الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صراع نفوذ بين فرنسا وروسيا على أرض مالي حلقات متتالية.. ماذا يحدث؟

صراع نفوذ بين فرنسا
صراع نفوذ بين فرنسا وروسيا على أرض مالي حلقات متتالية

في أحدث سلسلة من الصراع متعدد الأطراف الدائر بدولة مالي، حظرت مالي أنشطة المنظمات الحكومية التي تمولها أو تدعمها فرنسا، ومن بينها التي تعمل في المجال الإنساني، وهو القرار الذي يأتي كرد فعل على إعلان باريس مؤخرا تعليق مساعدتها العامة للتنمية في مالي.

ومنذ 2012 يدور صراع نفوذ كبير داخل مالي، كان في بدايته من سلطاتها وتنظيمات مسلحة موالية لتنظيم القاعدة وجماعات الجهادية، ثم تطورت الأحداث بدخول فرنسا داخل الأراضي المالية بقوات عسكرية، وذلك في 2013.

بعدها تدخل روسيا لفرض نفوذ لها داخل مالي عبر علاقات عسكرية واقتصادية مع قيادات الجيش، مع دخول شركة فاجنر على الخط، إلى أن تم الإطاحة بالحكومة المدنية، وانسحاب فرنسا من مالي مع صراع محتدم على النفوذ في ساحة أفريقيا، وتلك هي حلقات الصراع..

 2012 والتهديد الإرهابي يجتاح مالي ومنطقة الساحل

كانت البداية للصراع الدائر بمالي الآن بحلقاته الجديدة في 2012، حيث تمكن متمردي الطوارق الانفصاليين والجماعات الإسلامية المسلحة والميليشيات ذات الأصول العربية، والتابعة إلى حركات السلفية الجهادية من تنظيم قاعدة أو داعش،  من السيطرة على شمال مالي في أبريل 2012.

صاحب تلك السيطرة، ارتكاب جرائم عديدة، وفقا وسائل الإعلام الغربية، ومنها أعمال اغتصاب واستخدام الجنود الأطفال، ونهب المستشفيات والمدارس ومنظمات المساعدات الإنسانية والمباني الحكومية، وحملة إعدامات ميدانية، مع تنفيذ أعمال جلد في أماكن عامة، وتهديد النساء والمسيحيين.

قوات فرنسية وتحالف مع مالي في 2013

ومع 2013، وتحديدا عند إرسال فرنسا قوات عسكرية لمالي ومنطقة الساحل الأفريقي وصلت إلى 5000 جندى، بدأت علاقة متفائلة وتعاونا بناء وتحالفا جديا بين فرنسا ومالي في مكافحة الجماعات الجهادية.

وعلى مدار 9 سنوات – فترة تواجد تلك القوات داخل مالي – ساهمت فرنسا مع قوات من عدة دول غربية، منها ألمانيا، في الحد من خطورة تلك الجماعات المتطرفة، ومحاصرتها، وتوجيه ضربات قوية لها، وخلال تلك الفترة فقد فرنسا ما يقارب 60 جنديا، وعدد آخر من الضحايا منهم صحفيين، وقامت بتقديم مساعدات مالية تنموية لحكومة مالي، ولكن لم تكن العلاقة بين البلدين تخلو من التجاذبات، وتضارب المصالح مع النظام الحاكم بمالي، وخصوصا المؤسسة العسكرية وقياداتها.

نفوذ روسي وتعاون مشترك عبر شركة فاجنر 

وفي إطار صراع النفوذ بين روسيا والغرب بمنطقة الساحل الغربي الإفريقي، استغلت روسيا تطور الأحداث داخل مالي، وحرصت على التعاون مع قيادة المجلس العسكري المالي منذ 2019، وأدخلت روسيا ذراعها المدني العسكري في حروب النفوذ التي تخوضها بالشرق الأوسط، وهو شكرة فاجنر المتخصصة في الحراسة وتقديم الخدمات العسكرية.

ومع الوقت اكتسب موسكو نفوذا متزايدا في الساحل الغربي الإفريقي، خاصة بعد أن حلت شركة "فاغنر" الروسية مكان القوات الفرنسية في العديد من الجبهات ضمن مخطط مشترك بين المجلس العسكري والدبلوماسية الروسية، كما شقت "فاجنر" طريقها إلى إفريقيا الوسطى، لتسيطر وتدير أعمالا مربحة مثل تعدين الذهب.

وكان الدافع الحقيقي لانقلاب 2020، هو رفض فرنسا والرئيس المالي لاتفاقية الدفاع المشترك الذي وقعته مالي عام 2019، وهو كان الذريعة لنشر مرتزقة فاجنر إلى جانب القوات المالية في جميع أنحاء الولايات الوسطى والشمالية لدولة مالي.

توتر دبلوماسي واتهامات لفاجنر بارتكاب جرائم

وبعد أن كان الخلاف بين فرنسا والقيادات العسكرية تنحصر تجاذبات وقتية غير معلنة، أصبح الصراع توتر دبلوماسي، مع إعلان الانقلاب العسكري، وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثر قمة أوروبية الثلاثاء (25 مايو 2021) أن القادة الأوروبيين "نددوا بأكبر قدر من الحزم باعتقال رئيس مالي ورئيس وزرائه"، الأمر الذي يشكل "انقلابا داخل الانقلاب، وهو أمر مرفوض". 

وصاحب ذلك تهديدات بسحب القوات الفرنسية، واتباع استراتيجية جديدة مع مالي، خصوصا مع الحديث بشكل واضح عن ما أسمته فرنسا جرائم شركة فاجنر، وفي المقابل قالت مالي أن هناك "أعمال عدوانية" فرنسية، بحق مالي، لا سيما "جمع معلومات استخبارية لصالح الجماعات الإرهابية العاملة في منطقة الساحل وإلقاء الأسلحة والذخيرة إليها".

وردت فرنسا على ذلك عندما قالت، إن هذا النوع من الاتهامات "مهين بعض الشيء لذكرى زملائنا الـ59 الذين سقطوا من أجل مالي ولجميع الماليين الذين قاتلوا إلى جانبنا"، وكذلك قامت فرنسا بتوجيه اتهامات مباشرة للقوات المالية وشركة فاجنر بارتكاب جرائم داخل مالي.

انسحاب قوات فرنسا وانتهاء شهر العسل 

وفي أغسطس الماضي، وبعد 9 سنوات ونصف السنة، انتهى "شهر العسل" رسما بذكرياته الحلوة وتعاونه البناء وانفرط عقد الشراكة والمحبة نهائيا، وانتهت العلاقة بـ "الطلاق من دون رجعة" بمغادرة آخر جندي فرنسي قاعدة غاو في شمال مالي.

وبعبور آخر كتيبة من الجنود الفرنسيين الأراضي المالية إلى النيجر المجاورة، وفق ما أفاد الجيش الفرنسي، تم طوى صفحة "قوة بارخان" الفرنسية في الدولة الواقعة غربي أفريقيا، وقالت رئاسة الأركان الفرنسية في بيان لها الاثنين الماضي "غادرت آخر كتيبة من قوة برخان الموجودة على الأراضي المالية الحدود بين مالي والنيجر".

وبشكل واضح أرجعت فرنسا هذا الانسحاب التي قد أعلنت عنه قبل آخر خروج لقواتها بـ6 أشهر، إلى تورط مقاتلون روس في ست مذابح مزعومة على الأقل، كما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال مسئولين فرنسيين وناجين ومسؤولين غربيين ومسؤولين من الأمم المتحدة ومنظمات لحقوق الإنسان، مما تسبب في فرار عشرات الآلاف من الأشخاص عبر الحدود إلى موريتانيا، بسبب الرعب الذي يحدثه هؤاء المرتزقة على حد وصفها "شركة فاجنر".

ووفقا لما رصدته وسائل الإعلام الغربية، فإن الشركة العسكرية المرتبطة بالكرملين قد نشرت حوالي 1000 مرتزق في مالي مقابل المال ومع الحصول على امتيازات تعدين مربحة.

وقف النشاط الحقوقي ردا على قطع الأموال الفرنسية 

وفى آخر حلقات صراع النفوذ الروسي الفرنسي داخل مالي، ما تداخل شركة فاجنر وجماعات الجهادية السلفية، إعلان وزارة الخارجية الفرنسية الخميس الماضي، وقف باريس مساعداتها التنموية لمالي بعد ثلاثة أشهر على استكمال سحب قواتها من البلاد.

في المقابل أعلن المجلس العسكري في مالي، مساء أمس الإثنين، حظر أنشطة كل المنظمات غير الحكومية التي تمولها أو تدعمها فرنسا، ومن بينها تلك التي تعمل في المجال الإنساني، وهنا تستمر تصاعد التوتر داخل الساحل الغربي الأفريقي ولا أحد يتوقع ما هي الحلقات القادمة في هذا الصراع.