الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حرب على أباطرة المال ببريطانيا| مطالب بضريبة على الأغنياء لجمع 22 مليار إسترليني سنويًا.. والحكومة مرتعشة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

عندما أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية قانون الحد من التضخم في عام 2022، وصفه كافة المراقبين بأنه يعتبر علامة بارزة في القانون الفيدرالي للولايات المتحدة، حيث كان خطوة سباقة تهدف إلى كبح التضخم عن طريق تقليل العجز، حيث جرت الموافقة عليه من قبل الكونجرس الأمريكي لتسوية الميزانية، وحين تساءل الخبراء عن أفضل ما جاء في هذا القانون، كانت الإجابة الأجزاء الخاصة بجنى الضرائب من الأثرياء الأمريكيين، حيث وفر القانون حينها تمويلا جديدا بقيمة 80 مليار دولار لمدة 10 سنوات وهي خطوة قالت الإدارة إنها ستدر 200 مليار دولار من الإيرادات الإضافية على مدى السنوات العشر المقبلة، ومن هنا جاءت المطالبة بالمثل داخل بريطانيا.

ويبدو أن ضرائب الأغنياء أصبحت قضية مثارة كل عام، ففي 2022، اضطرت حكومة رئيسة الوزراء البريطانية ليز تروس إلى التراجع عن قرارها خفض ضريبة الدخل على الأثرياء بعد عشرة أيام فقط على الإعلان عن موازنة أثارت الفوضى في الأسواق وانتقادات حادة على وقع ارتفاع كلفة المعيشة، ها نحن هذا العام ظهر الجدل مرة أخرى، وسط مطالب بسن قانون على خطى قانون واشنطن، وكذلك  ضرائب الثروة المماثلة في النرويج وإسبانيا وسويسرا، لتحصيل ضرائب إضافية من الأغنياء وتلك هي قصة هذا العام وتفاصيلها. 

 

الجارديان بعد الميرور..الجدل بدايته تقرير نشطاء الضرائب 

بداية ظهور الجدل هذا العام، كانت انطلاقته بداية هذا الإسبوع، عندما قامت صحيفة ميرور الأمريكية بنشر بحث عن قدرة بريطانيا من تحصيل ما يزيد عن 16 مليار دولار إذا ما تم تحصيل ضريبة إضافية من أغنى 350 عائلة من المملكة المتحدة، وهو البحث  الذي صاغه مجموعة من نشطاء الضرائب، ثم أعادت صحيفة الجارديان البريطانية نشره منذ يومين، حيث قالت إنه يمكن لفرض ضريبة ثروة متواضعة على أغنى 350 عائلة في المملكة المتحدة أن تجمع أكثر من 20 مليار جنيه إسترليني سنويًا - وهو ما يكفي لتمويل بناء 145 ألف منزل جديد بأسعار معقولة سنويًا - وفقًا لبحث أجراه نشطاء ضرائب أكثر إنصافًا.

ووفقا لتقرير الصحيفتين نقلا عن البحث الضريبي، فإنه يمكن أن تزيد ضريبة بنسبة 2٪ على الأصول التي تزيد عن 10 ملايين جنيه إسترليني التي يحتفظ بها جميع أعضاء قائمة صنداي تايمز للأثرياء ما يصل إلى 22 مليار جنيه إسترليني، وذلك وفقًا لتحليل أجرته مؤسسات Tax Justice UK و Economic Change Unit و New Economics Foundation (NEF).

 

فكرة مطبقة في النرويج وإسبانيا وسويسرا 

ووفقا لما جاء بالبحث، فإن النشطاء قالوا إن ضرائب الثروة المماثلة في النرويج وإسبانيا وسويسرا ساعدت في الحد من عدم المساواة وخففت من أزمة تكلفة المعيشة لبعض أفقر الناس في تلك البلدان، ودعوا الحكومة إلى إجراء إصلاح عاجل لـ "الظلم الأساسي في النظام الضريبي الذي يعني أن الدخل من العمل يخضع للضريبة أكثر من الدخل من الاستثمارات والإيجارات والميراث".

وقال لوكاسز كريبيل  الاقتصادي في NEF thinktank: "تظهر قائمة الأغنياء لهذا العام أنه في الوقت الذي يعاني فيه الكثير منا من تكاليف المعيشة ، يستمر الأغنياء في المجتمع في الازدهار، ومع ذلك ، فإن هذه المجموعة من النخبة لا تخضع للضريبة مثل أولئك الذين يكسبون رزقنا، مما يتركنا بأموال أقل للاستثمار في المستشفيات والمدارس والمتنزهات، يمكننا مشاركة الثروة التي نخلقها جميعًا من خلال زيادة الضرائب على الأثرياء، ومن خلال القيام بذلك، يمكننا إصلاح خدماتنا العامة ، ودعم مستقبلنا بالطاقة محلية الصنع من الرياح والشمس، وخلق فرص العمل والأحياء المزدهرة لجميع عائلاتنا ".

 

250 عائلة تمتلك 748 مليار جنيه إسترليني 

وداخل بريطانيا، تمتلك أغنى 250 عائلة في المملكة المتحدة ثروة مجتمعة تبلغ 748 مليار جنيه إسترليني، وفقًا لقائمة صنداي تايمز للأثرياء السنوية التي نُشرت الأسبوع الماضي، بزيادة من 704 مليار جنيه إسترليني في العام السابق، ومن بين أولئك المدرجين في قائمة الأثرياء رئيس الوزراء ريشي سوناك وزوجته أكشاتا مورتي في المرتبة 275 من أصل 350 ، مع 529 مليون جنيه إسترليني ، ودوق وستمنستر البالغ من العمر 32 عامًا ، برقم 9.9 مليار جنيه إسترليني ، في المركز 11.

وأشار النشطاء إلى أن أقل من ربع أغنى 100 شخص في قائمة صنداي تايمز للأثرياء يظهرون في قائمة الضرائب السنوية للمنشور نفسه احتفاءً بمن يدفعون معظم الضرائب، وقالوا: "نظرًا لأن الأصول تُفرض عمومًا على ضرائب بمعدل أقل من الدخل، فمن المرجح أن يدفع العديد من أغنى الأشخاص في المملكة المتحدة معدل ضرائب منخفضًا نسبيًا، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن بعض الأشخاص الموجودين في القائمة الذين يتمتعون بحالة غير موطن، أو الذين يقيمون في الخارج بالكامل لأغراض ضريبية قد لا يدفعون ضريبة المملكة المتحدة على جميع الأرباح".

 

شعور عام بعدم المساواة داخل بريطانيا 

وتكرار تفجير تلك القضية من حين إلى آخر، هو تعبير عن شعور عام بعدم المساواة داخل بريطانيا، وهو ما أكه روبرت بالمر، المدير التنفيذي لـ Tax Justice UK، حين قال إن الثروة المتزايدة لأولئك المدرجين في قائمة الأغنياء تسلط الضوء على عدم المساواة في نظامنا الضريبي، حيث يتم فرض ضرائب على أولئك الذين هم بالفعل أثرياء من الاستثمارات والإيجارات والميراث مقارنة بأولئك الذين يحصلون على دخلهم من العمل، فلا يمكن أن يكون صحيحًا أن العديد من العاملين يدفعون معدل ضرائب فعال أعلى من بعض الأشخاص الأكثر ثراءً في مجتمعنا، خاصةً عندما نشهد انخفاضًا في مستويات المعيشة وزيادة فواتير الأغلبية.

وأضاف "يجب على الحكومة إجراء إصلاحات عاجلة لإصلاح نظامنا الضريبي المعطل، وفرض ضرائب أعلى على الثروة ، بحيث يدفع أولئك الذين يكسبون أكثر، ويملكون أكثر من غيرهم ، نصيبهم المناسب".

لتلك الأسباب الحكومة مرتعشة 

وعودة الجدل حول فرض تلك الضريبة مرارا يثير تساؤلا عن مشروعات، وهو لماذا لا تقوم الحكومة باتخاذ تلك الخطوة، وما الدافع الذي يجعل أيديها مرتعشة، خصوصا وأن من يطالب بتلك الخطوة، هم مؤسسات متخصصة في الاستشارات الاقتصادية والعدالة الضريبية، وكذلك تلك الضريبة مطبقة داخل دول الاتحاد الأوروبي مثل  النرويج وإسبانيا وسويسرا.

ويتضح أن الحكومة البريطانية بالفعل تخشى الإقدام على مثل هذا الإجراء، عند معرفة أن المملكة المتحدة شهدت مغادرة 1400 شخص من أصحاب الثروات المرتفعة في عام 2022، مع استمرار تدفق الأثرياء خارج البلاد منذ خروج الدولة من الاتحاد الأوروبي وسط اضطرابات سياسية واقتصادية.

 

العالم في أزمة ومليارديرات بريطانيا يزدادون 

والملفت للنظر داخل بريطانيا، أنه في الوقت الذي يعاني فيه العالم منذ عدة سنوات من أزمات اقتصادية ضخمة نتيجة جائحة فيروس كورونا، ثم بعدها الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن عدد المليارديرات في المملكة المتحدة يزداد بشكل حاد، بل وتلك الزيادة تزامنت مع انتشار جائحة فيروس كورونا، حيث كانت الزيادة من 147 شخصا في عام 2020 إلى 171 هذا العام، مع امتلاك المليارديرات الآن حوالي 4 مليارات جنيه استرليني في المتوسط لكل منهم، بينما كان هناك 15 مليارديراً بريطانياً عندما نشرت صحيفة صنداي تايمز قائمتها للأثرياء لأول مرة في عام 1990.

وفي عام 2021، أوصت لجنة ضرائب الثروة المستقلة بأن تفرض الحكومة ضريبة ثروة لمرة واحدة بنسبة 1% على الأسر التي لديها أكثر من مليون جنيه إسترليني، حيث قدرت اللجنة أن هذه الضريبة ستدر 260 مليار جنيه إسترليني. لكن الحكومة لم تستجب لذلك.

 

هكذا تحدثت الحكومة 

بدوره، قال متحدث باسم وزارة المالية لم تذكر "ذا غارديان" اسمه إن "ضرائب المملكة المتحدة على الثروة تتساوى مع دول مجموعة السبع الأخرى، وأعلى 5% من دافعي ضرائب الدخل يدفعون نصف جميع ضريبة الدخل"، وتبدو الحكومة قلقة من فكرة فرض ضرائب إضافية على الأثرياء خشية تزايد معدلات هجرتهم لبريطانيا، إذ أشار تقرير صادر عن شركة استشارات المواطنة "هينلي أند بارتنرز" في يناير الماضي، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، إلى استمرار مغادرة أصحاب الثروات في 2022 الذي سجل مغادرة 1400 من أصحاب الثروات التي تتجاوز مليون دولار، بعد رحيل 2200 ثري في عام 2019 و2800 ثري في عام 2018 و4200 ثري في عام 2017، بإجمالي 10600 ثري مغادر.

ووفقاً لـ"هينلي أند بارتنرز"، فإن هروب الأثرياء بدأ بعد فترة وجيزة من التصويت في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، الذي تسبب بفقدان أهمية لندن المركزية على المستوى المالي العالمي.