الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قرأت لك| «وكالة عطية».. رموز خيري شلبي عن كيفية الهروب من رأسك

الأديب الراحل خيري
الأديب الراحل خيري شلبي ورواية "وكالة عطية"

تسرد رواية “وكالة عطية” الحياة المبكرة لشاب مصري نشأ في الريف متنقلا من شوارع دمنهور إلى فناء وكالة عطية، المنطقة فوضوية، ليرشد الراوي المجهول القارئ عبر متاهة من الاضطرابات الوجودية والشك الذاتي والرهبة.

 

احتلت “وكالة عطية” رواية الكاتب والأديب الراحل خيري شلبي، المنشورة عام 2008. المرتبة الثامنة و الثلاثون في قائمة أفضل مئة رواية عربية، وتعد أول ترجمة إنجليزية لواحد من أعمال خيري شلبي.

حياة خيري شلبي

خيري شلبي الكاتب الذي عاش حياة بسيطة منذ ولادته في كفر الشيخ عام 1938 وقضى معظم حياته المبكرة فى تدافع للحصول على قوت يومه عبر العمل فى وظائف بسيطة لتغطية نفقاته.

عاش لسنوات عديدة في المقابر بالقاهرة، حيث تستقر العائلات الفقيرة. ليصبح اليوم واحدا من أكثر مؤلفي مصر تميزًا، على الرغم من قلة أعماله لكنها اكتسبت شهرة خارج العالم العربي. 

نشر شلبي روايته الأولى في أواخر الخمسينيات، ومنذ ذلك الحين ألف 70 عملاً، بما في ذلك 12 رواية ومجموعات قصصية وحكايات تاريخية ودراسات نقدية. 

كذلك ترجمت عناوين شلبي السابقة إلى الفرنسية والإيطالية والروسية والصينية والأردية والعبرية ولغات أخرى.

وعن روايته “وكالة عطية”، حصلت النسخة العربية منها على وسام نجيب محفوظ للآداب عام 2003، وفاز بالجائزة الوطنية المصرية للآداب 1980-1981.

 

رائد الرواية المصرية الحديثة

يعد أسلوب خيري شلبى الأدبي أحد أكثر الشخصيات الفكرية جرأة في مصر في النصف الثاني من القرن العشرين، ويفتح أسلوبه الأدبي تعقيد القضايا الاجتماعية والسياسية والوجودية التي يواجهها المصريون المعاصرون، وأبرزها إلقاء الضوء على المهمشين والمحتلين.

ويعكس عمله مزيجًا مبتكرًا من الكلاسيكية والعامية، تأثر شلبي في أسلبه بالأديب يحيى حقي ليحاكي اللغة القوية المنعكسة في السيرة، من خلال دمج أسلوب عامية شعبي يمنح قرائه قربًا فريدًا من القصة وشخصياتها.

يقتحم شلبي بشجاعة الأساليب التقليدية للرواية العربية الكلاسيكية مع دمج كلمات مستخدمة في الحياة اليومية، وكانت طريقته غير مألوفة بالنسبة لأدب اللغة العربية عبر استخدام الألفاظ العامية.

ورغم أن استخدام اللغة المصرية كان أمرا مربكا لبعض القراء غير المصريين، لكن العامية كانت تقدم للقارئ تجربة أكثر حميمية للتعبير عن الروائح والأصوات والأذواق، وبيئات الوكالة ودمنهور.

 

وكالة عطية

تقدم رواية “وكالة عطية” صورة صادقة فكريًا وخيالية للغاية عن المدينة وعلاقتها بالمناطق الريفية النائية، واستمد هذه الرواية من الفكاهة الساخرة في مدينة دمنهور، والتي أصبحت ملجأ للمرتدين من طبقات المجتمع المصري، وتحمل سمعة أنها ملجأ للمضطهدين.

في احداث “وكالة عطية” يختبر شلبي القارئ بشكل غير مباشر من خلال استكشاف الشخصية الرئيسية للمجتمع المصري خلال عهد عبد الناصر، وتتغير أحداث الرواية بين مسافتين في محاولة لحل المعضلات التي يطرحها سعي الراوي لمحاولة التوفيق بين هويته كطالب فاشل.

يقع الراوي في صراع وجودي مؤلم داخل مجتمع وثقافة تعكس أصوله الريفية، يمثله الراوي على أنها إشكالية، وفي السطر الافتتاحي للفصل الأول ، يعبر الراوي عن أسفه قائلا: "لم أعتقد أبدًا أنه من الممكن أن أنزل إلى أسفل لدرجة أنني سأقبل العيش في وكالة عطية".

 ثم يكشف كيف حدث سقوطه عندما طُرد من معهد المعلمين العام لاعتدائه بوحشية على وائل أفندي ، مدرس الرياضيات.

 

وائل أفندي

وخلال حكم عبدالناصر، كان التعليم متاحا وللفلاحين أيضا مما ساهم في خلق فرص ولكن أيضا الحياة في بيئة مليئة بالتوتر بين الفلاحين الريفيين والاستعماريين.

ويسرد الراوي هذه الأزمة عندما يروي كيف كان وائل أفندي لم يكن سعيدًا لأن أبناء الفلاحين من القرى والنجوع ، مثلهم مثل حفاة القدمين، يمكن أن يتفوقوا في التعليم على أبناء المدارس الحقيقيين، مما أثار غضب النخبة، في إشارة إلى صراعات القوة الاستعمارية السياسية.

يتضح عدم قدرة الراوي على إدارة هذه الدوافع التاريخية والاجتماعية والسياسية العميقة عندما يبدأ وائل أفندي في الحديث لدرجة أنه عند طرده من حجرة الدراسة ، يهاجمه الراوي قائلا: "مثل كلب مسعور".

اللافت للنظر أن الراوي لا يشعر بأي ندم على وائل أفندي، الذي يُقتاد في حالة جسدية "كومة ممزقة ، ملطخة بالدماء ، دمي ودمه"، مضيفا: "كنت متأكدًا من أنني قد أروي عطشي للانتقام وانتقمت من كبريائي الجريح، وكان العديد من زملائي في الفصل ينظرون إليّ بحزن شديد يشوبه شيء من الإعجاب، لكنني سأظل أذهب إلى السجن و سوف يدمر مستقبلي على يديه ، وأنني سأقتله بلا شك لحظة تحريري مرة أخرى ". لكن بعد عام ، بعد أن عاد إلى المعهد ومعه سكين في يده ، بقصد طعن وائل أفندي في قلبه ، رأى أنه "شوه بفقدان إحدى العينين.

 

تحقيق الذات

هذه التجارب المبكرة لها تأثير حاسم على الطريقة التي يسعى بها الراوي لاحقًا لتحقيق الذات في مواجهة انحرافه ، وانفصاله ، وعدم استقراره ، حيث يبدأ النزول لوكالة عطية، في استعارة اجتماعية قوية تربط المعنى الفردي بتاريخ جماعي وبالتحديد بالتاريخ الريفي، وكلها تقع في صميم وكالة عطية. كما يتضح عند الراوي “إبعاد نفسه عن قريته ومدينته”، مشيرًا فقط إلى أن حادثة وائل أفندي أدت بالضرورة إلى مثل هذا المسار.

يتحول الراوي ويصبح شخص طويل الشعر ملتحاً يعيش وينام في شوارع دمنهور، يصادق محروس بائع الخضار الشاب المتحمس، وهو أول من قدم الراوي إلى وكالة عطية سيئة السمعة.

عند الدخول من بوابة وكالة عطية ، تبدأ الرواية ببطء في الدخول إلى عالم العبث، حيث يتم عرض بعض الشخصيات الخيالية وغير المتوقعة من كون آخر، ويصبح الراوي صديقًا مقربًا لولي أمر الوكالة عم شوادي ، الذي يشاع أنه خدع مالك المبنى عطية قبل عشر سنوات.

واحدة من صور خيري شلبي المميزة هي الكتاب عن المتسولين والدراويش التي تشكل النسيج الاجتماعي وشخصية وكالة عطية، وهي مكان ساحر حيث كل تجربة تعد مفارقة، ومع ذلك فهي نسبية، وأحد الأمثلة هو سكان الوكلاء المسنين وهو يتظاهر ببيع الحلوى في الشارع، لكنه في الحقيقة شخص “سكران” طوال الوقت.

 

الزواج والقانون

تكشف الرواية أيضًا عن الدور المهم الذي تلعبه مؤسستان في المجتمع المصري وهما الزواج والقانون، وتتبدل الأحداث حتى تصل لعدم القدرة على التنبؤ بوقائع وكالة عطية، ويظهر ذلك بشكل واضح عندما يتولى "عم شوادفى" دور وكيل الزواج.

وعندما تم الحديث عن عقد زواج ملزم قانونا صادر عن الدولة، قال عم شوافي ساخرا: “ قانون؟ ما نوع القانون الذي تتحدث عنه؟ القانون للحمقى! فقط افعل ما أقوله لك ، أنا أضمن. حتى أنني سأدفع لك مقابل القيام بذلك”.

ويتابع: "أؤكد وأقر بأنني عبد الفضيل بيومي التودي من قرية الطود البحيرة، وأنا مقيم في وكالة عطية في نهاية شبرا القديمة بدمنهور، ومهنتي مزرية، أنا أغسل الموتى - تزوجت ، أي زيجة، صبيحة البيرشومي حسنين ، وأعيش أيضًا في وكالة عطية ؛ زواجنا متوافق مع الشريعة الإسلامية وسنن الرسول. وهو مهر لا يعرفه إلا كل منا ، ورصيد مهر قدره خمسة جنيهات ، ألتزم بدفعه لآخر المليمات إذا أردنا الطلاق بشروط عادلة ".

يوضح هذا المفارقة الكامنة وراء النظام القانوني الحديث ونظام وكالة عطية، ويبدو أن شوادي يلعب دورًا رئيسيًا ليس فقط في تحديد المرحلة القانونية، ولكن في تجسيدها، بصفته الشرطي والمحامي والقاضي وهيئة المحلفين.

 

محظورات اجتماعية

عبر شلبي بجرأة عن قضايا العلاقات الحميمة والهوية الجنسية، بشكل غير مألوف، وسلط الضوء على المحظورات الاجتماعية المرتبطة بتعبيرات الشهوة في الدول الإسلامية والعربية المحافظة.

وكانت ميزة اخرى في وكالة عطية هي إبراز النظام الاجتماعي المتماسك والدور المركزي الذي تلعبه الأسرة والمجتمع في المجتمع المصري، ويجسد بوضوح فاعلية وجوهر وعبثية الوجود الإنساني في المجتمع الحديث. 

في داخل وكالة عطية ، يجد الراوي نفسه في مواجهة نفسه، وربما يكون الأمر الأكثر صعوبة هو إدراكه الوجودي أن الفرد هو الذي يجب أن يعطي معنى لظروفه، ومع ذلك فهو لا يستطيع أن يوفق بين شوقه لشيء آخر، ولا يستطيع الهروب من الواقع المروّع لوجوده في وكالة عطية. 

خلال قراءة أحداث وكالة عطية، لاحظت أن خيري شلبي جسد مفهوم “الوعي المزدوج” والمقصود بهذا المصطلح أن فرد ما تنقسم هويته إلى عدة جوانب، كالصراع الداخلي الذي تعاني منه الجماعات المرؤوسة، وكأن خيري شلبي يمثل مفهوم “وليام إدوارد بورجاردت دو بايز”.