الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل تتفاقم الكارثة الاقتصادية؟!.. أزمة بنوك وادي السيليكون تهدد الشركات الناشئة.. وبايدن يتعهد بمحاسبة المسئولين

بنك سيليكون فالي
بنك سيليكون فالي

"قد تتوالى المصائب والمحن على المرء ...فلا يصحو من مصيبة إلا والاخرى متشبثة بها" .. هكذا قال المتنبى في أشعاره، وهو ما ينطبق على حال شعوب العامل، منذ بدء انتشار فيروس كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، ثم جاء الإعلان عن كارثة وادي السيليكون في سلسلة كوارث على البشرية تزيد من آلام العالم، وهو ما قاله ويليام شكسبير: "المصائب لا تأتي فُرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيش، فماذا حدث في تلك الأزمة الأخيرة وتداعياتها على العالم في الحاضر والمستقبل.

وادي السيليكون هي المنطقة الجنوبية من منطقة خليج سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة، وهذه المنطقة أصبحت مشهورة بسبب وجود عدد كبير من مطوري ومنتجي الشرائح أو الرقاقات السيليكونية (الدائرة المتكاملة)، وهي تضم جميع أعمال التقنية العالية في المنطقة، حيث أصبح اسم المنطقة مرادفاً لمصطلح التقنية العالية، وأصبح الأول في مجال التطوير والاختراعات الجديدة في مجال التكنولوجيا المتطورة ويساهم في ثلث العائدات الاستثمارية في مجال المشاريع الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية. 

بداية تداول الأخبار الكارثية ظهر الخميس الماضي

كان ستيفان كالب الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة Shelf Engine الناشئة لإدارة الأغذية ومقرها سياتل، في منتصف اجتماع في حوالي الساعة 1 ظهرًا يوم الخميس الماضي، وذلك عندما أرسل له أحد زملائه التنفيذيين رسالة مذعورة يقول له فيها: "هل تعرف ما يحدث في بنك سيليكون فالي؟"، ليبدأ بعدها في متابعة الأخبار، حيث حاولت مجموعات كبيرة سحب 42 مليار دولار من البنك يوم الخميس وحده بسبب مخاوف الإفلاس التي بدأت تنتشر.

حتى يوم الأربعاء الماضي كان البنك على أسس مالية ثابتة، ولكن الكارثة كانت في اليوم التالي مباشرة، حيث كانت البنك قد بدأ ينهار ويصبح تحت الماء، وهنا أصبحت شركة Shelf Engine - وهي شركة ناشئة مكونة من 40 شخصًا تأسست في عام 2015 تستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدة متاجر البقالة على تقليل هدر الطعام – في مشكلة كبيرة، فلم يساعد بنك وادي السيليكون الشركة في معالجة الشيكات والمدفوعات فحسب، بل تم حبس جميع أموال الشركة الناشئة في البنك.

ثاني أكبر كارثة مالية في الولايات المتحدة الأمريكية 

وعن تفاصيل الكارثة التي عانت منها الشركة الناشئة، فهو ما حدث من انهيار بنك "وادي السيليكون"، ليكون ثاني أكبر كارثة وفشل لمؤسسة مالية في الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن تعثر البنك مالياً، بينما أغلق المنظمون في ولاية كاليفورنيا البنك المتخصص في صناعة التكنولوجيا، إذ وضع تحت سيطرة شركة تأمين الودائع الفيدرالية الأميركية التي تقوم بدور المستلم وتتولى أعمال تصفية أصول البنك لسداد المديونية المستحقة لصالح العملاء سواء مودعين أو دائنين.

والأزمة بدأت مع إعلان بنك "سيليكون فالي"، عن بيع مجموعة من الأوراق المالية بالخسارة إلى جانب بيع نحو 2.25 مليار دولار من الأسهم الجديدة لدعم ميزانيته العمومية، هذا الأمر أثار حالة من الذعر بين شركات رأس المال الاستثماري الرئيسة التي نصحت الشركات بسحب أموالها من البنك، وصدمة إعلان البنك المتعثر، دفعت أسهمه في البورصة إلى الانهيار، قبل أن تنتقل العدوى سريعاً إلى بنوك أخرى، وأوقفت بورصة نيويورك التعاملات على السهم، قبل أن يتم وقف أسهم قطاع البنوك في البورصة أبرزها "فيرست ريبوبليك" و"باك ويست بانكورب"، وكذلك بنك "سيغنيتشر"، وذلك في 48 ساعة فقط.

كارثة على الشركات الناشئة 

وكانت الصدمة التي واجهتها شركة  Shelf Engine، هي نفس حال معظم الشركات الناشئة التكنولوجية الراسخة بعمق في بنك وادي السيليكون، حيث أنها حالة من النسيان المرير التي تواجهها الآن في أعقاب الانهيار الداخلي للبنك ، وهو أكبر فشل بنك أمريكي منذ الأزمة المالية لعام 2008.

بالنسبة للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا ، التي اعتمدت على مدى عقود بشكل كبير على البنك الموجود في سانتا كلارا ، كاليفورنيا ، فقد أطلقت أزمة قد تؤدي إلى تسريح جماعي للعمال ، أو انهيار مئات الشركات الناشئة ، وفقًا لمطلعين في الصناعة، وهذا ما قاله قال غاري تان، الرئيس والمدير التنفيذي لحاضنة الشركات الناشئة Y Combinator: "إذا لم تتدخل الحكومة، أعتقد أنه سيتم القضاء على جيل كامل من الشركات الناشئة من الكوكب"، وذلك وفق تقرير صحيفة npr الأمريكية.

ثاني حالة إفلاس فى أمريكا.. إغلاق بنك "سيجنتشر"

ويبدو أن ما حدث مع بنك سيليكون فالي، هو البدابة، فمع فقدان الثقة في المنظومة المصرفية الأمريكية، تدافع المودعون على البنوك لسحب أموالهم، وما يهدد بإفلاس البنوك، وبالفعل قالت إدارة الخدمات المالية بولاية نيويورك، إنها استحوذت على بنك سيجنتشر وألحقت صفة المستلم بالمؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع، وذلك في ثاني حالة إفلاس لبنك في غضون أيام.

وأوضحت إدارة الخدمات المالية في بيان نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية،  أن الودائع لدى بنك سيجنتشر بلغت حوالي 88.59 مليار دولار في المجمل حتى يوم 31 ديسمبر، وذكرت وزارة الخزانة وجهات تنظيمية أخرى بقطاع البنوك في بيان مشترك، اليوم، وأنه سيتم تعويض المودعين في بنك سيجنتشر وإن دافعي الضرائب لن يتحملوا أي خسائر.

خطة إنقاذ للبنوك لوقف الأزمة

وفي ظل زيادة المخاوف من عدم الاستقرار في المؤسسات المالية الصغيرة والمتوسطة الحجم، اتخذت السلطات الفيدرالية إجراءات صارمة أمس الأحد لإنهاء أيام من عدم اليقين والذعر العالمي، فقد وافقت على دعم جميع المودعين للبنكين اللذان أعلنا إفلاسهما، وذلك في محاولة لمنع التهافت على أي مؤسسات مالية أخرى.

وتعهدت وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع بأن دافعي الضرائب لن يتحملوا خسائر من التحركات لدعم المودعين في المقرضين المغلقين، بنك وادي السيليكون وبنك التوقيع، وقالت الوكالات إن المودعين في بنك وادي السيليكون سيكون بإمكانهم الوصول إلى جميع أموالهم يوم الاثنين.

حتى لا تفلس بنوك أخرى 

في خطوة لمنع إفلاس بنوك أخرى، أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضًا أنه سيقدم قروضًا نقدية لمدة تصل إلى عام لأي بنك يقدم ضمانات آمنة - وهو إجراء يسمح من الناحية النظرية للبنوك بالتعامل مع عمليات سحب الودائع بأي مبلغ، وذلك بهدف طمأنة الناس بأنهم لا يحتاجون لسحب أموالهم على الإطلاق.

وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ورئيس مؤسسة التأمين الفيدرالية مارتن جروينبيرج في بيان: "لا يزال النظام المصرفي الأمريكي مرنًا وعلى أساس متين، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الإصلاحات التي تم إجراؤها بعد الأزمة المالية، وتُظهر هذه الإصلاحات جنبًا إلى جنب مع إجراءات اليوم التزامنا باتخاذ الخطوات اللازمة لضمان بقاء مدخرات المودعين آمنة".

بايدن يتوعد المسئولين عن الأزمة .. ويتعهد باحتواء الأمة 

ونظرا لخطورة الأزمة، خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن، ليعلن خبر التوصل إلى حل في أزمة بنكَي "سيليكون فالي" و"سيجنتشر"، وأن المودعين في هذين البنكين بأنه يمكنهم سحب أموالهم عند احتياجهم لذلك، مشيرا إلى أن الحل الذي تم التوصل إليه مع مسؤولي البنكين اللذين أُعلن انهيارهما، الجمعة، يُجنب تعريض أموال دافعي الضرائب للخطر، في إشارة إلى أنه لن يكون هناك خطة إنقاذ مالي حكومية للبنكين.

وعبَّر بايدن عن التزامه بـ"تحميل المسؤولين عما حدث، المسؤولية الكاملة"، وفق تعبيره، وقال: "يسعدني أنهم توصلوا إلى حل سريع يحمي العمال الأمريكيين والشركات الصغيرة ويحافظ على نظامنا المالي آمنًا، ويضمن الحل أيضًا عدم تعريض أموال دافعي الضرائب للخطر"، مضيفًا أنه يمكن للشركات أن تثق في أن ودائعها المصرفية ستكون موجودة عندما تحتاج إليها".

ليس هناك وقت أسوأ من هذا 

وفق ما نشرته الصحيفة الأمريكية، فإن انهيار المؤسسات المالية الأساسية في وادي السيليكون لا يمكن أن يأتي في وقت أسوأ بالنسبة لمنظومة بدء التشغيل، فقد أدت أسعار الفائدة المرتفعة وعدم اليقين في السوق إلى جعل المقرضين يشددون حنفية النقود، وذلك بعد سنوات عديدة من أسعار الفائدة المنخفضة وسهولة الأموال التي أدت إلى ارتفاع التقييمات.

ففي الآونة الأخيرة، أطلق رواد الأعمال الإنذارات حول الأموال النقدية الحالية التي تتبخر بسرعة، مما أجبر الآلاف من الشركات الناشئة على تسريح العمال أو إغلاق أبوابها تمامًا، ولذلك وفي ظل هذه الظروف المؤلمة، يأتي انهيار بنك وادي السيليكون، الذي يعتبر ركيزة مالية لعالم الشركات الناشئة بمثابة الكارثة الكبرى في أسوأ توقيت.

لماذا سقط البنك؟

وعن أسباب انهيار بنك "وادي السيليكون"، ذكرت صحيفة الإندبندنت، أن ذلك يعود بشكل كبير إلى سياسة التشديد النقدي التي نفذها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على مدار العام الماضي مما نتج عنها زيادات حادة في أسعار الفائدة، إذ إنه عندما كانت أسعار الفائدة تعادل صفراً استثمرت البنوك في سندات الخزانة طويلة الأجل التي تصنف على أنها منخفضة المخاطر، ولكن الأمر تغير تماماً مع رفع "الفيدرالي" أسعار الفائدة لكبح جموح التضخم مما قلص من قيمة تلك الأصول من السندات طويلة الأجل ومعها منيت البنوك بخسائر.

فارتفاع أسعار الفائدة أثر بشكل خاص على قطاع التكنولوجيا، وهو ما قلص من قيمة أسهم القطاع ليصبح جمع الأموال أمراً في غاية الصعوبة للقائمين على إدارة تلك الشركات، وهو ما أجبرهم على سحب ودائعهم ببنك "سيليكون فالي" لتمويل عملياتهم الجارية، وعلى رغم توسع البنك المتعثر في شراء سندات خزانة بنحو 91 مليار دولار الذي يعد استثماراً آمناً لودائع العملاء، فإن ارتفاع أسعار الفائدة كبد البنك خسائر بلغت نحو 15 مليار دولار تمثل تراجع قيمة تلك السندات، وهذا كان أحد الأسباب الرئيسة في السقوط المدوي للبنك.