الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رومان بونكا.. ألماني تعلق بـ عود السنباطي ومات في مصر بحثا عن سره

الموسيقار الراحل
الموسيقار الراحل رومان بونكا

«الكلمات الأخيرة هي كلمات مفقودة، في عالم من الصوت والموسيقى.. يجعل المرء يتقبل ضوضاء الحياة المستمرة» كانت هذه فلسفة عازف العود الألماني الراحل رومان بونكا، الذي توفي أمس عن 71 عاما بعد معاناة مع مرض السرطان، وحبه للموسيقى جعله أحد أفضل عازفي العود في أوروبا، بل موسيقاه وحدت الأنماط والثقافات المختلفة.

تجربة رائدة

أذنه التي جابت من الشمال للجنوب، ومن الغرب للشرق، جعلت رومان بونكا (2 ديسمبر 1951 -12 يونيو 2022) عازف عود من الطراز الأول، جاء إلى مصر قبل 30 عاما بحثا عن “ملحن أم كلثوم” حتى رأى في الحياة المصرية أن كل شئ ملهما لموسيقى جذابة.

 يمكن سماع مؤلفاته وعزفه في فرق تجريبية رائدة مثل “Embryo” و"Missus Beastly" بالإضافة إلى التعاون الذي لا حصر له مع مجموعة متنوعة من الموسيقيين، ليعد رومان بونكا هو أحد الموسيقيين النابضين بالحيوية القادمين من ألمانيا.

كانت أولى مشاركاته الموسيقية والعزف مع عائلته، كان مهووسا بعزف “هندريكس” ولاحقا “هالسول”، واشترك كلاهما بأنهما كانا يعزفان باليد اليسرى، ثم أعجب بموسيقى “زابا، وجون ماكلوفلين وتيرجي ريبدال”.

البحث عن رياض السنباطي

كان يعزف على الجيتار، ثم بدأت رحلته في السبعينات للعزف على العود العربي، لتنطلق رحلته مع هذه الآلة، كشف “رومان بونكا” سر تعلقه بهذه الآلة لأول مرة في حوار قديم أجري معه قبل 3 أعوام، وقال أنه لمس أول عود في اسطنبول حوالي عام 1972.

عزفه على العود جاء  نتيجة لإعجابه بالموسيقى “الساحرة" كما وصفها، لرياض السنباطي، أثناء تجوله في رحله بجنوب إسبانيا، قرر سماع المزيد والمزيد من موسيقاه، وكان يسأل عنه بـ “ملحن أم كلثوم”.

مرت الأعوام وقرر رومان المجئ إلى البلد التي نشأ فيها السنباطي، وجاء إلى مصر في عام 1982، كانت وجهته الأولى القاهرة للبحث عن مدرس للموسيقى العربية الكلاسيكية، تعلق بالعود لأسباب أخرى ومنها القدرة على العزف موسيقى طرب أكثر من الجيتار، بالإضافة إلى مواجهة عدد من المشاكل خلال العزف على الجيتار ومنها عدم توفر الكهرباء في الكثير من الأحيان.

مزيج الموسيقى الغربية والشرقية

علاقته بالموسيقى كانت متناقضة دائما، ولكن دفعته التجربة “الشامانية” كما وصفها إلى الاستماع للموسيقى بعمق وفهم أكبر، وحين قدم عرض في عام 1971 مع فرقة “إيمبريو” كانت أفضل فرقة ألمانية سمعها على الهواء مباشرة.

كانت هذه الفرقة أفضل فرقة سمعها، وكان سعيدا حينها بدعوة “كريستيان بورشارد” الذي أحب عزفه، لزيارة الفرقة في ميونيخ، وكان قد لعب قبلها مع فرقة موسيقية محلية في “فورتسبرج” بين عامي 1967و 1969، ثم بدأ لاحقا عزف فرقة “مونجو” وكان عازف الدرامز هو كلاوس فانكي الذي انضم لاحقا إلى تون ستين شيربين في برلين للتسجيل.

استمر في العزف مع فرقة “إمبريو” وسجل عدة ألبومات، ومنها في عام 1975، الذي كان أول ألبوم يركز على الكلمات المختلفة، وكانوا في هذه الفرقة يكتبون الأغاني بمفهوم مختلف لكل ألبوم.

الحصول على لحن مميز، كان أمرا صعبا دفعهم للقاء الموسيقيين في أفغانستان لتعد التجربة الشخصية الأقوى في حياته، واستطاع من خلال التعلم منهم إنتاج خليط موسيقي عالمي إندماج رائع بين العناصر الشعبية في الشرق الأوسط.

مزاق الموسيقى الهندية

بعد جولة في الهند مع فرقة “إمبريو” غادر الفريق، جاء هذا القرار انطلاقا من شعوره بأن هذه الفرقة تحتاج إلى موسيقيين مختلفين، ولكن بعد مغادرته لم يتم تجديد أي شئ بل وانتهى تاريخ الفرقة، ثم عاود كريستيان بورشارد التواصل معه خلال بحثه عن موسيقيين جدد. 

وبعد تسجيل شهر واحد شكل ثلاثيا لعزف موسيقى الروك الكلاسيكية، وحينها قرر التخلي عن الجيتار الكهربائي مستخدما العود الشرقي لاستيعاب التجربة الشرقية حبا في موسيقى الهند التي تعلق بها.

وصف “رومان بونكا" أسلوبه بأنه يفضل الموسيقى النموذجية، لذلك لم يفضل التعامل مع الكثير من الأوتار، لكن حاول التوافق مع اللحن، تدرب كثيرا على العزف بشكل عام ولكن لم يكن مهتما بتقنيات الجيتار.

سر الحياة

كان الصوت بالنسبة له سر نجاح كل شئ، كأنه سر الحياة، واتجه لتأليف موسيقى الأفلام، ومنذ أن تعمق في الموسيقى الشرقية، كان العزف على العود يجعل له طابعا مميزا في العزف على الجيتار.

خلال تجربته للحياة في مصر، عمل مع عدد من الفنانين مثل محمد منير، عبده داغر، فتحي سلامة، وقال عن العمل معهم: “فتح محمد منير الباب أمام تجربتي المصرية ، فمن خلال العمل معه التقيت بالعديد من الموسيقيين والموسيقيين الكلاسيكيين والفلكلوريين وموسيقيي الشوارع والنجوم مثل بليغ حمدي”.

حرية الموسيقى التصويرية

وتابع: "لكن من خلال بحثي الخاص قابلت "كريم" عازفي العود والملحنين من كل العالم العربي ، مثل زياد الرحباني ، حمزة الدين ، محمد زين العابدين ، شربل روحان، ناصر شامة ، سيد الشريبي ، فتحي سلامة ، عبدو داغر ، جيلالا ، موسيقيو كناوة ، إلخ".

قدم المخرج السينمائي فريتز بومان فيلم "العود" في الثمانينيات ، والذي أصبح الآن فيلمًا رومانسيا، ثم عملا معا لسنوات عبر تأليف رومان موسيقى أفلامه، ثم عمل مع المخرجين “هينير” و"دوري".

الموسيقى التصويرية للفيلم كانت تمنحه الكثير من الحرية، مثل  فيلم “توماتيتو” وكان الاختلاف عن باقي أعماله أنه يتلقي عن الحانه أجرا، فقد أعطته موسيقى الأفلام فرصة لتطوير المسرح والسينما.

قضى أعوامه الثلاثة الأخيرة في العمل الموسيقي مع أصدقاءه من مصر، مثل محمد منير الذي وصفه بـ “الأخ” و أيمن مبروك، وايمن عصفور، وموسيقيين سوريين تقطعت بهم السبل في ألمانيا مثل إيهاب أبو فاخر، والعمل أيضا مع المغربي محسن رمضان.