الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإحسان للحيوان في الإسلام.. كيف تعامل الرسول معها في حالات النفع والضرر؟

الكلاب
الكلاب

الإحسان للحيوان في الإسلام ، يعتبر مبدأ الإحسان إلى الحيوان والطيور وتوفير مكان ظليل لها، وتعهد النباتات بالسقيا مما دعا إليه الإسلام، ورتَّب عليه الأجر والثواب، سيما في الأيام الحارة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن سيدنا رسول الله ﷺ قال: «في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ». [ متفق عليه].

 

تعامل النبي مع الحيوان

تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الكائنات الحية برفق ولين، ولعل أبرز مثال على ذلك تلك الدابة التي شقت الطريق لتصل إلى رسول الله فما كان منه إلا أن وجّه اللوم لصاحبها وأنها تشكوه إليه، فضلًا عن القطة التي كانت سببًا في دخول امرأة النار نتيجة التعامل السيئ معها، وأخرى دخلت الجنة في كلب أحسنت إليه.

ولفت إلى أن الإحسان للحيوان من جملة الأمور التي أُمرنا بها باعتبار أن الله قد كتب الإحسان في كل شيء وعلى كل شيء، فنحن في حاجة إلى أن نتعامل مع الحيوان على أنه مخلوق جاء ليعين الإنسان على قضاء بعض حوائجه.

التعامل مع الكلاب الضالة

قالت دار الإفتاء المصرية، إنه من القواعد الفقهية المقررة شرعًا أنه "لا ضَررَ ولا ضِرارَ"، ولذلك منع الشرع من اتخاذ الكلب إذا كان مؤذيًا، وجعل حقًّا للإنسان أن يدفع ضرر الحيوانات المؤذية عن نفسه ما استطاع ولو بقتلها إن لم يندفع ضررُها إلَّا بقتلها.

وأضافت دار الإفتاء فى فتوى لها، أن النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَمسٌ فَواسِقُ يُقتَلنَ في الحِلِّ والحَرَمِ: الغُرابُ، والحِدَأةُ، والعَقرَبُ، والفَأرةُ، والكَلبُ العَقُورُ» متفق عليه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولا مفهوم هنا للعدد، بل غير الخمس يشترك معها في الحكم إن شاركها في علة الإيذاء والضرر؛ فقد زاد مسلم "الحَيَّة" في رواية، وزاد أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "السَّبُع العادي"، وزاد ابن خُزَيمة وابنُ المنذر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه "الذئب، والنَّمِر"، وجعلهما بعض العلماء تفسيرًا للكلب العقور.

وتابع: هذه تسعة حيوانات وردت في روايات مختلفة؛ جاءت للتنبيه بذكرها على ما في معناها من الحيوانات المؤذية، والحُكم يَدُور مع عِلَّته وُجُودًا وعَدَمًا؛ فليس كل الحيوانات الضالَّة مؤذيًا، والكلب المنهي عن اتخاذه إما أن يكون مؤذيًا -بنباحه وتخويفه للمارة أو عدوانه أو إتلافه ما له قيمةٌ أو غير ذلك- وإما لا يكون كذلك، فإن كان مؤذيًا فلا خلاف في جواز قتله إن لم يندفع ضررُه إلا بذلك، وإن كان غير مؤذٍ فالصواب أنه لا يجوز قتل ما لا ضرر فيه؛ لِما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن عبدِ اللهِ بنِ المُغَفَّلِ رضي الله عنه قال: "أَمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بقَتلِ الكِلابِ ثُم قال: «ما بالُهُم وبالُ الكِلابِ!» ثُم رَخَّصَ في كَلبِ الصَّيدِ وكَلبِ الغَنَمِ"، ولعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب الإحسان إلى الحيوان وعدم أذيته، وسيأتي سرد بعضها قريبًا.

وراعى الإسلام مسألة بقاء الوجود الحيواني في الطبيعة، ونهى عن التصرفات التي قد تؤدي إلى إحداث الاختلال في التوازن البيئي، وذلك من خلال تحذيره من إفناء السلالات الحيوانية في الطبيعة وحرصه على بقائها وعدم انقراضها؛ فأخرج الإمام أحمد في "مسنده"، وأصحاب السنن الأربعة، وابن حبان في "صحيحه" من حديث عبد الله بن مغفَّل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ»، قال الترمذي: حسن صحيح، ورواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" بلفظ: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ أَكْرَهُ أَنْ أُفْنِيَهَا لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا» وبنحو لفظه رواه الروياني في "مسنده".

وعلى ذلك فإنه لا يجوز قتل الكلاب الضالَّة إلا إذا كانت ضارة؛ كأن تصبح مهدِّدة لأمن المجتمع وسلامة المواطنين، وكان القتل هو الوسيلة الوحيدة لكفِّ أذاها عن الناس.

وأوضحت الإفتاء، أنه إذا قُتِلت الكلاب والحيوانات المؤذية يجب مراعاة الإحسان في قتلها؛ كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «إنَّ اللهَ كَتَبَ الإحسانَ على كُلِّ شَيءٍ؛ فإذا قَتَلتم فأَحسِنُوا القِتلةَ، وإذا ذَبَحتم فأَحسِنُوا الذِّبحةَ، وليُحِدَّ أَحَدُكم شَفرَتَه، وليُرِحْ ذَبِيحَتَه» رواه مسلم وغيره من حديث شَدادِ بنِ أَوسٍ رضي الله عنه. فلا تُقتَل بطريقة فيها تعذيب لها؛ ولذلك نَهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَن يُقتَلَ شَيءٌ مِنَ الدَّوابِّ صَبرًا.

ونوهت الإفتاء، بأن قتل مثل هذه الكلاب والحيوانات المؤذية ليس هو الطريقة المثلى لدفع ضررها، بل الأَولى في ذلك اللجوء إلى جمعها في أماكن ومحميات مخصصة لها كما فعله المسلمون في تعاملهم مع هذه الحيوانات وغيرها؛ حيث عملوا أوقافًا على الكلاب الضالة: وهي أوقافٌ في عدة جهات؛ يُنفَق مِن رِيعها على إطعام الكلاب التي ليس لها صاحب؛ استنقاذًا لها مِن عذاب الجوع حتى تستريح بالموت أو الاقتناء، إلى غير ذلك مِن أنواع الأوقاف المختلفة؛ رحمة بهذه الحيوانات ودفعًا لضررها، وحفاظًا في الوقت ذاته على التوازن البيئي الذي قد يُصاب بنوع من الاختلال عند الإسراف في قتل هذه الكلاب والحيوانات المؤذية، وهذا يدل على مدى الرحمة التي نالت في الحضارة الإسلامية كل شيء حتى الحيوانات.

وأشارت إلى أن قتل الحيوانات الضارة بالسم إذا كان عرضة لأذى البشر فإنه لا يجوز شرعًا؛ لأن أنفس الآدميين معصومة، والحفاظ على أرواحهم ومُهَجهم مقصد أساسي من المقاصد العليا الكلية في الشريعة الإسلامية، وكذلك الحال إذا أدى وضع السم إلى قتل الحيوانات غير الضارة؛ فإن قتلها غير جائز كما سبق.

ويمكن التخلص من الحيوانات الضارة بالطرق البديلة المذكورة في السؤال وذلك عن طريق التعقيم وغيره من الوسائل الرحيمة عوضًا عن السم، على أن يُرجَع في ذلك للمختصين المعنيين بالدراسات الحيوانية والبيئية التي تُظهر مدى تأثير ذلك على الحيوان من جهة، وعلى بقائه ووجوده وتناسله من جهة أخرى.