الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حرب الخنادق والطائرات المسيرة.. صبر روسيا في مباراة مع تعجل أوكرانيا.. لمن تكون الكلمة الأخيرة؟

الحرب في أوكرانيا
الحرب في أوكرانيا

بعد التقدم اللافت الذي أحرزته القوات الأوكرانية في الأسابيع الأخيرة على أرض المعركة ضد القوات الروسية، تلجأ الأخيرة إلى تنفيذ خطة دفاعية بديلة تعتمد على التوسع في بناء الخنادق لوقف المزيد من هذا التقدم.

وذكر تقرير لمجلة "فوربس" الأمريكية أن وزارة الدفاع البريطانية أكدت يوم الجمعة الماضي أن روسيا تبني خطوطا دفاعية جديدة على بعد 60 كيلومترًا من خط المواجهة، ومن المرجح أن تتمركز فيها القوات الروسية خلال الشتاء، وقد تمنح هذه الخطوة الفرصة لروسيا لدعم قواتها في وقت يفتر فيه التأجيج الغربي لجذوة الحرب، لكن الوضع الآن يختلف عما كان إبان الحرب العالمية الأولى حيث كانت الظروف مواتية لروسيا لتحقيق النصر، فالخطط الروسية اليوم معرضة للفشل بسبب الطائرات المسيرة الأوكرانية عالية القدرات.

الخنادق.. تجارب التاريخ لا تفيد

لقد ظل الصراع خلال الحرب العالمية الأولى يراوح مكانه لفترة طويلة بسبب اعتماد أطرافها على التحصن داخل الخنادق، وهو ما لم يمنح أيا منها نصرا حاسما، وتسبب استخدام الرشاشات الآلية والمدفعية الثقيلة في تكبيد القوات البرية التي تتقدم على أراض مفتوحة خسائر فادحة، بينما تمكنت القوات المتخندقة من النجاة من القصف المدفعي الكثيف والمستمر لأيام، وقد ساهمت الخنادق في جعل المعارك أشرس، كما رفعت من فرص وقوع آلاف الضحايا مقابل كسب بضعة أميال من الأرض في أفضل الأحوال.

وتتميز الخنادق بعمقها الكبير الذي يمكّن المقاتلين من الاختباء أثناء القصف المدفعي، الذي قد لا يتعدى أثره التدميري في بعض الأحيان إحداث ثقوب في جدار الخندق، وفي الحرب العالمية الأولى بلغ عمق بعض الخنادق 50 قدما، ويمكن تزويد بعض أجزاء الخنادق بغطاء علوي مصنوع من جذوع الأشجار التي تغطى بالتراب لإحكام التمويه وتوفير أقصى حماية ممكنة.

ومن الواضح أن روسيا تعتمد على أساليب دفاعية تعود إلى بداية القرن العشرين لإبطاء زحف أعدائها، لكن هذا لن يفلح مع التقدم العسكري في القرن الحادي والعشرين، خاصة في إمكانيات سلاح الجو.

الطائرات المسيرة.. يد القوات الأوكرانية الطويلة

وبعد مرور قرن من الزمن على هذه الأحداث، أصبحت حركة المقاتلين في حروب العصر الحديث أسرع، خاصة الوحدات المدرعة المدعومة بالغطاء الجوي، وربما تأمل روسيا في حدوث نقص لدى أوكرانيا في المدرعات والطائرات، وأن يقلل تمركز القوات الروسية في الخنادق وامتلاكها لمضادات الدبابات والطائرات من فرص نجاح الهجوم الأوكراني، ومن المحتمل أن يساعد تجمد الوضع الذي قد ينشأ عن هذا التكتيك بوتين في تحقيق أهدافه من الحرب.

لكن مقاطع الفيديو التي تبثها القوات الأوكرانية تظهر أن اختباء الروس داخل الخنادق لا يضمن لهم السلامة بالدرجة التي يأملونها، فهم معرضون لهجوم يخطط الجيش الأوكراني لشنه على محورين، أولهما إلقاء المسيرات لقنابل يدوية بدقة عالية، وهو تكتيك سبق وأثبت فعاليته، وثانيهما هو الاعتماد على الطائرات المسيرة رباعية المراوح من طراز "دي جيه آي مافيك 3" المحملة بقذائف "فوج 17" المضادة للأفراد.

ويبدي المقاتلون الأوكرانيون مهارة عالية في توجيه الطائرات المسيرة لضرب أهداف محددة من ارتفاع مئات الأمتار، حتى في وجود الخنادق التي تحمي الروس من نيران المدافع ومن وابل الرصاص الذي تطلقه الرشاشات الآلية، وتمنحهم مزية التمويه الكامل والاختباء من أعين الأوكرانيين، وحتى مع مساعدة الرمال والطين في إخماد أي حريق محتمل، حيث تكمن نقطة الضعف في خطة الاحتماء بالخنادق في قدرة المسيرات على إصابة الأهداف داخلها بدقة كما لو كانت على أرض مفتوحة.

الخندق لا يحمي

لكن مقاطع الفيديو لا تنقل الصورة بوضوح، فعلى العكس من المركبات المغلقة التي تدمرها طائرات مسيرة دون أن يظهر من بداخلها من بشر، تخلف القذائف التي تلقيها الطائرات المسيرة على الخنادق قتلى وجرحى من الجنود يظهرون بوضوح في مقاطع الفيديو، ورغم أن الدروع الواقية تحمي الجزء العلوي من جسد الجندي، إلا أنه يظل معرضا لإصابات في الساق والجزء السفلي من جسده وقد ينزف حتى الموت.

ويمكن لموجه طائرة مسيرة تحلق على ارتفاع كبير أن يلقي قنبلة يدوية في خندق بعرض متر واحد، مستهدفا المتحصنين به بدقة عالية، وما يزيد من فرص نجاح هذه العملية هو وجود الجنود متلاصقين داخل الخندق، بشكل قد يؤدي لتعرض عدد كبير منهم للإصابة أو القتل الجماعي، رغم أن الضربة غالبا ما تستهدف فردا واحدا فقط.

وعادة ما تحلق الطائرات المسيرة على ارتفاع كاف بحيث لا يسمعها الروس إلا متأخرا أو لا يسمعونها مطلقا، وتظهر مقاطع الفيديو التي يبثها الجنود الأوكرانيون شن هجمات على جنود روس نائمين يموت معظمهم قبل أن يدركوا ما يحدث.

وفي الماضي كان الجميع يرى الضربات دون أن يعرف نسبة نجاحها، لكن على عكس المسيرات الانتحارية (الكاميكازي) القديمة، تستطيع الطائرات المسيرة الحديثة إعادة الكرة إذا أخطأت إصابة الهدف، فإمدادات القنابل اليدوية الفعالة وزهيدة التكلفة لا تنقطع.

الخندق يتحول إلى فخ

وتظهر بعض مقاطع الفيديو الجنود الروس وهم يسارعون للاختباء من القصف، لكن المسيرات أحيانا ما تقصف مداخل الخنادق أو تنتظر مغادرة الجنود المتحصنين بها، وعادة ما كان الجنود في الحرب العالمية الأولى يسمعون أصوات القصف المدفعي فينتظرون توقفها قبل أن يغادروا المخابئ بأمان، لكن لا أمان مع الطائرات المسيرة الحديثة.

وتظهر مقاطع الفيديو أعدادا كبيرة من الجنود الأوكرانيين يستخدمون طائرات سباق صغيرة محملة بالمتفجرات كطائرات مسيرة مرتجلة، يمكنها المناورة عبر الممرات الضيقة والمداخل والنوافذ وفي أعماق الخنادق، لكنها ليست بكفاءة الطائرات المسيرة الإسرائيلية القاتلة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي من طراز "لانيوس"، لكنها طائرات رخيصة ومتوفرة وتؤدي الغرض منها.

ورغم أن الخنادق وفرت الحماية للمقاتلين في الحرب العالمية الأولى، لكن المسيرات حولتها اليوم إلى شراك مميتة، وعلى الرغم من لجوء الروس للاحتماء داخل المخابئ العميقة، إلا أنها تعطلهم عن القتال ومواجهة التقدم الأوكراني، لكنهم على الأقل سيبقون على قيد الحياة حتى الاستسلام.