الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ذكرى ثورة 1952.. سامح الزهار: توهجت الحياة الثقافية في تلك الفترة

صدى البلد

الهمت ثورة 1952 الكثير من الكتاب و الادباء في كتاباتهم فبعد الثورة ازدهرت الحياة الثقافية في مصر بشكل ملحوظ ومازالت ابداعات تلك الفترة موجودة الى وقتنال الحالي وفي ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 تحدث الكاتب و المؤرخ سامح الزهار عن حوليات الثقافة المصرية بعد ثورة 1952 و قال :"دائمًا يكشف التاريخ بلا مواربة عن حقيقة بسيطة مؤداها أن لا شيء يمكن أن يتفق عليه عموم الناس، لكن المتفق عليه غالبًا هو السياق التاريخي بما يحمله من أنماط اجتماعية، ولذلك فإن يوليو 1952 كانت ولا تزال من النقاط الفارقة في تاريخ مصر بما لا يدع مجالاً للشك أنها كانت حتمية تاريخية أثمرت تغيرًا اجتماعيًا غير وجه الحياة المصرية".

 

وتابع :"كما أثرت "يوليو" في شكل الحياة السياسية فإنها أيضًا أثرت على مجالات الحركة الثقافية، الأدبية والنقدية والفكرية بشكل عام، وقد ألهمت الثورة كتابها ومفكريها من جيل الرواد في فترة الخمسينيات والستينيات، تلك الفترة التي شهدت توهجًا في الحياة الثقافية المصرية، وما تم بها من رواج على مستوى كبار الأدباء الذين أثروا المكتبة العربية بإبداعات لا تزال باقية حتى اليوم،  كما برز عدد كبير من نجوم الأدب الذين أصبحوا مؤسسين لأدب مصري بلغ العالمية مستلهمًا أفكاره وأحلامه من تلك المرحلة التاريخية الفارقة".

واوضح :"في سنة 1958 قرر الرئيس جمال عبد الناصر أن يكون في مصر وزارة مسؤولة عن إدارة الثقافة وقد جعل على رأسها أحد أهم رجال عصره المهمومين بإدارة الشأن الثقافي وهو الراحل ثروت عكاشة، وبالفعل أصبح عكاشة أول وزير للثقافة والإرشاد القومي، وهو من أشهر وزراء الثقافة ليس في مصر فقط ولكن في المنطقة العربية ككل، وقد تولى عكاشة تلك النهضة الثقافية على فترتين الأولى من سنة 1958 إلى سنة 1962 ، والثانية من سنة 1966 حتى سنة 1970، تلك الفترتين كانتا هما الأهم في إدارة المشهد الثقافي المصري والذي عبر عن فقه الثورة وتوجهاتها حتى استطاع أن يحدث تغييرات عميقة في هذا الملف مما أدى إلى حدوث نهضة كبرى في المستوى الفكري وتكوين الشخصية الثقافية لمصر الثورة".

 

واكد متابعا :"وفي تلك الفترة أرسى عكاشة البنية الأساسية للمنظومة الثقافية فقد أنشأ عدد كبير من القطاعات والمؤسسات والهيئات المعنية بالتثقيف العام مثل دار الكتب والوثائق القومية، والتي كانت تحوي في ذاك الوقت نحو نصف مليون مجلد من الكتب والمخطوطات القيمة، للمحافظة على التراث المصري بداخله، وتأسيس فرق دار الأوبرا المختلفة مثل أوركسترا القاهرة السيمفوني وفرق الموسيقي العربية، والسيرك القومي ومسرح العرائس، والاهتمام بدور النشر، حيث تم تأسيس المكتبة الثقافية، والتي كانت النبتة الأساسية لمشروع مكتبة الأسرة، حيث تقدم الكتب بسعر بسيط لتصبح في متناول عموم المصريين، كذلك المجلس الأعلى للثقافة، وهو حينها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، والهيئة المصرية العامة للكتاب وفي سنة 1945م عرفت مصر لأول مرة "الجامعة الشعبية" والتي تحولت في 1965م إلى "الثقافة الجماهيرية" تلك المؤسسة الأهم في العملية الثقافية والتي تعتبر وزارات ثقافة مصغرة في المحافظات والأقاليم والقرى وربما النجوع، وقد طرحت الثقافة الجماهيرية عدة مشروعات كبرى حينها منها مشروعها الضخم "الكتاب الأول" وهو أحد أبرز مشروعات النشر الحكومي في مصر لتشجيع المبتدئين من الكتاب على نشر إبداعاتهم وبحوثهم في كافة المجالات الثقافية والفنية مما يسهم في رفع الوعي العام للمصريين، كذلك تدشين نهضة حقيقية في مجالات فنون الطفل وأنشطة اليافعين في مختلف المحافظات وقد عملت الهيئة على نشر الاستنارة، وتحقيق وعي ثقافي شامل لكل طبقات المجتمع، وتحويل مسار الفنون للشارع المصري  بدلا من اقتصارها على الطبقة المثقفة، وقد صدر القرار الجمهوري سنة 1989م والذي يقضي بتحويل الثقافة الجماهيرية إلي هيئة عامة ذات طبيعة خاصة وأصبح اسمها الهيئة العامة لقصور الثقافة والتي احتفظت بنفس الاسم حتى الآن".

 

 واكد:"على صعيد النشر بشكل متخصص وواسع المدى والانتشار والتأثير، كانت خطة الحكومة المصرية منذ الخمسينيات بإنشاء هيئة معنية بمجالات النشر والترجمة، وفي مطلع الستينيات كانت البداية الحقيقية على أرض الواقع لتأسيس هيئة نشر كبرى مرت بمسميات وأشكال متعددة إلى أن أصبحت الهيئة المصرية العامة للكتاب على شكلها القائم من خلال عدة قرارات جمهورية صدرت منذ 1961 حتى 1994، حتى فكان قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 1813 لسـنة 1961 بإنشاء الهيئة العامة للأنباء والنشر والتوزيع والطباعة  وهي هيئة ذات طابع اقتصادي وتلحق برئاسة الجمهورية، وكان الهدف من إنشاء هيئة ثقافية رائعة فى حجم هيئة الكتاب لتضييق الفجوة الثقافية بين مصر وبين شعوب العالم المتقدم من خلال تكاتف الجهود التى تبذلها وزارة الثقافة وتحقيقًا لمزيد من الرقى والتقدم وبما يليق باسم مصر وحضارتها واستكمال خارطة مستقبلها بما يليق، كما قامت الهيئة بكافة التسهيلات للتعريف بالإنتاج الفكرى العربى والعالمى، وإعادة طبع ما يمكن تحقيقه من كتب التراث، وكذلك تأليف وترجمة الكتب الثقافية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وطبع ونشر وتسويق الكتاب المصرى على المستوى المحلى والعربي والدولي وقد أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب عدد كبير من الكتب التي تتناول الثورة والرئيس جمال عبد الناصر منها ‏كتب:‏ ‏معركة الجلاء ووحدة وادي النيل‏، الولايات المتحدة وثورة‏23‏ يوليو، قصة عبد الناصر والشيوعيون‏، سنوات ما قبل الثورة، الوثائق السرية لثورة ‏23‏ يوليو، تأملات في ثورات مصر‏،‏ عبد الناصر والحرب العربية الباردة‏،‏ ثورة يوليو والحقيقة الغائبة،‏ مصر قبل عبد الناصر‏،‏ ثورة ‏23‏ يوليو‏,‏ الحقيقة عن ثورة ‏23‏ يوليو‏،‏ ليلة ثورة يوليو، وغيرها من سلاسل الكتب الضخمة التي اعتنت بنشر التراث العربي”

 

واتطرد متابعا :"لقد كان للتطور الكبير الذي مرت به مصر في بداية القرن العشرين أثره في نمو حركة التأليف والترجمة في مختلف نواحي المعرفة الإنسانية، حتى إذا كانت سنة 1930 ضاقت مخازن دار الكتب بمختلف أنواع المقتنيات، وبموظفيها وروادها من المطالعين، لذلك أخذت الدار منذ ذلك التاريخ تطالب بإنشاء مبنى جديد يساير التطور العالمي في نظم المكتبات الحديثة في ذلك الوقت، ففي سنة 1935 وقع الاختيار مبدئيًا على أرض الحكومة بجهة درب الجماميز، واختير موقعا "بأول شارع تحت الربع"؛ لقربه من مكان الدار في ذلك الوقت الذي اشتهرت به، ورأى المجلس سنة 1938 أن خير موضع تُبنى فيه دار الكتب هو أرض سراي الإسماعيلية، وقرر في مارس من السنة نفسها الشروع في عمل مسابقة عالمية؛ لوضع التصميمات اللازمة للمبنى الجديد، وفى يونيو 1938 وافق المجلس الأعلى للدار على الرسم التخطيطي للمبنى الجديد، كما ورد للدار صورة من خطاب مصلحة المباني الأميرية لوزارة الأشغال بطلب اعتماد مبلغ مائة وخمسون ألف جنيه؛ لإمكان الشروع في تنفيذ المبنى الجديد، وفي يوليو 1938 كتب وزير المعارف – محمد حسين هيكل باشا- إلى وزارة المالية يطلب تخصيص جزء من الاعتماد المدْرَج في عام 1938 في ميزانية مصلحة المباني للبدء في المبنى الجديد لدار الكتب. ووُضعت الخطة بحيث يبدأ البناء سنة 1939، إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية قد عوق بدء البناء وفي سنة 1959، طالب ثروت عكاشة- وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى لدار الكتب في ذلك الوقت- بتمويل مشروع المبنى الجديد للدار، من ريع أوقاف الدار. وفي 23 يوليو 1961، وُضع حجر الأساس للمبنى الجديد على كورنيش النيل برملة بولاق، وبُدىء في نقل رصيد الدار والموظفين إلى المبنى الجديد تدريجيًا ابتداء من سنة 1971 وحتى 1978 وذلك بالرغم من عدم استكمال المبنى؛ لانتقال دار الوثائق التاريخية، والمكتبة المركزية من قصر عابدين إلى مبني باب الخلق، وتمتلك دار الوثائق القومية العديد من الوثائق الهامة المتعلقة بالثورة ومنها: تنازل الملك فاروق عن العرش عقب إعلان الثورة، وكذلك الوثائق المتعلقة بالإنذار الموجه للملك السابق 26/7/1952 ، وقرارات مجلس الثورة بإلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية فى 18/6/1953، قرارات مجلس الثورة بمصادرة أموال الملك السابق فاروق، وإلغاء الحراسة 27|9|1953‏، قرارات مجلس الثورة بتأليف الوزارة (17|4|1954)، وأيضا قرارات مجلس الثوة بتخلي اللواء أركان حرب محمد نجيب عن رئاسة الوزراء، وتكليف البكباشي جمال عبد الناصر بتأليف الوزارة ‏17|4|1954‏، قرارات مجلس الثورة باسترداد أموال الشعب وممتلكاته من أسرة محمد علي، ووثيقة خاصة بالإسراع بعمل مشروع انشاء التليفزيون، وغيرها من القرارات والوثائق المهمة التي تخص تلك الفترة".

 

واضاف متابعا:"أما المجلس الاعلى للثقافة، فهو العقل الذي يدير الثقافة المصرية ويحفظها ويرسم الخطط والمشروعات الكبرى، ففي عام 1956 صدر قرار إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كهيئة مستقلة ملحقة بمجلس الوزراء تسعى إلى تنسيق الجهود الحكومية والأهلية فى ميادين الفنون والآداب، وكان المجلس بهذه الصورة هو الأول من نوعه على المستوى العربى؛ الأمر الذى دفع العديد من الأقطار العربية إلى أن تحذو حذو مصر وتشكل مجالس مشابهة، وبعد عامين أصبح المجلس مختصًا كذلك برعاية العلوم الاجتماعية، وعلى مدى ما يقرب من ربع قرن ظل المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية يمارس دوره فى الحياة الثقافية والفكرية فى مصر، وقد شهد المجلس الأعلى للثقافة حينها طفرة فى أنشطت، وأضحى مركز إشعاع للثقافة والفكر على المستوى المصرى والعربى، وقلعة من قلاع التنوير والاستنارة؛ من خلال المؤتمرات والندوات التى ينظمها ويشارك فيها لفيف من المفكرين والمثقفين العرب، والتى أصبحت مناسبة للتفاعل الثقافى على المستوى العربى فضلاً عن مشاركة بعض أبرز الباحثين فى المؤسسات الأكاديمية فى العالم شرقه وغربه فى أنشطة المجلس  الذي يعد أحد أبرز مُنتجات يوليو الرصينة والمتأمل في الأربعة عقود التي مضت منذ إنشاء أكاديمية الفنون عام 1969 يجد فيها من الفوائد والفرائد الكثير مما يستدعي حالة التوهج الثقافي التي نشأت من خلاله، وهى أول جامعة لتعليم الفنون ذات طبيعة منفردة في الوطن العربي وهذه الأعوام تعنى الكثير بمقياس العطاء والإسهام الحقيقي في البناء الحضاري وان كانت لا تمثل شيئا فى عمر الزمن، فإنها تبرهن على أن الفنون ليست ترفًا وإنما أحد المكونات الرئيسية لجوهر الإنسان ولأهمية الفنون أحد مقومات الحضارة أولت الدولة لها كل رعاية وعناية وتشجيع لذا أنشأت الدولة عدداً من المعاهد العالية للفنون كان أولها معهد الفنون المسرحية عام 1935 وتوالت المعاهد الفنية بعد فترة من إنشاء المعاهد تكشفت الحاجة إلى ضرورة وجود هيئة تنظمها جميعا وتنسق فيما بينها وتساعدها على أداء وظيفتها ومباشرة أعمالها".

 

واوضح مؤكدا:"ففي عام 1969 صدر القانون 78 بإنشاء أكاديمية الفنون إلا أن أحكامه جاءت بالغة الإيجاز ولم تتناول الأمور الهامة المنظمة لنشاط الأكاديمية ، وفي عام 1981 عدل القانون بقانون أخر رقم 158 بإعادة تنظيم الأكاديمية، كذلك في عام 1989 صدر القانون رقم 401 بأعمال أحكام اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات رقم 49 لسنة 72 على أكاديمية الفنون وحددت المادة الأولى للقانون 158 لسنة 1981 اختصاصات وأهداف الأكاديمية بأنها تختص بكل ما يتعلق بتعليم الفنون والبحوث العلمية التي تقوم بها معاهدها في سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضارياً كما تسهم في رقى الفكر والفن والقيم الإنسانية والاتجاه بالفنون اتجاها قومياً يرعى تراث البلاد وأصالتها".

 

وتابع:"ويعود الفضل إلى ثروت عكاشة في بناء أكاديمية الفنون بمعاهدها الفنية المتخصصة المختلفة، وذلك بعد توليه مسئولية وزارة الإرشاد القومي بسنة واحدة، ومن خلال تلك المؤسسة استطاع الانطلاق بمصر من المحلية إلى العالمية، فقد كانت هي إشارة البدء لتعليم الفنون العالمية، والانفتاح عليها، وتأهيل الكوادر الفنية المصرية في كثير من المجالات الفنية المختلفة".

 

وانهى قائلا:"بلا شك ستظل يوليو 1952 محركًا كبيرًا للأحداث ولاعبًا رئيسًا في السياسات المحلية والإقليمية بما تركته من آثار سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، تحركت على هامشها الحركة الثقافية حتى أصبحت متون الثقافة أقوى من هوامش السياسة ورسمت ملامحًا جديدة لشكل حياة مصر والمصريين كان عمادها الفنون والآداب، وحتى اليوم فإننا نحيا على جزء كبير جدًا من هذا الإرث الثقافي الكبير".