الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وثيقة ملكية الدولة

نهال علام
نهال علام

«عواد باع أرضه يا ولاد.. شوفوا طوله وعرضه يا ولاد.. الأرض أرضنا عن أبونا وجدنا وبكرة ولا بعده لعيالنا بعدنا».. تذكرت تلك الأغنية وأنا أتابع تعليقات بعض البرية على صفحات التواصل الاجتماعية تعليقاً على صدور وثيقة سياسة الدولة المتعلقة بالملكية.

قالوا عواد باع أرضه، ولم يتطرقوا لماذا وكيف… فظل عواد في الذاكرة فأراً باع أرضه وقبض ثمن عرضه وهرب يأساً، ولكن بقليل من البحث تعرف أن تلك لم تكن الحكاية وأن عواد كان بطلاً وماكان في حاجة إلا للإنصاف وصحيح الرواية.

القصة تعود للعصر الملكي فى قرية بمحافظة الشرقية عام ١٩٤٦م، وكانت الأرض تؤجر للفلاحين وتكتب عقود الإيجار من طرف واحد هو الدائرة، والفلاح عليه أن يدفع بالتراضي ويطرد من الأرض متى شاء اصحابها وعليه التغاضي، ولم يكن الفلاح يدفع الإيجار نقوداً، بل كان وكيل الدائرة يضع يده على كل ما تخرجه الأرض من محصول ويبيعه بمعرفته وبالثمن الذى يراه ويحصل على قيمة الإيجار كما يقدره، ويقرر أحيانًا يحتفظ بالمبلغ المتبقى فى خزانة الأمير!

دفع  عواد ما طلب منه لقاء ثماني فدادين، ولكن تغير المفتش الذي أجر له الأرض وجاء مفتش جديد طمع فيها، فطلب منه عواد ما دفعه مقابل التنازل عنها، فرفض المفتش واعتبر ماحدث تحدى للبرنس بشخصه، وأرسل خفراء ليخرجوه بالقوة، ووقف لهم عواد وقال لهم: «سأقابل القوة بالقوة ولن تمروا إلا على جثتى وبالفعل لم يستطع واحد من الخفراء أن يقترب منه، وبدأ الفلاحون يتناقلون القصة همسا، حتى صارت كالشمس فأصبح الحديث عنها جهرا، وكان ولابد من القضاء على تلك القصة حتى تختنق الأحلام في مهدها».

ولك أن تتخيل التطور الطبيعي للحكاية من الحبس ظلماً وحتى القتل غدراً، وبذلك لم يكن عواد إلا بطلاً، دافع عن أرضه وبذل في سبيلها ما لا يتحمله بشراً، وبعد كل تلك السنوات لازلنا نغزل الحكايات بنفس طريقة الجدات، وكأن لم يحن الوقت للتمرد على سلبيات بعض العادات!

فهل تلك الحكاية الظالمة ستدفعنا للتحلى ببعض الصفات العادلة فى قراءة مايدور بنا مما يتعلق بسياسات الدولة الاقتصادية والتنموية وما تقدمه لنا!

فإذا ذهبنا بالحديث عن وثيقة سياسة ملكية الدولة التى خضعت للكثير من الحكايات التى تحمل التدليس، بين الدولة التى تبيع أصولها لتسد رمق شعبها أو احكام السيطرة حتى لا يبنى ولا يستثمر غيرها! نجد أن ذلك لا يتجاوز كلام المصاطب، وليس إلا حديث عاطب خلفه من لم يقرأ عنها سطراً ويكتفي باللغو الضارب بأمانة النقل عرض الحائط.

فالوثيقة لم تأتي لزيادة ملكية الدولة ومنافسة القطاع الخاص، وأيضاً لا تتسرع في تفسيرها دون أن تتطرق بفهم واعى لبنودِها فهى لم تأتى لتبيع الدولة أملاكها، وتطرح ممتلكاتِها لمن يملك ثمنها، فمقدرات مصر ليست للاتاحة الغير مدروسة ولا للجمود الغير فاعل، إنما جائت الوثيقة لتعظيم الاستفادة من شركات القطاع العام الموجودة بالفعل مع اتاحة فرص حقيقية لتوسيع المجالات أمام استثمار القطاع الخاص بشقيه المحلى والأجنبي. 

وكما جاء في الوثيقة نصاً "إن الدولة المصرية تعى جيداً أن النشاط الاقتصادي ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما لتحقيق أهداف وغايـات اجتماعيـة، واسـتراتيجية، واقتصاديـة إذا مـا اقتضـت الحاجـة إلـى ذلـك، وأن هـذا التدخل ينتهـي بتحقيق تلك الأهداف وزوال الدوافـع مـن ورائهـا، فالأزمـات المتكـررة التـي مـرت علـى الدولـة المصريـة ومـا صاحبها من تداعيات على مختلف الأصعدة الاقتصاديـة والاجتماعيـة، اقتضـت فــي بعـض الفتـرات ألا تقـف الدولـة مكتوفـة الأيـدي دون تدخـل منهـا لحمايـة المواطـن المصري من تداعيات تلك الأزمات".

مما يعني أن الدولة ليست بتاجر إنما تواجدها لأبعاد محددة تضمن توفير احتياجات المواطن الأساسية التى تحقق الأبعاد الاقتصادية لتضمن السلامة الأمنية المجتمعية، مما يعنى أن خطة الدولة لها عدة محاور وهي التخارج أو الابقاء مع تثبيت أو الزيادة وربما التخفيض بحسب الاستراتيجيات المطروحة لضمان عدم المساس بالمواطن في المقام الأول، فكما ورد في الوثيقة سيتم تخارج من خدمات الغذاء والإقامة والبناء، كما تسعى الدولة لزيادة الاستثمار في التعليم والتخارج من الزراعة وزيادة الاستثمار في المعلومات والتكنولوجيا وتثبيت الاستثمارات في قطاع الكهرباء، وذلك على سبيل المثال لأصحاب اللسان ذوى الخبرة في الهبد بالمجان.

وثيقة سياسة ملكية الدولة تتيح  تعديل الشكل والإطار التعاوني بين القطاعين العام والخاص، لضمان استدامة الصناعة والاستثمار في القطاعين، بما يتيح عناصر جذب للاستثمار الأجنبي وتعزيز الثقة فى المؤسسات الداخلية للدولة، وتبعث برسالة اطمئنان للمستثمر المحلى، وهي تضمن خطة متكاملة الأهداف لتمكين القطاع الخاص وتنظيم تواجد الدولة في النشاط الاقتصادي وليست خصخصة في ثوب جديد يدارى سوئتها.

حجم الاستثمار في القطاع العام يمثل ٢٥٪؜ يقوم بتشغيل ٦٪؜ من عدد العمالة ويساهم بحوالى ١٥٪؜ من القيمة المضافة تتمثل في ٨ شركات قابضة و١٥٥شركة قطاع عام و٦٤٥ شركة مساهمة في شراكة بين القطاع والقطاع الخاص و٥٣ هيئة اقتصادية وهى مساهمة ضعيفة خاملة بحاجة للمراجعة، وإلا سيتم علاج هذا القصور باستنزاف موارد الدولة، وبالرغم من ذلك لم تعد رؤية الخصخصة مثل سابقها وهي بيع الأصول بأقل سعر يفتح الفساد ويظلم الدولة والعامل وبالتبعية المواطن، بل الرؤى الآن أن لا بيع إلا لشركة قائمة وناجحة لتحقيق أرباح ولتقديم استثمار ناجح جاذب، لذا على الشركات أن تنمو ويعاد تأهيلها لتحقيق أقصى استفادة منها.

نحن دولة يصنف اقتصادها أنه اقتصاد ناشئ أي الأشد تضرراً في مواجهة الآثار العالمية العنيفة التى تحيط بنا، بين مطرقة كورونا وسنديان الحرب الروسية الأوكرانية وشبح الحرب الصينية تدور رحا الاقتصاد ولكن بحسن الإدارة صامدة وبفضل الإرادة متقدمة ولكن يظل أكبر ما يهدد ذلك الاقتصاد هو اقتصاد الظل المحلى الذي يبلغ نصف حجم الاقتصاد الرسمي ولكنه غير مسجل ولا يخضع للشمول المالى ولا الضرائب والتأمينات، فهو هدر كامل للفرص في كل الجنبات.

مصر عظيمة تخطو بثبات نحو أهدافها في الجمهورية الجديدة، ولكن الحداثة تبدأ بالعقول التى تفهم وتحلل ثم تقول، فالتعامل المجتمعي مع تلك الوثيقة جاء محملاً برياح الجهل، وأراهن أن من بحث وقرأ هم قلة قليلة، بالرغم أن الكتيب الخاص ببنودها موجود على محركات البحث ويمكن الوصول له بسهولة كبيرة، ولكن يظل عواد رمزاً لأثر الحكايات المصنوعة بعبق الجهل والتكهنات.