جاء رواية أخرى، فقال: "يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا" رواه البخاري، وقد رأيت على الفيسبوك بعض الأشخاص يشنون حملة هجوم ضارية على الشيخ محمد علي الطاروطي بحجة أنه قارئ معتمد في الإذاعة فكيف لمثل ذلك أن يخطئ في قراءة آية، فإن الرسول الذي أُنزل عليه الوحي قال "لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها"، فهل الاعتماد في الإذاعة قارئا هو شهادة عصمة من الخطأ والنسيان! 

إني لأستعجب من هذه القسوة والمبالغة في الهجوم على قارئ للقرآن استدرك خطأه أثناء التلاوة ذاتها ثم اعترف بأنه أخطأ واعتذر عن هذا الخطأ، فلماذا يلهث البعض وراء الفضيحة وحب التشنيع والفتك برجل محسوب على قراء القرآن، ومما زاد الأمر سوءا أني وجدت الهجوم قد تجاوز الخطأ في التلاوة ليصل إلى تجريح صريح في طبيعة صوت القارئ محمد علي الطاروطي بأنه يجعر ومزعج، وآخر ذهب ليتهمه بأنه ما دخل الإذاعة إلا بالواسطة لأن أخاه هو القارئ المعروف عبدالفتاح الطاروطي، ولولا فساد لجنة الاختبار بالإذاعة ما تم اعتماده قارئا بها، فقد شمل التطاول جميع أفراد الإذاعة المصرية من مسئولين ولجنة استماع، وتشكيك في ذمم كل هؤلاء بأنهم يقبلون الرشوى ويعطون الاعتماد بالإذاعة عن طريق الأموال والواسطة! ما كل هذا العبث والغوغائية، وما هذا الحقد الشديد والضغينة في النفوس، إن من يتصفون بهذه الصفات هم من أسوأ البشر طباعا وأقساهم قلوبا، وكأنهم يتربصون لفرصة ينقضون من خلالها على فريسة تسقط بين أيديهم ليُخرجوا ما في ضمائرهم من قبح وسوء وبغض تجاه بعض قراء القرآن.

إذا أردت الانتقاد فهذا حقك ولكن الانتقاد الذي يحمل الكراهية ويأتي عن طريق التجريح والتوبيخ فهذا ليس انتقادا ولكنه سوء أدب وانعدام تربية، وإن دل على شيء فإنما يدل على سوء خلق صاحبه.

قد تجد بعض الناس يحبون سماع صوت الشيخ محمد على الطاروطي وآخرين لا يحبون سماعه، كما تجد من يفزع عند سماع صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله لأنه ارتبط عندهم بالموت والعزاء، وهكذا تتنوع الأذواق وتختلف الأسماع وللناس فيما يعشقون مذاهب، فإذا كنت تحب اللون الأحمر فأنت حر في ذوقك ولكنك لا يمكن أن تجبر جميع الناس أن يحبوا الأحمر مثلك، فعليك أن تحترم من يحبون الأسود وغيرهم يحبون الأزرق، وكل إنسان لديه الحرية فيما يحب، ولكن أن تأتي فتقول صوت فلان عبارة عن جعير ومحتاج يشيل اللحمية وأن من يسمعونه مجموعة من الجهلاء والحمقى فهذا لا يقبله عقل ولا يرضاه دين، ويحكى عن الشيخ ابن عثيمين أنه صلى العشاء بالناس يوما فأخطأ في سورة الزلزلة فرد عليه كل من في المسجد، وحين انتهى من الصلاة قال هذا لا يصلح وإنما ليليني أولو الأحلام والنهى، فيكفي أن يرد المخطئ في تلاوة القرآن شخص واحد حافظ عاقل وإن استدرك القارئ خطأه سكت الناس وانتهى الأمر عند ذلك، أما هذا الهجوم الجماعي على قارئ أخطأ وبهذه الطريقة فهذا لا يصلح ولا يليق.

أخطاء القراء

ولا يوجد من هو كبير على الخطأ، فالشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله في تسجيله للمصحف المجود قرأ من سورة الأعراف (أوعجبتم أن جاءكم رجل منكم) بدلا من (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم)، وفي تسجيل آخر خارجي في سورة آل عمران من المسجد الأقصى قرأ (وليعلم الله الذين آمنوا منكم ويتخذ منكم شهداء) بدلا من (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء) زاد لفظ منكم بعد آمنوا، وهذه التسجيلات موجودة على موقع اليوتيوب لمن أراد أن يرجع لها، فهل هذا يجعلنا نطالب بمنع تسجيلات الشيخ المنشاوي من الإذاعة أو عدم الاستماع له ونتهمه بأن حفظه غير متين أو نشكك في لجنة الاستماع بالإذعة!

وأختم مقالي بمجموعة من الأخطاء التي وقع فيها أئمة الحرم المكي أثناء الصلاة بالناس وهذه الأخطاء موجودة في فيديوهات على اليوتيوب، ولم نجد من طالب بإيقاف أحد منهم أو إحالته إلى التحقيق وهم يصلون بالناس عند بيت الله الحرام!

  • الشيخ سعود الشريم يخطئ في أول سورة البقرة مرتين فيقرأ (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للعالمين) بدلا من (للمتقين).
  • الشيخ عبدالله عواد الجهني يخطئ في أول آل عمران (نزل عليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من التوراة) بدلا من (لما بين يديه وأنزل التوراة).
  • الشيخ عبدالرحمن السديس قرأ من سورة النساء (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تستغسلوا) بدلا من (تغتسلوا).
  • الشيخ ماهر المعيقلي قرأ من سورة هود (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد إلا قليلا) ويكررها ثلاث مرات بدلا من (عن الفساد في الأرض إلا قليلا).
  • الشيخ ياسر الدوسري قرأ من سورة القصص (وأخي هارون هو أشد مني لسانا) بدلا من (هو أفصح مني لسانا).