الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لله تعالى في خلقه ثلاثة مرادات .. علي جمعة يوضح

علي جمعة
علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن مراد الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة مراداتٌ ثلاثة.

مراد الله من الحياة 

وتابع علي جمعة في بيان هذه المرتدات الثلاثة: عبادة الله ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، ومفتاح ذلك ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ ؛ ولذلك كان رسول الله ﷺ يقول: «قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن» لأنها هي الضابط لمرادٍ من المرادات الثلاث، الأول: قضية التوحيد التي أُمرنا بها، وأن نُبلّغها للعالمين، وهي التي قامت عليها السماء والأرض وما بينهما، والخلل في التوحيد خطيرٌ، يُغضب الله سبحانه وتعالى، ويشتت الناس في الغرض الثاني.

وأوضح المراد الثاني: وهو عمارة الدنيا ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة:30]، قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود:61]، أي طلب منكم عمارتها؛ ولذلك فأنت مطلوبٌ أن تُعمّر هذا الكون في دينك، وأصل كتابك، بل وأصل خلقتك، فإن الله سبحانه وتعالى ما خلق ابن آدم ووهبه العقل إلا من أجل أن يعبده، وأن يُعمّر الأرض من خلال تلك العبادة، والمراد الثالث: حسن الخُلق –تزكية النفس-، وحسن الخُلق هو أساسٌ من الأسس الأولى والكبرى التي دعا إليها رسول الله ﷺ ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ ، والنبي ﷺ وصف لنا فضائل الأعمال قال في شأن الوضوء: «وإسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة إلى الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط» وقال في شأن الصلوات الخمس: «أرأيت لو أن أحدكم على باب بيته نهرٌ غمْر» يعني كثير الماء «يغتسل منه خمس مراتٍ في اليوم أرأيت أن يبقى من درنه شيء؟» قالوا: لا يبقى من درنه شيءٌ يا رسول الله، نظيف يغتسل يوميًا خمس مرات، قال: «فهذه هي الصلوات الخمس» لأنه قال: «من الصلاة إلى الصلاة كفارةٌ لما بينهما، ومن الجمعة إلى الجمعة كفارةٌ لما بينهما، ومن رمضان إلى رمضان كفارةُ لما بينهما، ومن العمرة إلى العمرة، ومن الحج إلى الحج كفارةُ لما بينهما».

 


واستشهد بقول رسول الله ﷺ في شأن الأذان: «المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» فضلٌ جليل كبير وقال: «لو علمتم ما في الصف الأول من فضلٍ لاستهمتم عليه» إذًا بيّن لنا فضائل الأعمال، حتى قال في الصوم في الحديث الذي يرويه عن ربه سبحانه وتعالى «أما الصوم فإنه لي» يعني لله «وأنا أجزي به» بيّن لنا فضائل الأعمال، لكنه جاء في حُسن الخلق، وقال بعد ما تقرأ في فضائل الأعمال أحاديث كثيرة، وبعد ما تقرأ صفحات كثيرة قد تصل إلى حد الكتب، وتفرح بهذه الأعمال، وبأنك إذا فعلتها فأنت على الصراط المستقيم، لكنه جاء فنبّهك فقال: « مَا شَىْءٌ أَثْقَلُ فِى مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيَبْغَضُ الْفَاحِشَ الْبَذِىءَ ». وبين علي جمعة أن حسن الخلق أثقل الأعمال في الميزان، صلّ فإن الصلاة ركن، أذّن فإن الأذان فضل، اذكر فإن الذكر لا يعدله شيء ؛ ولكن الذي يبقى حسن الخلق؛ ولذلك كان النبي ﷺ يقول في وصاياه: «وأن تخالق الناس بخلقٍ حسن» ويقول ﷺ : «أحسن الحسن الخُلق الحسن» ، وهو أوتي عظيم الأخلاق قال ربه في وصفه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ، وإذا عددت ما في الأحاديث، وقد ورد إلينا نحو ستين ألف حديث عن سيد الخلق ﷺ ، تجد ألفين فقط في كل الشريعة من أولها إلى آخرها في الصلاة، وفي البيوع، وفي الزواج، وفي القضاء، وفي العلاقات الدولية، وفي الحرب، وفي السلم تجد ألفين، والبقية الأخلاق المرتبطة بالله رب العالمين بالعقيدة، بالتوحيد، إذًا خمسة في المائة من الشريعة تتكلم عن كل شيء، وخمسة وتسعون بالمائة تتكلم عن الأخلاق.
وشدد لما رجع النبي ﷺ إلى المدينة في مرةٍ من المرات قال فيما أخرجه البيهقي في الزهد: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس» الجهاد التي مرت به المدينة استغرق شهرين ثلاثة أربعة خمسة، ولكن هذا منذ أكثر من خمسين سنة؛ فما الذي تفعله أيها المؤمن بعد الجهاد الأصغر؟ تفعل جهادًا أكبر، تعبد ربك، وتتبع نبيك، وتُعمّر الأرض، وتُحسن الخُلق، فهذا هو الجهاد الحقيقي، وهذا هو الجهاد في الله.
وأكمل: جاءنا النبي ﷺ فوسّع لنا معنى الجهاد، لم يعد الجهاد هو القتال في سبيل الله، وهو جهادٌ بلا شك، والقتال في سبيل الله فضله ليس بعده فضل؛ لأنك تصد عن الحوزة؛ لأنك تصد العدوان، وترفع الطغيان؛ لأنك تحمي البلاد والعباد من الظلم والظلمة، فحقيقٌ علينا أن نقاتل في سبيل الله، وأن ننتصر، وأن يكرمنا الله سبحانه وتعالى بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، ولكن رجعنا من الجهاد الأصغر فما الذي علينا؟ علينا هذه الثلاثة، علينا عبادة الله، وعلينا عمارة الأرض، وعلينا حسن الخُلق.
كثيرٌ من الناس حُرم حسن الخُلق، نراه يصلي، ونراه يُزكّي، لكن لا نرى قلبه، ولا نراه قد ملأه بالأنوار المحمدية المصطفوية التي تجعله في نطاق حسن الخُلق، قاوم نفسك، درّب نفسك، ربّ أولادك على حسن الخلق العالي، فقد كان النبي ﷺ أتى إلى هذه البشرية من أجل هذا فقال: «إنما» للحصر والقصر «بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وكان سيدنا ﷺ يحب حسن الخلق من الكافر كما يحبه من المسلم، وكان يتذكر حاتمًا الطائي وهو الكريم الذي اشتهر كرمه فجاءته ابنته فخلع عباءته، وأجلسها عليها وقال: «إن أباك كان يُحب مكارم الأخلاق» طمعت البنت، قالت: أهو في الجنة؟ قال رسول الله: «لا، هو في النار» =فلماذا وهو في النار تُكرم ابنته؟ لأنه كان يُحب مكارم الأخلاق، ومكارم الأخلاق إذا ما صدرت من هذا المشرك يعني تستحق الحمد؟ نعم، تستحق الحمد والشكر، نعم تستحق أن نُكرم ابنته من أجل هذا الذي قدّمه= فقال: «إنما كان يفعل ذلك لسمعةٍ يتسمعها»، كان يريد أن يُقال حاتم أكرم العرب.
وكلما ذكر ابن جدعان تبسّم، وابن جدعان هو الذي تم في بيته حلف الفضول الذي قال فيه: «والله لو أنهم دعوني إليه في الإسلام للَبّيت»، فكان كلما ذُكر ابن جدعان تبسّم، فقالت عائشة: ما بالك يا رسول الله كلما ذُكر عبد الله بن جدعان تبسّمت؟ قال: «كان عنده قصعة» طبق كبير «يُصعد إليه بالسلالم يثرد فيه الثريد» يفت فيه الفتة باللحمة «لضيوف الرحمن» كان معجب النبي بهذا الكرم، بسعة الصدر، بالخُلق الذي كان عليه عبد الله بن جُدعان فقالت: أهو في الجنة؟ قال: «لا» -الجنة هذه بيد الله تعالى لا تدخل لنا فيها ، إنما في الدنيا نحب الخلق الحسن من كل إنسان، أما يوم القيامة فهو بيد الله هو مالك يوم الدين-، فقال: «لا، لم يقل يومًا قط رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» فاللهم يا ربنا اغفر لنا خطايانا يوم الدين.. اللهم إنا ضعاف فاقبلنا على ضعفنا، وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، ووفقنا إلى ما تحب وترضى.
واختتم علي جمعة قائلاً :حُسن الخلق هو الأساس لحياةٍ سليمة، ولجهادٍ مقبول ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج:78]، وحّدوا الله سبحانه وتعالى بألسنتكم، وبقلوبكم، وعمّروا الأرض، وكونوا مثالًا صالحًا أمام البشر كلهم في حسن الخلق تأسيًا بالنبي المصطفى، والحبيب المجتبى ﷺ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ ، نعم اجعلوا رسول الله ﷺ شهيدًا عليكم، وأسوةً لكم ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ ، ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ ، سواءٌ في الجهاد الأصغر، أو في الجهاد الأكبر الذي هو جهادٌ مستمر.