الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. هادي التونسي يكتب: أخلاق القرية في المجر

هادي التونسي - طبيب
هادي التونسي - طبيب وسفير سابق

كما لو كنت تقطن تجمعا سكنيا راقيا مغلقا به تعليم أجنبي مميز للأبناء،  هذه سمة حفل عشاء خيري راقص في قاعة احتفالات مبني العمدة بمناسبة تخرج الصف الثامن المكمل للتعليم الأساسي من المدرسة المجاورة بالقرية  المجرية التي أوفت بمعايير القرية الأوروبية من خدمات و مرافق و غيره.جمهور بملابس السهرة من القرية والقرى المجاورة أغلبهم من الحرفيين تربطهم صلات العمل و القربي وتعليم الأنجال، تجدهم يتحادثون و يتعارفون في مودة و لطف، و تقدم اليهم ناظرة المدرسة مشاهير الحضور علميا ووظيفيا و تجاريا، فترى بعضهم يتنقل بين الموائد للتعارف بتواضع واحترام. 
بعد كلمات مراسمية يقدم الخريجون والخريجات فقرة راقصة دربتهم عليها مدربة متخصصة في حصة اسبوعيا، ثم فقرة اخرى بينهم و الوالدين الفخورين بأنجالهم، و فقرة ثالثة للمدربة و شريكها  لرقصة تانجو ببراعة ، ورابعة للمدرسين و المدرسات يمثلون ادوار مضيفي طائرة، يسافرون الي هاواي برقصتها الشعبية، و ذلك قبل  اتاحة القاعة لرقص الجمهور بعد العشاء.
و اتساءل، ماهو قدر جدية و التزام الخريجين الذين اتسموا بالانضباط و الأناقة و احترام الزمالة! ماهو قدر الاحترام  و المودة تجاه المدرسين الذين شعروا بالأمان أن يؤدوا فقرة راقصة فكاهية شاركتهم فيها الناظرة دون ان يخلوا بواجباتهم الوظيفية التي تفترض قدوة للطلبة و قدرة توجيهية عليهم لتعليمهم! ماهو قدر تمدين  الجمهور الحرفي الذي يحتفل بنظام و هدوء و عفوية و لطف و تواضع! ما هو شعور الأفراد بالانتماء تجاه مجتمع القرية  التي يعمل بعضهم في مناطق النمسا المجاورة، و يشيدون منازلهم الأنيقة بأنفسهم، و يتعاضدون لمواجهة كوارث الطبيعة وقت الفيضان، و يبقون منازلهم و شوارعهم و خدماتهم مصانة نظيفة كفئة!، و لماذا يتمتعون بعلاقات سلمية منضبطة بالتزام تجاة الكلمة و الموعد و  العمل و المعاملة المهذبة باحترام صادق، دون ان تسمع عن عنف و شقاق.
التعليم في المجر جيد، و اغلبه حكومي، و يمهد التعليم الاساسي الي سنوات دراسية للاعداد لدخول الجامعة، او لتعليم مهني او تقني وفق قدرات الطالب، لكن الحياة الكريمة متاحة للجميع  مع احترام للأنسان بغض النظر عن وظيفته او ماله او جاهه. و بفضل هذا التعليم الذي جعل المجر قبلة لطلاب اجانب و شركات دولية، فقد امكن للمجر التي لا يتعدي سكانها العشرة ملايين ان تكون صادراتها عام ٢٠٢٢ ما تعدي ١٤٠ مليار دولار و اغلبها من الالات و السيارات و الاجهزة الكهربائية و الالكترونيات و الأدوية و الكيماويات.
فالتعليم الجيد لا يهدف لمجرد تحسين الاقتصاد بل للارتقاء بالانسان و المجتمع و مكانة الدولة.