الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هيبة القارة العجوز وصعود اليمين المتطرف|هل تنتشل جيورجيا ميلوني الأوروبيين من الوحل؟

جورجيا ميلوني
جورجيا ميلوني

حسمت إيطاليا أمرها في حدث غير مسبوق منذ عام 1945، ، واتجهت نحو اليمين المتطرف، مع نجاح حزب "إخوة إيطاليا" (فراتيلي ديتاليا) في انتخابات الأحد، وستتولى للمرة الأولى في تاريخ إيطاليا امرأة هي جيورجيا ميلوني رئاسة الحكومة.

وبات السؤال مطروحا، هل تراجع هيبة القارة العجوز، الذي كشفت عنه الحرب الروسية الأوكرانية في ظل الحكام الحاليين هو ما جعل الشعوب الأوروبية تبحث عن بديل ومنقذ لها من خلال اليمين المتطرف؟.

وسبق وحذر عدد من الحكام الأوروبيين الحاليين وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من تنامي اليمين المتطرف وعودته لتصدر المشهد مرة أخرى داخل القارة العجوز، مؤكدا أنه "يعيد القارة لسنوات صعاب ويهدد بتفككها".

وتتزعم جيورجيا ميلوني حزب "إخوة إيطاليا"، الذي ظهر على الساحة السياسية قبل نحو عقد فقط، إثر الانقسام الذي حل في حزب "شعب الحرية"، الذي تزعمه فيما مضى رئيس الوزراء الأسبق سيلفو برلسلكوني.

وفي أول تصريح لها بعد فوز حزبها بأعلى الأصوات في الانتخابات البرلمانية، دعت "ميلوني" إلى الوحدة، وقالت إنها "ستتولى رئاسة الحكومة وستعمل من أجل كل الإيطاليين".

وشاركت جيورجيا ميلوني قبل 4 سنوات في الانتخابات، لكن الوضع اختلف اليوم، إذ أصبح حزبها أكبر الأحزاب في إيطاليا بعدما حصد ما بين 22- 26 في المئة من الأصوات، علما بأن بقية أحزاب اليمين حصدت ما يقرب من نصف مقاعد البرلمان.

جورجيا ميلوني

مواقف جيورجيا ميلوني الحاسمة

إن معرفة مدى اتجاه إيطاليا نحو اليمين يعتمد على فهم المواقف التي تتبناها جيورجيا ميلوني والمواقف التي لا تتبناها.

وتوضح أن لدى السياسية الإيطالية مواقف يمينية قوية، فهي محافظة على الصعيد الاجتماعي، إذ ترفض تبني الأطفال من جانب الأزواج المثليين، وتدعم النموذج التقليدي للأسرة الإيطالية، على الرغم من أنها نشأت في كنف أم عزباء، وتعرضت للتنمر بينما كانت طفلة.

وعلى صعيد قضايا مثل الهجرة، تربط ميلوني الهجرة غير الشرعية مع الجريمة والدعارة، وقالت إنها ضد "سياسات اليقظة" أو"سياسات ووك" التي تعنى بالانتباه إلى التحيز والتمييز العنصري والعدالة الاجتماعية.

وتعارض العولمة وآثارها على إيطاليا، وخطت شعار "صنع في إيطاليا" في حملتها الشعبوية المحلية.

وتقول جيورجيا ميلوني إنها معجبة بالرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريجان ورئيسة الحكومة البريطانية السابقة مارغريت تاتشر.

وبنت السياسية الإيطالية علاقات مع أعضاء الحزب الجمهوري الأميركي، وترغب في الاقتراب أكثر من الحزب المحافظ الحاكم في بريطانيا.

ومثل رئيسة وزراء بريطانيا الحالية، ليز تراس، ترى أن التخفيضات الضريبية خطوة مهمة في السياسة الاقتصادية، وهذا الأمر يتطلب منها إيجاد مصادر تمويل بديلة للدولة، خاصة أن الدين العام يبلغ 150 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.

وعلى صعيد السياسة الخارجية، أكدت أنها ستواصل دعم أوكرانيا في ظل الحرب التي تخوضها مع روسيا. وهو أمر لن يخيف أحدا خارج إيطاليا.

واعتبرت جيورجيا ميلوني نفسها أنها من يمين الوسط، معتبرة أن الأشخاص الذين يجب أن يخافوا منها هم سياسيو اليسار فقط.

وحقق اليمين المتطرف قفزة جديدة على الساحة السياسية في أوروبا بعد السويد، إثر فوز جورجيا ميلوني في الانتخابات التشريعية في إيطاليا، حيث ستُتاح لحزب تعود جذوره إلى الفاشية الجديدة فرصة حكم البلاد للمرة الأولى منذ عام 1945.

وكان حزب "إخوة إيطاليا" حصد 4.3% من الأصوات قبل 4 سنوات، ونال حوالى 26% من الأصوات في انتخابات الأحد، ليتصدر المشهد السياسى، وحصد مع حلفائه 47% من الأصوات، وبلغت نسبة المشاركة 64.07% مقارنة بـ73.86% فى 2018.

جورجيا ميلوني

وفراتيلى ديتاليا والرابطة المتطرفة

وتحالف حزب "فراتيلى ديتاليا" خلال الانتخابات مع الرابطة اليمينية المتطرفة بقيادة ماتيو سالفيني، وحزب "فورزا إيطاليا" المحافظ بقيادة سيلفيو بيرلسكوني، واعترف الحزب الديمقراطي الذي يمثل يسار الوسط بهزيمته في الانتخابات، وأكد أنه "سيكون أقوى قوة معارضة في البرلمان المقبل".

وجاء يسار الوسط في المركز الثاني بما يقرب من 29.5% من الأصوات، بعدما فشل زعماؤه في ضم مزيد من الأحزاب لجبهتهم، خلال 18 شهرًا تلت انهيار الحكومة الائتلافية السابقة، في حين يتجه تحالف "النجوم الخمسة" اليسارى بقيادة جوزيبي كونتي، للحصول على المركز الثالث.

ويشكل فوز أقصى اليمين المتطرف زلزالا سياسيًا حقيقيًا فى إيطاليا، إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، وثالث قوة اقتصادية فى منطقة اليورو، كما يشكل فوزه قلقًا جديدًا داخل الاتحاد الأوروبي الذي سيضطر إلى التعامل مع السياسية المقربة من رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان.

وأشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى أن لدى الاتحاد الأوروبي "أدوات" لمعاقبة الدول الأعضاء التي تنتهك سيادة القانون وقيمه المشتركة، في حين ردت ميلوني بتبنيها نزعة ضد المؤسسات الأوروبية بقولها: "في أوروبا، إنهم قلقون جميعًا لرؤية ميلوني في الحكومة، انتهى العيد، ستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها القومية".

وقال رئيس حزب "الرابطة" المناهض للمهاجرين ماتيو سالفيني، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية فى حكومة جوزيبي كونتي من 2018- 2019، إنه يتطلع إلى العودة إلى حكومة هذا البلد الاستثنائي.

وقدم أنصار اليمين الأوروبي التهانى لفوز اليمين الإيطالي، وكتب رئيس التجمع الوطني الفرنسي المتطرف، جوردان بارديلا: "قدم الإيطاليون درسا في التواضع للاتحاد الأوروبي الذي ادعى أنه يُملي عليهم تصويتهم"، بينما قال رئيس الوزراء المجري: "نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أصدقاء يتشاركون رؤية ونهجًا مشتركين تجاه أوروبا".

وقال زعيم حزب فوكس الإسبانى اليميني المتطرف سانتياجو أباسكال إن ميلوني "أظهرت الطريق نحو أوروبا فخورة وحرة".

ورغم أن "ميلوني" عملت على تحسين صورتها السياسية، وإعلان مساندتها أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، وتتبع نهجًا مناهضا للاتحاد الأوروبي، إلا أن السياسية الصاعدة تتزعم حزبا نجح في التغلغل في الحركة الفاشية التي أسسها بنيتو موسوليني، الزعيم الإيطالي السابق، خلال الحرب العالمية الثانية.

وكتبت صحيفة "ريبوبليكا" الإيطالية في عنوانها الرئيسى "ميلوني تظفر بإيطاليا"، وقالت في افتتاحيتها إن إيطاليا "تستيقظ وقد تغيرت للغاية".

خالد شقير

سبب صعود اليمين المتطرف بأوروبا 

ومن جانبه قال خالد شقير، الصحفي المتخصص في الشان الفرنسي، أن صعود اليمين المتطرف مرة أخرى لأوروبا بعد 77 عاما هو عودة للنزعة القومية الأوروبية بعد غياب الشخصية الكبيرة ذات الكاريزما مثل فرانسو ميتران أو جاك شيراك أو حتى المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، وهذا الفراغ وهذه الأحوال الاقتصادية الصعبة التي تعيشها القارة العجوز هي التي جعلت هذا اليمين المتطرف يبدأ في الظهور مرة أخرى.

وأضاف شقير - خلال تصريحات لـ"صدى البلد"، أنه من الأسباب الأخرى في صعود اليمين المتطرف مرة أخرى لأوروبا هو فشل الحكومات المتعاقبة في إيجاد حل لمشكلات كثيرة منها البطالة والهجرة وبصفة خاصة الهجرة غير الشرعية، وانتشار بعض من العمليات الإرهابية على الأراضي الأوروبية مما دعم الفكر المتطرف واليمين المتطرف وجعل مارين لوبان تكون في الإعادة أمام الرئيس إيمانويل ماكرون في الانتخابات الفرنسية السابقة. 

وأضاف شقير، أنه فيما يخص إيطاليا وميلوني وهي تتخذ من موضوع الهجرة غير الشرعية سلاح لها، ولكنها لديها مشاكل اقتصادية كبيرة جداً ولا تستطيع تنفيذ خطبها القومية والمتطرفة وبصفة خاصة في مشاريع تعتبر من ضمن أهم المشاريع الأوروبية والقيم الأوروبية التي تحافظ عليها مثل: حق الإجهاض، وحقوق المثليين، وحقوق الإنسان في التعامل مع المهاجرين وبصفة خاصة المهاجرين غير الشرعيين، وأعتقد أنها لن تقوم بتنفيذ كل ما تستطيع؛ لأن إيطاليا في وضع اقتصادي لا يسمح لها والحكومة الإيطالية إذا استخدمت هذا الخطاب وما أكدت عليه ميلوني في حملتها الانتخابية فلن تحصل على الدعم الأوروبي.

ولفت شقير، أن القارة العجوز تشهد وجود يمين متطرف في المجر وبولندا والسويد واليوم في إيطاليا، وتخشى الدول الأوروبية بأن تقوم هذه الحركات بأخذ القوة من بعضها البعض وفي النهاية تجد أوروبا نفسها أمام مأزق كبير.

وأوضح شقير، أن ما تحاول الحكومات الأوروبية الآن العمل عليه هو أنه في حال تم تنفيذ خطط اليمين المتطرف فسيتم حرمان تلك الدولة من بعض المساعدات الأوروبية، لذا فإن أوروبا أمام مشكلة الطاقة ومشكلة ارتفاع الأسعار والآن أمام مشكلة كبيرة جداً وهي مشكلة اليمين المتطرف.

واختتم شقير قائلا: "هل تستطيع أوروبا بقوتها الاقتصادية التأكيد على أن الوحدة الأوروبية وقيم الاتحاد الأوروبي هما من ينقذ الاقتصادات الأوروبية في هذه المرحلة؟ يبقى السؤال مطروحاً، وأعتقد إن أحد أهم التحديات أمام اليمين المتطرف هو كيف يحصل على مساعدات الاتحاد الأوروبي وهو لا يؤمن بقيم وعادات هذا الاتحاد؟".

جورجيا ميلوني

7 معلومات عن جيورجيا ميلوني

  • وُلدت "ميلوني" في روما فى 15 يناير 1977، وأصبحت ناشطة في صفوف جمعيات طلابية مصنفة يمينية جدًا، فيما كانت تعمل حاضنة أطفال ونادلة، وفى عام 1996 ترأست جمعية في المدارس الثانوية اتخذت الصليب السلتي شعارا لها.
  • عند حداثة سنها كانت ميلوني تتمسك بأفكار موسوليني، ففي سن 15 عاما انضمت لـ"الحركة الاجتماعية الإيطالية" التي تضم سياسيا ورثة حزب موسوليني، لكنها غيرت موقفها لاحقا.
  • في عام 2006، أصبحت ميلوني عضوة برلمانية بعمر 29 عاما، قبل أن تصبح أصغر وزيرة في تاريخ البلاد، بعمر 31، عندما أمسكت حقيبة وزارة الشباب عام 2008.
  • تتشبث ميلوني بأفكار معادية لدخول المهاجرين للبلاد، ودعت إلى فرض حصار من القوات البحرية على ساحل البحر المتوسط في إفريقيا لمنع المهاجرين من الوصول إلى إيطاليا.
  • ترفض ميلوني نظام الكوتا لتعزيز وجود المرأة في السياسة والأعمال، بحجة أنه يجب على النساء الارتقاء إلى القمة بناءً على مهارتهن ومزاياهن الخاصة، مثلها.
  • لا تملك ميلوني شهادة جامعية لكنها تزعم حصولها على إجازة جامعية في اللغات، وهذا ليس حكرا عليها فهناك ساسة إيطاليون لا يحملون الشهادة الجامعية.
  • عملت في وظائف مختلفة بعد التخرج من المدرسة، مثل العمل في سوق شعبي، ومربية للأطفال، وساقية في حانة، بينما استمرت بالخوض في النشاط السياسي اليميني.